الإمساك عن مسألة القضاء والقدر

السؤال

أعرف أن هناك كلام نُمْسِك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها؟

الجواب

الحمد لله

  1. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بالإمساك عن الكلام في أصحابه بسوء، وأمر بالإمساك عن الكلام في القدَر ، والنجوم ؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه .

عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ” إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ” . رواه الطبراني في ” الكبير ” ( 2 / 96 )  .

والحديث : صححه الشيخ الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 34 ) .

  1. وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف ؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } [ التوبة / 100 ] .

وقال سبحانه: { والذي جاء بالصدق وصدَّق به أولئك هم المتقون . لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين . ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون } [ الزمر / 33 – 35 ] ،    وقال تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [ الفتح / 29 ] .

فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } [ الحشر / 10 ] ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ” لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ”  – متفق عليه – . ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 152 ) .

وقال أبو زُرْعَة رحمه الله:

إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق ، وذلك لأن القرءان حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق ، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق . ” الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ” ( 2 / 608 ) .

  1. وأما الشق الثاني من الحديث وهو : الإمساك عن الكلام في النجوم ، فالمقصود به والله أعلم هو : الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس .

وانظر ” كتاب التوحيد ” للشيخ صالح الفوزان ، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما .

وانظر ” فتاوى العقيدة ” ( 2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله فله كلام نفيس جدّاً .

  1. وأما الشق الثالث : وهو الإمساك عن الكلام في القدر، فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:

وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقص ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ولا ناقض  ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه ، وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته كما قال تعالى في كتابه : { وخلق كل شيء فقدره تقديراً }  [ الفرقان / 2 ] ، وقال تعالى : { وكان أمر الله قدراً مقدوراً } [ الأحزاب / 38 ] ، فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً     وأحضر للنظر فيه قلباً سقيماً ، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب ستراً كتيماً وعاد بما قال فيه أفَّاكاً أثيماً . ” شرح العقيدة الطحاوية ” ( ص 306 ) .

فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره ويعلم أن الله إن عذبه فبِعَدله وإن نعَّمه فبفضله ، وهو الكريم الواسع سبحانه وتعالى وما ربك بظلام للعبيد.

والكلام في هذا الباب طويل ، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة