خجلت من أهلها في إتقان اغتسالها بعد طهارتها من حيضتها فما حكم صلواتها؟

السؤال

عندي سؤال من ثمان سنوات وأنا أحاول أسأل عنه لكن للأسف لم يتوفر لي ذلك ، جربت وحاولت ، لكن لم يكتب لي الله الحصول على الجواب إلى الآن .

شيخنا الفاضل :

قبل 8 سنوات وعندما جاءني الحيض لأول مرة كنت أبلغ من العمر 13 سنة ، وكنت شديدة الحياء لدرجة أني لا أخبر أحداً من أهلي ، وأحاول قدر الإمكان أن لا يعلم أحد بها ، حتى إني من شدة الحياء كنت إذا انتهيت من الحيض في وقت لم أعتد أن أستحم به – كآخر الليل أو عند الفجر أو ما شابهه من أوقات – لم أكن استحم بها ، كنت أذهب إلى دورة المياه – أعزكم الله – واستحم بجميع جسدي إلا شعري كنت أكتفي بأن أخلخل الماء إلى الشعر ليصل إلى فروة الرأس ، حتى إذا خرجت من دورة المياه لا يرى أحد بأن شعري مبلل ويعلم بأني كنت أستحم للفراغ من الحيض .

أعلم بأنه لا حياء في الدين ! وأن حيائي هذا هو الحياء المذموم ، ولكن ” قدر الله وما شاء فعل ” .

– أرجوك – يا فضيلة الشيخ – أفتني , أخشى أن أموت وهذا الذنب عليَّ .

جزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله

أولاً:

نأسف لحال كثيرٍ من أخواتنا المسلمات في وقوعهن بما وقعت فيه الأخت السائلة وفي أبوابٍ من الشرع مختلفة ، وجامع ذلك أنهن يخجلن من ذِكر أنهن حيَّض أو أنهن يفعلن العبادة في وقت حيضهن ، أو يتركن ما أمر الله تعالى به لمن انتهى حيضُها ، فبعضهن يطفن طواف العمرة أو الإفاضة وهنَّ حيَّض ، وأخريات يصلِّين أو يصمن وهنَّ حيَّض ، وطائفة ثالثة يصلِّين قبل أن يغتسلن من انتهاء حيضتهنَّ ، وبه يقعن في إشكالات كثيرة من حيث الحكم الشرعي ، لذا فالواجب على المرأة أن لا يقع منها مثل هذا الخجل ، والحيض كتبه الله على بنات آدم فلا ينبغي الوقوع في الحرام لأجل ما تظنه حياء ! وهو في الحقيقة خجل ؛ حيث إن الحياء لا يأتي إلا بخير ، وهذا قد جلبت لنفسها به الشر فلا يكون حياء ، فعلى الأخوات أن يكنَّ جريئات في الحق ، وليس أمر حيضتها بيدها لا وجوداً ولا انتهاء ، ولكن فعلها للعبادة وتركها لها بيدها فتقع عليها مسئولية مخالفة الشرع فيما تملك لا فيما لا تملك .

ثانياً:

ونرجو أن تكون الأخت السائلة قد أوصلت الماء إلى جميع بدنها وجميع شعرها ، وأن يكون سؤالها عن حكم نقض شعرها وهل يلزمها في الاغتسال من الحيض أم لا – حيث لم يكن ذِكر الحالة واضحاً – ولبيان ذلك نقول : إن جمهور أهل العلم لم يفرقوا بين الجنب والحائض في عدم الإلزام بنقض الشعر حين الاغتسال ، وقولهم هذا قوي يؤيده نصٌّ صحيح .

قال علماء اللجنة الدائمة :

أما اغتسال المرأة من الحيض : فقد اختُلف في وجوب نقضها شعرها للغسل منه ، والصحيح : أنها لا يجب عليها نقضه لذلك ؛ لما ورد في بعض روايات حديث أم سلمة عند ” مسلم ” أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ” إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة وللجنابة ، قال : ( لاَ إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِى عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ ) ، فهذه الرواية نص في عدم وجوب نقض الشعر للغسل من الحيض ومن الجنابة ، لكن الأفضل أن تنقض شعرها في الغسل من الحيض احتياطاً وخروجاً من الخلاف وجمعاً بين الأدلة .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع . ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 5 / 321 ) .

وكنا قد ذكرنا في جواب سابق أنه لا يجب على المرأة نقض شعر رأسها لغسل الجنابة ، ومثله نقول في حال اغتسالها من انتهاء حيضتها .

قال الشافعي – رحمه الله – :

فإذا كانت المرأة ذات شعر تشد ضفرها : فليس عليها أن تنقضه في غسل الجنابة ، وغسلها من الحيض كغسلها من الجنابة لا يختلفان ، يكفيها في كلٍّ ما يكفيها في كلٍّ . ” الأم ” ( 1 / 40 ) .

وهذا قول الجمهور – كما سبق – ، ولو احتاطت المرأة فنقضت شعر رأسها عند اغتسالها من انتهاء حيضتها فهو أفضل .

ثالثاً:

وإذا لم تكوني قد أوصلتِ الماء إلى شعر رأسك حين الاغتسال : فصلواتك التي صليتِها بعد الغسل إلى الغسل الذي بعده : باطلة ، ويُطلب منك قضاؤها ؛ ولو فات وقتها ؛ لعلمكِ بوجوب غسل شعرك كاملاً ، وخجلكِ ليس عذراً في الشرع ، كما يُطلب منك التوبة الصادقة ، والندم على الفعل ، وعدم الرجوع لمثل هذا الفعل ، مع الإكثار من الأعمال الصالحة .

وإنما تُعذرين بالقضاء فلا يلزمك لو كنتِ تجهلين وجوب غسل الشعر كاملاً ، فمع الجهل بالواجبات والشروط والأركان لا يؤمر المسلم بقضاء ما فات من الصلوات ، وإنما يؤمر بقضاء الصلاة التي لم يخرج وقتها فقط ، والظاهر لنا أنكِ تعلمين وجوب غسل الشعر كاملاً ، وتعلمين أن الطهارة شرط لصحة الصلاة ، وعليه : فتكون الصلوات التي صليتِها إلى الغسل الذي بعده : باطلة كلها ، ويلزمك قضاؤها حسب قدرتك إما جميعاً أو متفرقة بحسب قدرتك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :

فالصحيح من أقوالهم : أنه لا إعادة على أحد فعلَ ما أُمر به بحسب الاستطاعة ، وإنما يعيد من ترك واجباً يقدر عليه ، مثل من تركه لنسيانه أو نومه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ) – متفق عليه – وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من توضأ وترك لمعة لم يصبها الماء من قدمه يعيد الوضوء والصلاة .

وما ترك لجهله بالواجب مثل من كان يصلي بلا طمأنينة ولا يعلم أنها واجبة : فهذا قد اختلفوا فيه : هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا ؟ على قولين معروفين ، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره ، والصحيح : أن مثل هذا لا إعادة عليه ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته ( اذْهَبْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) – مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا – فَقَالَ : ” وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي مَا يَجْزِينِي فِي صَلَاتِي ” ، فعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة – متفق عليه – ، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت مع قوله : ” وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا ” ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة ؛ لأن وقتها باق ، فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها ، وأما ما خرج وقته من الصلاة : فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته ؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه ، وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقضي ما تركه من الصلاة لأجل الجنابة – متفق عليه – ؛ لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم ، وكذلك المستحاضة قالت له : ” إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة ” فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة ولم يأمرها بقضاء ما تركته … – رواه الترمذي وحسَّنه ، وأبو داود – . ” مجموع الفتاوى ” ( 21 / 429 ، 430 ) .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة