كيف نفهم القضاء والقدر فيما يقع من فعل العبد، والفرق بينه وبين ما يقع من فعل الله تعالى المجرد؟.

#من_أجوبة_الواتس
السؤال:
كيف نفهم القضاء والقدر فيما يقع من فعل العبد، والفرق بينه وبين ما يقع من فعل الله تعالى المجرد ؟.
وليكن ذلك وفق ما كتبه الكاتب هنا في هذا المنشور.

الجواب:
١. هذه العبارة رغم ظاهرها الإيماني، تحمل في داخلها خلطًا عقديّا ومنطقيّا خطيرًا؛ لأنها تُستخدم للهروب من المساءلة والمحاسبة البشرية والسياسية، وللتغطية على قرارات غير مدروسة تسببت في حرب مدمّرة دون تكافؤ في العدة أو العتاد (باعتراف أكبر القياديين)، راح ضحيتها آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والمدنيين.

٢. يؤمن أهل السنة أن كل ما يقع في الكون هو بقدر الله:
قال تعالى ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ القمر/٤٩.
وقد فرقوا بين نوعين من الأفعال:
أ. ما كان من فعل الله المحض (كونيّ قدريّ):
كالزلازل، والبراكين، والأمطار، والأوبئة.
هذه لا يد للإنسان فيها، فيُقابلها المؤمن بالصبر والرضا والاعتبار.
ب. وما كان بسبب فعل الإنسان واختياره:
كالحروب الظالمة، والظلم، والفساد، وسوء التقدير والإدارة.
فهذه تقع بقدر الله علمًا ومشيئةً، لكنها من كسب العبد واختياره،
والله تعالى قدّرها ولم يأمر بها، شاء وقوعها ولم يرضَ بها.
قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بعضَ الذي عمِلُوا﴾ الروم/٤١.
والمقصود بها: ظهور فساد معايش الناس وحلول الآفات والأمراض والأوبئة، وذلك بسبب أفعال الناس الفاسدة، فجازاهم تعالى على أعمالهم في الدنيا مثل الذي ذكرنا.

٣. الإيمان بالقدر لا يعني أن الإنسان مجبرٌ أو معذورٌ في أفعاله،
بل هو مختارٌ محاسبٌ على ما يفعل،كما قال تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف/٢٩، وقال : ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بالحُسْنَى﴾ النجم/٣١.
فمن يحتجّ بالقدر ليسوغ أخطاءه هو على (مذهب الجبرية الضالّ) ، أما أهل السنة فيقولون : “العبد إذا أذنب فاحتجّ بالقدر فهو مبطل، وإذا أصيب فاحتجّ بالقدر فهو مصيب”.
أي: يُحتجّ بالقدر في المصائب لا في المعائب.
قال الشيخ العثيمين -رحمه الله-:
فالاحتجاج بالقدر ممنوع إذا أراد الإنسان أن يستمر على المعصية ليدفع اللوم عن نفسه، ….
لكن إن وقع الإنسان في خطأ وتاب إلى الله، وأناب إلى الله وندم وقال: إن هذا الشيء مقدر عليّ، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه؛ نقول: هذا صحيح، إن تاب واحتج بالقدر فليس هناك مانع ). “شرح رياض الصالحين”.
وهكذا ينبغي فهم حديث الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه– أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”تحاجّ آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أتلومني على أمر قدره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى, فحج آدم موسى ثلاثاً”. أي: غلبه في الحجة.
فهو لا يخرج عن أحد جوابين:
أحدهما: أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يعتب على آدم في معصية تاب منها إلى الله تعالى، فإن هذا بعيد جدّاً أن يقع من موسى –عليه الصلاة والسلام-، وهو أجلّ قدراً من أن يلوم أباه ويعتب عليه في هذا، وإنما عنى بذلك المصيبة التي حصلت لآدم وبنيه وهي الإخراج من الجنة الذي قدره الله عليه بسبب المعصية، فاحتج آدم على ذلك بالقدر من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب، لا على المعايب.
الثاني: أن الاحتجاج بالقدر على ترك الواجب، أو فعل المحرم، بعد التوبة، جائز مقبول؛ لأن الأثر المترتب على ذلك قد زال بالتوبة فانمحى به توجه اللوم على المخالفة، فلم يبق إلا محض القدر الذي احتج به لا ليستمر على ترك الواجب، أو فعل المحظور ولكن تفويضا إلى قدر الله تعالى: الذي لا بد من وقوعه.
باختصار من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (٤/ ١٤٢).

٤. القول بأن ما جرى “هو قدرنا اتفقنا أو اختلفنا”
يعني عمليًا: إلغاء المسؤولية البشرية! فكل قاتل أو ظالم أو متسبب في كارثة يمكن أن يقول الشيء نفسه! وهذا منافٍ للعقل والدين معًا.
بل الواجب أن يُقال:
” ما جرى كان بقدر الله من حيث العلم والمشيئة، لكنه من صنع أيدينا من حيث الخطأ والتقدير، فنُحاسب أنفسنا ونتوب إلى الله ونصحّح المسار.”
أما تحويل القدر إلى ذريعة سياسية أو دعائية لتسويغ قراراتٍ كارثية فهو استهزاء بعقيدة المسلمين.،وتلاعب بأقدس المفاهيم الإيمانية.

٥. كل ما وقع في السابع من أكتوبر وما تلاه بقدر الله، لكن لا يجوز أن نعلّق كل النتائج على القدر لنتهرّب من سوء التخطيط والتقدير، وعدم الاستعداد، والاعتماد على حليف غادر.
فالله تعالى يُمكّن الإنسان ويمنحه حرية القرار، ثم يُحاسبه تعالى على ما اختار.
ومن أخطأ التقدير فعليه أن يتحمل مسؤوليته الشرعية والدنيوية،
لا أن يختبئ وراء ستار “هذا قدرنا”.

٦. الإيمان بالقدر لا يلغي المحاسبة، والرضا بقضاء الله لا يعني الرضا عن تقصير البشر.
فمن احتجّ بالقدر على خطئه فقد جهل معنى الإيمان، ومن آمن بالقدر ليزداد فهماً وسعيًا وإصلاحًا، فقد فهم مراد الله من الابتلاء.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سئل عن الفرار من الطاعون: «نفرّ من قدر الله إلى قدر الله.» أي: نفرّ من مصيبة إلى طاعة، ومن تهورٍ إلى حكمة.
فليكن هذا هو موقفنا:
إيمانٌ بالقدر، لكن مع عقلٍ، ومساءلةٍ، وإصلاحٍ.
والله أعلم
كتبه:
إحسان العتيبي أبو طارق، ٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٧ هـ، ١٩/ ١٠ / ٢٠٢٥

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
12,400المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة