هل يعبد المسلمون واليهود والنصارى ربًّا واحدًا؟

السؤال

شكراً لك على هذا العمل ، سؤالي هو : بما أن المسلمين واليهود والنصارى جميعهم يعتقدون أن العهد القديم صحيح ، ألا يمكننا جميعا أن نعبد نفس الرب ؟ الكل يجتمعون في الاعتقاد بآدم وحواء ، وموسى ، وإبراهيم .. الخ ، فعليه وبناء على الأمور الأساسية الأكثر أهمية ، وبدون أي تفسير بشري يظهر أنه نفس الرب ،  واختلفت الأديان الثلاثة لاحقاً . وشكراً لك على إجابتك.

الجواب

الحمد لله

المقدمة الأولى في السؤال ليست صواباً ، فالمسلمون لا يعتقدون صحة ” العهد القديم “، ومن يعتقد ذلك هم اليهود والنصارى ، وأما المسلمون فإنهم يعتقدون تحريف هذه الكتب المنسوبة لله تعالى أو المنقولة على لسان الرسل  – عليهم السلام – ، ومما يدل على ذلك عندنا :

قول الله تعالى : { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } [ آل عمران / 78 ] .

وقوله عز وجل : { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين } [ النساء / 46 ] .

وغير ذلك كثير .

وفهْم الإسلام بأنه الإيمان بآدم وإبراهيم وموسى  – ولا دخل لحواء في الإيمان كما قاله السائل – ليس صحيحاً ؛ إذ الإيمان بالأنبياء هو جزء من أركان الإيمان الذي يريده الله سبحانه وتعالى ، والذي ينجو به صاحبه من الكفر والنار .

قال الله سبحانه وتعالى : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [ البقرة / 285 ] ، فنلاحظ هنا أن الإيمان المطلوب هو الإيمان بالله  – ويتضمن الإيمان بوجوده وبربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته – ، والإيمان بالملائكة ، والكتب ، والرسل

فالإيمان بالرسل – عليهم السلام – ليس هو الإيمان كله ، بل هو جزء من الإيمان، ولا يكون المرء مسلماً بإيمانه بجميع الأنبياء دون أن يكون موحداً لله مؤمناً به وبملائكته وكتبه ورسله .

وقد كان المشركون –  في الجاهلية  – يعتقدون أكثر من ذلك ولم يكن هذا بجاعلهم من الموحدين ، فقد كانوا يؤمنون أن الله هو الرب الخالق الرازق –  وهو توحيد الربوبيَّة – لكنهم كانوا يشركون في الألوهية فيعبدون آلهة أخرى ويدعونها ويرجونها ، ومع ذلك فلم يكونوا مؤمنين بل كانوا كفّاراً .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

… ومن لم يقل بالفرق : فلم يجعل الله معبوداً محبوباً فإنما يشهد أن لا رب إلا هو ، والمشركون كانوا يقرون بهذه الشهادة ، لم يشهدوا أن لا إله إلا الله ، والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا بتوحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية ، وأما توحيد الربوبية مجرَّداً فقد كان المشركون يقرُّون بأن الله وحده خالق السموات والأرض كما أخبر الله بذلك عنهم غير موضع من القرآن ، قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } [ الزمر / 38 ] ، وقال تعالى : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } [ يوسف / 106 ] . ” منهاج السنَّة ” ( 5 / 328 ) .

ثم إننا إذا نظرنا في دين النصارى واليهود نجد أنهم يشركون مع الله آلهة أخرى ، فبعض النصارى يقولون إن الله هو المسيح عيسى بن مريم ، ومنهم يقول إن ” المسيح ” هو ابن الله ! ، واليهود يقولون إن ” عزيراً ” هو ابن الله ! تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً ، هذا عدا عن اتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله ، فكيف نتفق مع هؤلاء على ربٍّ واحد وهم –  أصلاً –  لا يوحدون الله؟ .

قال الله تعالى : { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون . اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } [ التوبة / 30 ، 31 ] .

وقال تعالى : { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } [ المائدة / 72 ] .

ثم من قال إن اليهود والنصارى على دين واحدٍ ؟ إن اليهود هم الذين قتلوا المسيح عليه السلام –  في زعمهم وإلا فإننا نعتقد أنه رُفع إلى السماء  – وهم الذين كفَّروا النصارى ، وكذلك النصارى كفَّرت اليهود ، فليسوا هم على دين واحدٍ وعقيدة واحدة حتى ينتفقوا مع غيرهم .

قال تعالى : { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } [ البقرة / 113 ] .

قال ابن كثير :

يبيِّن تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه حيث ادَّعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها ، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة أنهم قالوا ” نحن أبناء الله وأحباؤه ” فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم ، ولو كانوا كما ادَّعوا لما كان الأمر كذلك ، وكما تقدم من دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم ينتقلون إلى الجنة ، ورد عليهم تعالى في ذلك .

” تفسير ابن كثير ” ( 1 / 155 ) .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة