(حق السجينة المغتصَبة على أهلها ومجتمعها)

(حق السجينة المغتصَبة على أهلها ومجتمعها)

الحمد لله.

= لا تُحقِّروا جُرحها… ولا تُضيفوا ألمًا إلى آلامها
إن المرأة المُسلِمة التي وقعت ضحية لجرائم شنيعة ارتكبها أعداء الإنسانية، ليست مجرد ضحية لجريمة، بل (هي جرح نازف في ضمير أُمَّة كاملة) .
هي أختنا وابنتنا وأمنا، وكرامتها من كرامتنا، وشرفها شرف لنا جميعًا.
كيف نجرؤ على أن نعاملها بازدراء أو أَنْ نضيف إلى آلامها نظرة قاسية أو كلمة جارحة؟ ألم يكفها ما مرّت به مِن عذاب يفوق الوصف، حتى تأتي مجتمعاتنا -التي يفترض أن تكون لها ملجأً وحضنًا آمنًا- وتُكمل عليها بسوء معاملة أو استصغار؟!

= كيف نُحقق مراد الشرع في هذه الأخت؟
إنَّ ديننا العظيم لم يُقرّ يومًا معاقبة الضحيَّة، بل أمر برفع شأنها ورعايتها، قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات/ ١٠]، فكيف تُهدَر حقوق هذه الأخت المبتلاة بأشد البلاء؟
ووعد النبي صلى الله عليه وسلم للمُنفِّس عن أخيه كُربة مِن كُرَب الدنيا بالخير العظيم، فقال: “مَن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” رواه مسلم. فكيف بنا إن نفَّسنا عن أختنا السجينة المبتلاة هذه أشد الكرب وأوجعها؟
إن واجبنا تجاه هذه المرأة لا يقتصر على الحماية الجسدية فقط، بل يجب أن يشمل رعايتها نفسيًّا واجتماعيًّا، وأن نمنحها بيئة تكفل لها العيش بكرامة (فهي بطلة وليست مذنبة) ؛ لقد واجهت قسوة الجلاد، وبقيت واقفة على قدميها، هي درس في الصبر والصمود، ونحن مدينون لها بالاحترام والإكرام.

= على الدُّول والهيئات الإنسانية أن تتحمل مسؤوليتها وذلك من خلال:
١. توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء النساء، ومحو آثار هذه الجريمة مِن ذاكرتهم بقدر المستطاع.
٢. ضمان تأهيلهن ودمجهن في المجتمع، ومنحهن فرصة لحياة كريمة دون أي تمييز أو نظرة دونية.
٣. مواجهة كل من يحاول استغلال أو إيذاء هذه الفئة بيد من حديد.

= إلى المجتمع: راجعوا أنفسكم
(لا تضعوا الملح على الجراح) ولا تحمّلوا الضحية عبء جريمة لم ترتكبها.
إنَّ (الإساءة إليها هي مُشارَكة صامتة في جُرم جلَّاديها) بدلًا مِن أن تكونوا جزءًا من المشكلة كونوا الحل، عانقوا آلامها بحب، وردوا لها بعضًا من السلام الذي سلب منها.
هذه المرأة ليست عِبئًا، إنها جسر لبناء أمة تتعلم مِن آلامها، وتصنع مجدًا مِن أنقاض معاناتها.
ومَن استطاع من الشرفاء المقتدرين الزواج من إحدى تلك الحرائر فلا يتردد- ووالله إنه لعمل جليل فيه الأجور العظيمة مِن الستر والوفاء والعلاج، وقد حدثني بعض مشايخ الشام، فقال: “إحدى النساء اعتقلها النظام، ثم أَفْرَج عنها، فتسابق الشباب إلى خطبتها، حتى خطبها ثمانية عشر رجلا” .
ونِعم الفِعْل فِعلهم، كتب الله أجورهم وأثابهم أجرا عظيما.

= إلى مَن تصرف بحُمق وسفاهة فقتل ابنته أو أخته، نقول:
١. (هل تقتلون شرفكم بيدكم؟!)
أيها الحمقى الذين أعماهم الجَهْل والعار المُصطَنع عن إنسانيتهم ودينهم، أتظنون أنكم برجولتكم المزعومة تغسلون العار حين ترفعون سيوفكم على رقاب بناتكم المغتصَبات؟!
بل أنتم من يجلب العار بأفعالكم الجبانة! أنتم من يدفن إنسانية هذه الأُمَّة حين تَقْتلون الضحية بدلًا من القَصاص مِن الجَلَّاد الحقيقي.
٢. مَن الذي اغتصبها؟ أليس عدوّها وعدوّكم؟
فلِمَ تصبّون جام غضبكم على ضعيفة كسرَتْها المآسي؟ هل قَتْلها سيعيد إليها كرامتها؟ أم أنه يمحو عنكم عار عجزكم عن حمايتها والدفاع عنها؟!
٣. أيها الجهلة، أين دينكم؟!
ألم تسمعوا قول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام، الإسراء، فاطر، الزمر]؟
هل ذنبها أنها كانت ضحية لقوة غاشمة ظالمة؟ هل أمر الله بقتل الضعفاء الذين أُجْبروا على ما يكرهون؟ بل حذّر من الظلم وأمر برعايتهم ودعمهم.
٤. إن ما فعلتموه هو خيانة مزدوجة:
– خيانة لدينكم الذي يحمي المظلوم ويأخذ بيده.
– وخيانة لدماء الشهداء التي سالت من أجل حماية شرف هذه الأمة.
٥. (ما فعلتموه ليس رجولة، بل جُبن مقنّع) أنتم لم تغسلوا العار، بل خَلقتم عارًا جديدًا بيدكم، ولن ينساه التاريخ، (قتْلكم لها هو إعلان عجزكم عن مواجهة العدو الحقيقي) .
(إن كان لديكم ذرة من رجولة، فارجعوا إلى عدوكم الحقيقي) دافعوا عن الأرض والعِرْض، بدل أن تصبحوا سيوفًا تخدم أعداءكم في تحقيق مآربهم!

والله الهادي.

إحسان العتيبي أبو طارق.

يوم السبت:

١٩/جمادى الآخرة/١٤٤٦

21/كانون الثاني/2024

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
11,300المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة