تلوث ثياب الصلاة بالدم والبول وأثره عليها

السؤال

هل قطرات من الدم الصغيرة أو البول على الملابس الداخلية في حالة تعذر تغيرها يجوز الصلاة بها أم لا وإن كانت تخرج دون قصد أو علم؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

يختلف حكم الدم عن حكم البول ، فالراجح طهارة دم الإنسان ومأكول اللحم ، دون دم الحيض ، وأجمع العلماء على نجاسة البول ، وبعض من قال بنجاسة الدم قال بأنه يعفى عن يسيره ، ومن بذل جهده لإزالة النجاسة فلم يزل فليس عليه شيء ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ومن لم يعلم بالنجاسة إلا بعد انتهاء صلاته فليس عليه إعادة ، ويجب عليه أن يبادر إلى إزالتها .

عن أنس بن مالك أن أعرابيّاً بال في المسجد فقاموا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزرموه ، ثم دعا بدلو من ماء فصبَّ عليه . رواه البخاري ( 5679 ) ومسلم ( 284 ) .

قال ولي الدين العراقي :

فيه : نجاسة بول الآدمي , وهو إجماع من العلماء إلا ما حكي عن داود في بول الصبي الذي لم يطعم أنه ليس بنجس للحديث الصحيح فنضحه ولم يغسله , وهو مردود بالإجماع فقد حكى بعض أصحابنا الإجماع أيضا في نجاسة بول الصبي ، وأما ما حكاه ابن بطال , والقاضي عياض , والقرطبي في المفهم عن الشافعي من طهارة بول الصبي فهو باطل عنه لا أصل له في كتب أصحابه . ” طرح التثريب ” ( 2 / 140 ) .

قال الشيخ ابن عثيمين –  رحمه الله – :

والقول بأن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السَّبيلَين : قول قويٌّ ، والدَّليل على ذلك ما يلي :

  1. أنَّ الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة ، ولا نعلم أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أمَر بغسل الدَّمِ إلا دم الحيض ، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ، ورعاف ، وحجامة ، وغير ذلك ، فلو كان نجساً لبيَّنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك .
  2. أنَّ المسلمين مازالوا يُصلُّون في جراحاتهم في القتال ، وقد يسيل منهم الدَّمُ الكثير ، الذي ليس محلاًّ للعفو ، ولــم يـرد عنـه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الأمرُ بغسله ، ولم يَرِدْ أنهم كانوا يتحرَّزون عنه تحرُّزاً شديداً ؛ بحيث يحاولون التخلِّي عن ثيابهم التي أصابها الدَّم متى وجدوا غيرها .

ولا يُقال : إن الصَّحابة – رضي الله عنهم – كان أكثرهم فقيراً ، وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه ، ولاسيَّما أنهم في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثِّياب عليهم للضَّرورة .

فيُقال : لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلاً بالوصول إلى الماء ، أو البلد ، وما أشبه ذلك .

  1. أنَّ أجزاء الآدميِّ طاهرة ، فلو قُطِعَت يده لكانت طاهرة مع أنَّها تحمل دماً ؛ ورُبَّما يكون كثيراً ، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر رُكناً في بُنْيَة البَدَن طاهراً ، فالدَّم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى .
  2. أنَّ الآدمي ميْتته طاهرة ، والسَّمك ميْتته طاهرة ، وعُلّل ذلك بأن دم السَّمك طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة ، فكذا يُقال : إن دم الآدمي طاهر، لأن ميتته طاهرة .

فإن قيل : هذا القياس يُقابل بقياس آخر ، وهو أنَّ الخارجَ من الإنسان من بولٍ وغائطٍ نجسٌ ، فليكن الدَّم نجساً .

فيُجاب : بأن هناك فرقاً بين البول والغائط وبين الدَّمِ ؛ لأنَّ البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطِّباع ، وأنتم لا تقولون بقياس الدَّم عليه ، إذ الدَّم يُعْفَى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يُعْفَى عن يسيرهما ، فلا يُلحق أحدُهما بالآخر .

فإن قيل : ألا يُقاس على دَمِ الحيض ، ودم الحيض نجس ، بدليل أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمَرَ المرأة أن تَحُتَّه ، ثم تَقرُصَه بالماء ، ثم تَنْضِحَه ، ثم تُصلِّي فيه ” .

فالجواب : أن بينهما فرقاً :

أ .  أن دم الحيض دم طبيعة وجِبِلَّة للنساء ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : ” إنَّ هذا شيءٌ كتبه اللهُ على بنات آدم ” فَبَيَّنَ أنه مكتوب كتابة قَدريَّة كونيَّة ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الاستحاضة : ” إنَّه دَمُ عِرْقٍ ”  ففرَّق بينهما .

ب . أنَّ الحيضَ دم غليظ منتنٌ له رائحة مستكرهة ، فيُشبه البول والغائط ، فلا يصحُّ قياس الدَّم الخارج من غير السَبيلَين على الدَّم الخارج من السَّبيلَين ، وهو دم الحيض والنِّفاس والاستحاضة .

– فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قويٌّ جدّاً ؛ لأنَّ النَّصَّ والقياس يدُلاّن عليه .

– والذين قالوا بالنَّجاسة مع العفو عن يسيره حكموا بحكمين :

أ . النَّجاسة .

ب . العفو عن اليسير .

وكُلٌّ من هذين الحُكْمَين يحتاج إلى دليل ، فنقول : أثبتوا أولاً نجاسة الدَّمِّ ، ثم أثبتوا أنَّ اليسير معفوٌّ عنه ؛ لأنَّ الأصل أنَّ النَّجس لا يُعْفَى عن شيء منه ، لكن من قال بالطَّهارة  لا يحتاج إلا إلى دليل واحد فقط ، وهو طهارة الدَّم ، وقد سبق .

فإن قيل : إنَّ فاطمة – رضي الله عنها – كانت تغسل الدَّمَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في غزوة أُحُد ، وهذا يدلُّ على النَّجاسة .

أُجيب من وجهين :

أحدهما : أنَّه مجرَّد فِعْل ، والفعل المجرَّد لا يدلُّ على الوجوب .

الثاني : أنه يُحتَمَل أنَّه من أجل النَّظافة ؛ لإزالة الدَّم عن الوجه ؛ لأنَّ الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم ، ولو كان يسيراً ، فهذا الاحتمال يبطل الاستدلال . ” الشرح الممتع ” ( 1 /  441 – 443 ) .

ثانياً :

– ويجب على من دخل في الصلاة أن يطهِّر بدنه وثيابه ومكان صلاته .

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :

قوله : ” والنَّجَس ” ، أي : ومن شروط الصَّلاة الطهارة من النَّجس .

وقد تقدم – في باب إزالة النَّجاسة – بيانُ الأعيان النجسة .

والطَّهارةُ من النَّجس ، يعني : في الثوب ، والبقعة ، والبدن ، فهذه ثلاثة أشياء .

فالدليل على اشتراط الطهارة من النَّجاسة في الثَّوب :

أولاً : ما جاء في أحاديث الحيض أن الرسول صلى الله عليه وسلم سُئل عن دم الحيض يصيب الثَّوب فأمر أن ” تَحُتَّه ثم تَقْرُصَه بالماء ، ثم تَنْضحَهُ ، ثم تصلِّي فيه ” ، وهذا دليل على أنه لا بُدَّ من إزالة النَّجاسة .

ثانياً : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أُتيَ بصبيٍ لم يأكل الطَّعام ؛ فبالَ في حِجْرِه ، فدعا بماءٍ فأتبعه إيَّاه ، وهذا فعل ، والفعل لا يقوى على القول بالوجوب ، لكن يؤيِّده ما جاء في الحديث السابق .

ثالثاً : أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم بنعليه ، ثم خلع نعليه ، فخلع الصحابةُ نِعالهم ، فسألهم حين انصرف من الصَّلاة : لماذا خلعوا نعالهم ؟ فقالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال : ” إنَّ جبريل أتاني فأخبرني أنَّ فيهما أذًى – أو قذراً – ” وهذا يدلُّ على وجوب التَّخلي من النَّجَاسة حال الصَّلاة في الثوب .

” الشرح الممتع ” ( 2 /  98 ، 99 ) .

والقول بوجوب إزالة النجاسة من الثوب دون الشرطية لعله هو الأرجح ، وفي كِلا الحالين لا ينبغي التردد في صحة صلاة من رأى النجاسة وعجز عن إزالتها .

قال ابن القيم – رحمه الله – :

ومن ذلك – يعني مما سهل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد فيها الموسوسون – ما أفتى به عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وطاوس وسالم ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والأوزاعي ومالك وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والإمام أحمد في أصح الروايتين وغيرهم : أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة لم يكن عالماً بها ، أو كان يعلمها لكنه نسيها ، أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها : أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه . ” إغاثة اللهفان ” ( 1 / 152 ) .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة