فوائد تفسيرية (٣)

#فائدة_تفسيرية

في قوله تعالى
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَیَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِیهِ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰا ۝١٩﴾ [النساء ١٨-١٩]

قال الرازي في تفسيره :

المَعْنى أنَّكم إنْ كَرِهْتُمْ صُحْبَتَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَعَسى أنْ يَكُونَ في صُحْبَتِهِنَّ الخَيْرُ الكَثِيرُ، ومَن قالَ بِهَذا القَوْلِ فَتارَةً فَسَّرَ الخَيْرَ الكَثِيرَ بِوَلَدٍ يَحْصُلُ فَتَنْقَلِبُ الكَراهَةُ مَحَبَّةً، والنَّفْرَةُ رَغْبَةً، وتارَةً بِأنَّهُ لَمّا كَرِهَ صُحْبَتَها ثُمَّ إنَّهُ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ المَكْرُوهَ طَلَبًا لِثَوابِ اللَّهِ، وأنْفَقَ عَلَيْها وأحْسَنَ إلَيْها عَلى خِلافِ الطَّبْعِ، اسْتَحَقَّ الثَّوابَ الجَزِيلَ في العُقْبى والثَّناءَ الجَمِيلَ في الدُّنْيا.

ثم ذكر الرازي الوجه الثاني في الآية وأن المعنى كرهتم إبقاءهن وأن المراد الخير في المفارقة، فقد نقل الرازي عن هذا القول؛ (قال القاضي: وهَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى حَثَّ بِما ذَكَرَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِمْرارِ عَلى الصُّحْبَةِ، فَكَيْفَ يُرِيدُ بِذَلِكَ المُفارَقَةَ؟)

ورجح المفسر البقاعي الوجه الأول قائلا :
وإنْ ﴿كَرِهْتُمُوهُنَّ﴾؛ فَلا تُبادِرُوا إلى المُضاجَرَةِ؛ أوِ المُفارَقَةِ؛ واصْبِرُوا عَلَيْهِنَّ؛ نَظَرًا لِما هو الأصْلَحُ؛ لا لِمُجَرَّدِ المَيْلِ النَّفْسِيِّ؛ فَإنَّ الهَوى شَأْنُهُ ألّا يَدْعُوَ إلى خَيْرٍ.

وما أجمل ما قاله أبو حيان الأندلسي مستبعدًا قول من يقول إن المراد هنا الخير في المفارقة، قائلا:
(وهَذا القَوْلُ بَعِيدٌ مِن سِياقِ الآيَةِ، ومِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ما قَبْلَها وما بَعْدَها. وقَلَّ أنْ تَرى مُتَعاشِرَيْنِ يَرْضى كُلُّ واحِدٍ مِنهُما جَمِيعَ خُلُقِ الآخَرِ، ويُقالُ: ما تَعاشَرَ اثْنانِ إلّا وأحَدُهُما يَتَغاضى عَنِ الآخَرِ. وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنها خُلُقًا رَضِيَ مِنها آخَرَ) . وأنْشَدُوا في هَذا المَعْنى:
ومَن لا يُغْمِضُ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ
وعَنْ بَعْضِ ما فِيهِ يَمُتْ وهو عاتِبُ
ومَن يَتَتَبَّعْ جاهِدًا كُلَّ عَثْرَةٍ
يَجِدْها ولا يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صاحِبُ
انتهى .

وفي قوله {شيئا} فصاحة جميلة، قالَ القاضِي ابن عطية أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ :
ومِن فَصاحَةِ القُرْآنِ العُمُومُ الَّذِي في لَفْظَةِ “شَيْءٍ” لِأنَّهُ يَطَّرِدُ هَذا النَظَرُ في كُلِّ ما يَكْرَهُهُ المَرْءُ مِمّا يَجْمُلُ الصَبْرُ عَلَيْهِ، فَيَحْسُنُ الصَبْرُ، إذْ عاقِبَتُهُ إلى خَيْرٍ، إذا أُرِيدَ بِهِ وجْهُ اللهِ.

وأختمُ بلطيفةٍ .. نقل ابن العربي بسنده : كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ سَيِّئَةُ الْعِشْرَةِ وَكَانَتْ تُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ وَتُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا، فَيُقَالُ لَهُ فِي أَمْرِهَا وَيُعْذَلُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا رَجُلٌ قَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ عَلَيَّ النِّعْمَةَ فِي صِحَّةِ بَدَنِي وَمَعْرِفَتِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي، فَلَعَلَّهَا بُعِثَتْ عُقُوبَةً عَلَى ذَنْبِي فَأَخَافُ إِنْ فَارَقْتُهَا أَنْ تَنْزِلَ بِي عُقُوبَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهَا .

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
8,860المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة