ما هو أثر العقيدة في تقويم الشخصية المسلمة؟

السؤال

ما هو أثر العقيدة في تقويم الشخصية المسلمة؟
ما هو موقف علم التوحيد في تقويم شخصية المسلم؟

الجواب

الحمد لله

أجمع السلف على أنَّ الإيمان اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح ، والإسلام عقيدة تنبثق منها أعمال وأقوال وأخلاق ، وليس مجرَّد معرفة ذهنية وإقرار قلبي ، ثمَّ لا أثر له في أعمال العبد وأخلاقه .

ومن عرف عقيدة السلف علِم أنه لا انفصام بين العقيدة والأخلاق ، بل هما متلازمان تلازم الروح والجسد ، تعلو الأخلاق بقوة العقيدة ، وتسفل بضعفها .

قال الإمام ابن القيِّم – رحمه الله – :

التوحيد ألطف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه ، فأيُّ شيء يخدشه ويدنسه ويؤثِّر فيه ، فهو كأبيض ثوب يكون يؤثِّر فيه أدنى أثر ، وكالمرآة الصافية جدّاً أدنى شيء يؤثِّر فيها ، ولهذه تشوشه اللحظة ، واللفظة ، والشهوة الخفية ، فإن بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضدّه ، وإلا استحكم وصار طبعاً يتعسَّر عليه قلعه . ” الفوائد ” ( ص 194 ، 195 ) .

وللعقيدة الإسلامية أثر عظيم في تقويم المسلم وتهذيب سلوكه وأخلاقه ، فهو عندما يوحد الله تعالى ، ويخشى عقابه ، ويرجو ثوابه ، ويعلم أنه تعالى مطلع عليه لا تخفى عليه خافية ، وأنه يعلم السرَّ وأخفى : فإنك ستجد – حتماً –  لهذا الاعتقاد أعظم الأثر على سلوك المسلم وأخلاقه .

ومن هنا جاءت أوامر كثيرة في السنة النبوية بُدأت بقول النبي صلى الله عليه وسلم ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ” ، وهكذا في النواهي ، وهو استحثاث للمسلم وتذكير له بإيمانه ، وبيان أن إن صح إيمانه بالله واليوم الآخر فإنه – ولا بدَّ –  سيستجيب لما أمره الله تعالى به ، وسينتهي عما نهاه الله تعالى عنه .

والإيمان بالله تعالى ورجاء ثوابه يقوِّم شخصية المسلم ويرقق قلبه ، ويجعله متوكِّلاً على ربه عز وجل ، قال تعالى : { إنَّما المُؤمنُون الذين إذا ذُكرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وإذا تُليت عليهم آياته زادَتْهُم إيماناً وعلى ربِّهم يتوكَّلُون } [ الأنفال /  2 ] .

والاعتقاد الصحيح يحوِّل الإنسان من بهيمة إلى إنسانٍ سوي ، ومن وحش كاسر إلى حَمَل وديع ، ومن فظ غليظ إلى رقيق رحيم ، ونظرة سريعة إلى شخصيات متعددة كانت على الكفر ثم أسلمت ، أو كانت في الضياع ثم اهتدت يتبين به صحة ما قلناه ، فسحرة فرعون ماذا كانوا وكيف انقلبوا ، وعمر بن الخطاب كيف كان في الجاهلية وكيف صار حاله في الإسلام ، وحدِّث عن قصص التائبين ولا حرج ، فكم آذوا الناس ، وكم سرقوا أموالهم ، وانتهكوا أعراضهم ، بل وآذوا أنفسهم ، ثم يدخل الإيمان في قلب أحدهم فيهديه الله تعالى وينقلب حاله إلى أحسن حال .

وفي آخر ” العقيدة الواسطية ” ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –  رحمه الله –  أن أخلاق المسلمين ومحاسن أعمالهم جزء من اعتقادهم .

قال – رحمه الله – :

ويدعون إلي مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ويعتقدون معنى قوله صلي الله عليه وسلم : ” أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ” .

وفي ” شرح العقيدة الواسطية ” للشيخ ابن عثيمين مباحث رائقة في التعقيب على اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وبيان الآثار المسلكية للإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، ومن أمثلته:

قال – رحمه الله – :

ما نستفيده من الناحية المسلكية في الإيمان بصفتي ” السمع ” و ” الرؤية ” :

أما الرؤية : فنستفيد من الإيمان بها الخوف والرجاء : الخوف عند المعصية ، لأن الله يرانا ، والرجاء عند الطاعة ، لأن الله يرانا ، ولا شك أنه سيثيبنا على هذا ، فتتقوى عزائمنا بطاعة الله ، وتضعف إرادتنا لمعصيته .

وأما السمع : فالأمر فيه ظاهر ؛ لأن الإنسان إذا آمن بسمع الله استلزم إيمانه كمال مراقبة الله تعالى فيما يقول خوفاً ورجاءً : خوفاً ، فلا يقول ما يسمع الله تعالى منه من السوء ، ورجاء ، فيقول الكلام الذي يرضي الله عز وجل. ” شرح العقيدة الواسطية ” ( 1 / 330 ، 331 ) .

والكلام سيطول لو أننا ذكرنا – كذلك – أثر الإيمان بجميع أبواب اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وحسبنا ما ذكرنا من لمَح في ذلك .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة