يريد أدلة تحريم الوقوع في الصحابة كمعاوية – رضي الله عنه -.
السؤال
هل يجوز لنا, المسلمين المتأخرين, أن ندلي بآرائنا حول صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟ أنا أعتقد أنهم كانوا أفضل المسلمين على الإطلاق, ولذلك, فإن الوقوع فيهم يعد معصية – معصية مهلكة -. لكن، ولسوء الحظ, فإن العديد من سكان حينا السكني يفتقرون إلى العلم (فهم لا يتبعون السنة, بل البدع ويتبعون ما تعارف عليه الناس) وقد تم إقناعهم بتبني أمورا سيئة ضد الصحابة (وأحد الأمثلة الكبيرة علي ذلك معاوية ويزيد – رحمهما الله -). أنا أشعر بالغضب الشديد دائما من ذلك لكني أتذكر الآية التي فيها أنه إذا كان هناك خلاف بين المسلمين ولم يوجد حل واضح, فعليك الإمساك عن الكلام. لذلك, فإني سأكون ممتنا لك إذا قدمت لي بعض الآيات أو الأحاديث الخاصة بالصحابة (تمنع الوقوع في يزيد رحمه الله, ومن شابهه) لكي تكون دعوتي لأهل مدينتي مؤيدة ويمكننا التخلص من الاتباع الأعمى .. آمين.
الجواب
الحمد لله
أولًا:
لا بد أن نعلم من هو الصحابي قبل الكلام في المسألة.
قال البخاري في صحيحه:
كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين: فهو من أصحابه.
فهذا الذي ذكره البخاري هو قول جمهور المحدثين، ولا يعبأ بأقوال أهل البدع كالرافضة وغيرهم.
ثانيًا:
إن أهل السنة قاطبة اتفقوا على عدالة الصحابي، وأنهم عدول رضي الله عنهم ومرضي عنهم جميعًا، والدليل على ذلك من الكتاب والسنة:
قال تعالى:{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ورضوا عنه } [ التوبة / 100 ].
وقال تعالى:{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } [ الفتح / 18 ].
وقال تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعًا سجَّدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [ الفتح / 29 ].
ومن الأحاديث:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح “. رواه البخاري ( 2740 ) ، ومسلم ( 2532 ).
وعن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال: ” صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء، قال: فجلسنا، فخرج علينا فقال: ما زلتم ههنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلى معك العشاء، قال: أحسنتم – أو: أصبتم – قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون.
رواه مسلم في صحيحه ( 2531 ).
- ويدخل في الصحابة معاوية رضي الله عنه وغيره في عموم هذه الأحاديث وغيره.
ثالثًا:
أن مرتبة الصحبة لا ينالها أحد من بعدهم حتى العلماء والصالحون وغيرهم، وقد سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله: أيهما أفضل معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فأجاب: الغبار الذي دخل أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بن عبد العزيز.
وقال ابن حجر رحمه الله:
والذي ذهب اليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبلغيه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا والذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم. ” فتح الباري ” ( 7 / 8 ) لابن حجر.
رابعًا:
لابد أن نعلم أن أكثر الشبهات التي أثيرت حول الصحابة وخصوصا معاوية رضي الله عنه وغيره من الصحابة هي من قِبَل الزنادقة والمنافقين- وأكثرهم من الرافضة – الذين يتربصون بالإسلام وأهله، وهدفهم الطعن بالسنة.
روى الخطيب البغدادي في ” تاريخه ” عن عبد الله بن مصعب قال: قال لي أمير المؤمنين المهدى: يا أبا بكر: ما تقول فيمن ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: زنادقة، قال: ما سمعت أحدًا قال هذا قبلك؟ قال: قلت: هم قوم أرادوا رسول الله بنقص فلم يجدوا أحدًا من الأمة يتابعهم على ذلك فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء وهؤلاء عند أبناء هؤلاء فكأنهم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحبه صحابة السوء، وما أقبح بالرجل أن يصحبه صحابة السوء، فقال: ما أراه إلا كما قلت. ” تاريخ بغداد ” ( 10 / 174 ).
وقال أبو زرعة الرازي: إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآنَ والسنَّةَ أصحابُ رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا – الصحابة – ليبطلوا الكتابَ والسنَّة والجرح بهم أولى وهم زنادقة. ” الكفاية ” للخطيب البغدادي ( 67 ).
خامسًا:
قال الإمام أحمد: ثلاثة علوم لا إسناد لها: التفسير، والفتن، والملاحم.
أي: أن هذه يكثر فيها الكذب والزور، ولابد أن نعلم أهمية الإسناد عند دراسة كتب التاريخ، والله سبحانه قد حفظ دين هذه الأمة بالإسناد، وإذا علمنا أن أكثر رواة التاريخ من الشيعة، والشيعة هم أكثر الطوائف كذبًا وزورًا وخصوصا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: دلَّ ذلك على أن ما يورده أصحاب التواريخ أكثره لا يصح.
سادسًا:
إن معاوية رضي الله عنه مِن أفاضل الصحابة، وهو الباب لمن أراد أن يطعن بالصحابة.
قال الربيع بن نافع: معاوية سِتر أصحاب النبي، فإذا كشف الرجل الستر: اجترأ على ما وراءه.
” مختصر تاريخ دمشق ” ( 25 / 74 ).
وقال الإمام أحمد – كما في ” طبقات الحنابلة ” – وقد سئل: نصلي خلف من يشتم معاوية؟ قال: لا، ولا كرامة.
ومن فضائله:
ما ذكره ابن كثير في كتابه ” البداية والنهاية ” ( 8 / 21 ): أن معاوية كان من كتاب الوحي، وعقد ابن كثير فصلًا كاملًا في فضائله وثناء السلف عليه من الصحابة والتابعين، وكذلك فعل الإمام الذهبي في ” سير أعلام النبلاء “، وقد عقد البخاري بابًا في فضائله في صحيحه، وكذلك الترمذي في جامعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وفضائل معاوية في حسن السيرة والعدل والإحسان كثيرة، وفي الصحيح أن رجلا قال لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، إنه أوتر بركعة، قال: أصاب، إنه فقيه. رواه البخاري ( 3554 ).
وروى البغوي في ” معجمه ” بإسناده، ورواه ابن بطة من وجه آخر كلاهما عن سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر عن قيس بن الحارث عن الصنابحي عن أبي الدرداء قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا – يعني: معاوية -.
فهذه شهادة الصحابة بفقهه ودينه، والشاهد بالفقه: ابن عباس، وبحسن الصلاة: أبو الدرداء، وهما من هما، والآثار الموافقة لهذا كثيرة. ” منهاج السنة ” ( 6 / 235 ).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضًا:
وأما معاوية بن أبى سفيان وأمثاله من الطلقاء الذين أسلموا بعد فتح مكة كعكرمة بن أبى جهل والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب هؤلاء وغيرهم ممن حسُن إسلامهم باتفاق المسلمين، ولم يُتهم أحدٌ منهم بعد ذلك بنفاق، ..
وكان أخوه يزيد بن أبى سفيان خيرًا منه وأفضل وهو أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه في فتح الشام ووصَّاه بوصية معروفة، وأبو بكر ماش ويزيد راكب، فقال له: يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال: لستُ براكبٍ ولستَ بنازلٍ إني احتسب خطاي في سبيل الله، وكان عمرو ابن العاص هو الأمير الأخير، والثالث: شرحبيل بن حسنة، والرابع: خالد بن الوليد وهو أميرهم المطلق ثم عزله عمر وولَّى أبا عبيدة عامر بن الجراح الذي ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له أنه أمين هذه الأمة فكان فتح الشام على يد أبي عبيدة وفتح العراق على يد سعد بن أبى وقاص ثم لما مات يزيد بن أبى سفيان في خلافة عمر استعمل أخاه معاوية، وكان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسة وأخبرهم بالرجال، وأقومهم بالحق وأعلمهم به حتى قال علي بن أبى طالب رضى الله عنه: كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الله ضرب الحق على لسان عمر و قلبه ” وقال: ” لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ” – أخرجه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 327 ).
وقال ابن عمر: ما سمعت عمر يقول في الشيء أني لأراه كذا وكذا إلا كان كما رآه، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ” مارآك الشيطان سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك ” – أخرجه البخاري ( 3120 ) ومسلم ( 2397 ) بلفظ فيه اختلاف من حديث سعد بن أبي وقاص – ولا استعمل عمر قط بل ولا أبو بكر على المسلمين منافقًا ولا استعملا من أقاربهما، ولا كان تأخذهما في الله لومة لائم بل لما قاتلا أهل الردة وأعادوهم إلى الإسلام منعوهم ركوب الخيل وحمل السلاح حتى تظهر صحة توبتهم، وكان عمر يقول لسعد بن أبى وقاص وهو أمير العراق: لا تستعمل أحدًا منهم ولا تشاورهم في الحرب؛ فإنهم كانوا أمراء أكابر مثل طليحة الأسدى والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والأشعث بن قيس الكندي وأمثالهم، فهؤلاء لما تخوف أبو بكر وعمر منهم نوع نفاق: لم يولِّهم على المسلمين، فلو كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبى سفيان وأمثالهما ممن يُتخوف منهما النفاق: لم يُولُّوا على المسلمين، بل عمرو بن العاص قد أمّره النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة ذات السلاسل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يولِّ على المسلمين منافقًا، وقد استعمل على نجران أبا سفيان بن حرب – أبا معاوية – ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان نائبه على نجران، وقد اتفق المسلمون على أن إسلام معاوية خير من إسلام أبيه أبي سفيان، فكيف يكون هؤلاء منافقين والنبي صلى الله عليه وسلم يأتمنهم على أحوال المسلمين في العلم والعمل، وقد علم أن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما كان بينهم من الفتن ما كان و لم يتهمهم أحد من أوليائهم لا محاربوهم ولا غير محاربيهم بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله مأمونون عليه في الرواية عنه والمنافق غير مأمون على النبي صلى الله عليه وسلم بل هو كاذب عليه مكذب له إذا كانوا مؤمنين محبين لله ورسوله فمن لعنهم فقد عصى الله ورسوله. ” مجموع الفتاوى ” ( 35 / 64 ، 66 ).
وقال النووي رحمه الله:
وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه، وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها، وكلهم عدول رضي الله عنهم، ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يُخرج شيءٌ من ذلك أحدًا منهم عن العدالة؛ لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها، ولا يلزم من ذلك نقص أحدٍ منهم واعلم أن سبب تلك الحروب: أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:
قسم: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغٍ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.
وقسم: عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه: لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه.
فكلهم معذورون رضي الله عنهم، ولهذا اتفق أهل الحق ومن يُعتدُّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين. ” شرح مسلم للنووي ” ( 15 / 149 ).
وأما عقيدة أهل السنة في يزيد بن معاوية ، فقد لخصها شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله :
ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة أنه لا يُسبُّ ولا يُحبُّ.
” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 408 ).
وقال شيخ الإسلام أيضًا:
الرافضة لما كانت تسب الصحابة: صار العلماء يأمرون بعقوبة من يسب الصحابة، ثم كفرت الصحابة وقالت عنهم أشياء قد ذكرنا حكمهم فيها في غير هذا الموضع، ولم يكن أحد إذ ذاك يتكلم في يزيد بن معاوية، ولا كان الكلام فيه من الدين، ثم حدثت بعد ذلك أشياء فصار قوم يظهرون لعنة يزيد بن معاوية وربما كان غرضهم بذلك التطرق إلى لعنة غيره فكره أكثر أهل السنة لعنة أحدٍ بعينه، فسمع بذلك قوم ممن كان يتسنَّن فاعتقد أن يزيد كان من كبار الصالحين وأئمة الهدى، وصار الغلاة فيه على طرفي نقيض:
هؤلاء يقولون: إنه كافر زنديق وأنه قتل ابن بنت رسول الله وقتل الأنصار وأبناءهم بالحرة ليأخذ بأثر أهل بيته الذين قتلوا كفارًا مثل جدِّه لأمه عتبة بن ربيعة وخاله الوليد وغيرهما ويذكرون عنه من الاشتهار بشرب الخمر وإظهار الفواحش أشياء.
وأقوام يعتقدون أنه كان إمامًا عادلًا هاديًا مهديًّا، وأنه كان من الصحابة أو أكابر الصحابة وأنه كان من أولياء الله تعالى وربما اعتقد بعضهم أنه كان من الأنبياء ويقولون من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم ويروون عن الشيخ حسن بن عدي أنه كان كذا وكذا وليًّا ومن وقفوا فيه وقفوا على النار لقولهم في يزيد، وفي زمن الشيخ حسن زادوا أشياء باطلة نظما ونثرا وغلوا في الشيخ عدي، وفي يزيد بأشياء مخالفة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير فإن طريقته كانت سليمة لم يكن فيها من هذه البدع وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسنًا وجرت فتن لا يحبها الله ولا رسوله.
وهذا الغلو في يزيد من الطرفين خلاف لما أجمع عليه أهل العلم والإيمان، فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبان المسلمين، ولا كان كافرًا ولا زنديقًا، وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهرًا للفواحش كما يحكي عنه خصومه، وجرت في إمارته أمور عظيمة:
أحدها: مقتل الحسين رضي الله عنه، وهو لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه رضي الله عنه، ولا حمل رأس الحسين رضي الله عنه إلى الشام، لكن أمر بمنع الحسين رضي الله عنه، وبدفعه عن الأمر ولو كان بقتاله، فزاد النواب على أمره، وحض الشمَّر ذي الجوشن على قتله لعبيد الله بن زياد فاعتدى عليه عبيد الله بن زياد فطلب منهم الحسين رضي الله عنه أن يجيء إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر مرابطًا أو يعود إلى مكة فمنعوه رضي الله عنهم إلا أن يستأسر لهم وأمر عمر بن سعد بقتاله فقتلوه مظلومًا له ولطائفة من أهل بيته رضي الله عنهم.
وكان قتله رضي الله عنه من المصائب العظيمة؛ فإن قتل الحسين وقتل عثمان قبله كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله، ولما قدم أهلهم رضي الله عنهم على يزيد بن معاوية أكرمهم وسيرهم إلى المدينة، وروي عنه أنه لعن ابن زياد على قتله وقال: كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين، لكنه مع هذا لم يظهر منه إنكار قتله.
والانتصار له والأخذ بثأره: كان هو الواجب عليه، فصار أهل الحق يلومونه على تركه للواجب مضافًا إلى أمور أخرى، وأما خصومه فيزيدون عليه من الفرية أشياء.
وأما الأمر الثاني: فإن أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته، وأخرجوا نوابه وأهله فبعث إليهم جيشًا وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثًا فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا يقتلون وينهبون ويفتضون الفروج المحرمة، ثم أرسل جيشًا إلى مكة المشرفة فحاصروا مكة وتوفي يزيد وهم محاصرون مكة.
وهذا من العدوان والظلم الذي فعل بأمره، ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة أنه لا يسب ولا يحب.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن قومًا يقولون إنهم يحبون يزيد، قال: يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا؟ وروى عنه: قيل له: أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟ فقال: لا، ولا كرامة، أو ليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل.
فيزيد عند علماء أئمة المسلمين: ملك من الملوك لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله، ولا يسبونه؛ فإنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين؛ لما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا كان يدعى حمارًا وكان يكثر شرب الخمر وكان كلما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضربه فقال عمر: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي، فقال النبي: ” لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله – رواه البخاري ( 6398 ) -.
ومع هذا فطائفة من أهل السنة يجيزون لعنه لأنهم يعتقدون أنه فعل من الظلم ما يجوز لعن فاعله، وطائفة أخرى ترى محبته لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة وبايعه الصحابة، ويقولون: لم يصح عنه ما نقل عنه وكانت له محاسن أو كان مجتهدًا فيما فعله.
والصواب: هو ما عليه الأئمة من أنه لا يخص بمحبة، ولا يلعن، ومع هذا فإن كان فاسقًا أو ظالمًا: فالله يغفر للفاسق والظالم، لا سيما إذا أتى بحسنات عظيمة، وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ” أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له ” – رواه البخاري ( 2766 ) -،
وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
فالواجب: الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيد بن معاوية وامتحان المسلمين به، فإن هذا من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة. ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 409 ).
والله أعلم.


