كيف يعرف ابتلاء الامتحان وابتلاء الغضب؟

السؤال

ما الفرق بين الابتلاءات والمحن التي يختبر الله بها العبد وبين غضب الله – والعياذ به منه – ؟ وكيف لي التمييز بينهما ؟ وكيف يصنع الإنسان إذا ظن أنه لم يحقق الصبر المطلوب عند الابتلاء؟. جزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله

ليُعلم – أولاً – أن ابتلاء الله تعالى لعباده المؤمنين ليس هو في الضراء بل وفي السراء.

قال ابن القيم :

على أن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب وعدَّ ذلك كله ابتلاء، فقال : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } ، وقال : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعَّمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن }… “عدة الصابرين ” ( ص 125 ).

وابتلاء الله عبادَه المؤمنين بالسراء إنما هو ليختبر شكرهم ، وابتلاؤه لهم بالضراء ليختبر صبرهم ، وإنما يكون الابتلاء بحسب دينهم وإيمانهم ، وتظهر حقائق المؤمنين وغيرهم بابتلاءات الله تعالى .

قال ابن القيم :

فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه . ” زاد المعاد ” ( 4 / 195 ) .

قال الفضيل بن عياض :

” الناس ما داموا في عافية مستورون ، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ؛ فصار المؤمن إلى إيمانه ، وصار المنافق إلى نفاقه ” . انتهى.

إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة حب من الله له ؛ إذ هي كالدواء ، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى – ففي الحديث الصحيح : ” إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء ، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ” رواه الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 ) ، وصححه الشيخ الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 276 ) .

وليعلم – ثانياً – أن المسلم يستطيع أن يميز بين ما يكون ابتلاء يقٌصد به الاصطفاء ورفع الدرجات ، وبين ما يكون عقوبة ؛ وذلك بكون الثاني بسبب الذنوب والمعاصي .

سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :

إذا ابتلي أحد بمرض أو بلاء سيئ في النفس أو المال ، فكيف يعرف أن ذلك الابتلاء امتحان أو غضب من عند الله ؟ .

فأجاب :

الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء ، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ” ، وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب ، فتكون العقوبة معجلة كما قال سبحانه : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } ، فالغالب على الإنسان التقصير وعدم القيام بالواجب ، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله ، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل رفعا في الدرجات وتعظيما للأجور وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب ، فالحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار ، وقد يكون لتكفير السيئات كما في قوله تعالى : { من يعمل سوءً يُجز به } ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما أصاب المسلم من همٍّ ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى إلا كفَّر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم ” من يرد الله به خيراً يُصِب منه ” ، وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي وعدم المبادرة للتوبة كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة ” خرجه الترمذي وحسنه   مجموع فتاوى ومقالات ” ( 4 / 370 ، 371 ).

– ومن أعظم مقاصد ابتلاء المؤمن : رفع الدرجات وتكفير السيئات .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ” رواه الترمذي ( 2399 )، وصححه الشيخ الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” (2280).

وإذا كان هذا هو حال المؤمن مع البلاء ، وحال البلاء مع المؤمن : فالواجب عليه الصبر عند الضراء ، والشكر عند السراء ، ولا بدَّ للمؤمن من يقين بثواب الله تعالى وحكمته في الابتلاء حتى يتصبَّر ويشكر ربه تعالى ، وليس هذا إلا للمؤمن .

عن صهيب الرومي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” . رواه مسلم ( 2999 ) .

 

والله أعلم.

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة