تقوم الليل ومتعصبة لمذهبها، فما التوجيه؟

السؤال

أعرف أختا متدينة وتعتبر قدوة للأخوات، أعلم أنه يجب أن لا نمدح الأشخاص ولكنها لا تعلم بأنني سأرسل هذا السؤال، هذه الأخت تصلي قيام الليل كل ليلة ولا يفوتها هذا إلا نادرا جدّا.

السؤال الأول: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجال الثلاثة الذين أتوه وأحدهم دائم الصيام والآخر دائم القيام والثالث لا يتزوج النساء، فما هي النصيحة التي تقدمها لهذه الأخت؟ الرسول صلى الله عليه وسلم رد على الرجال الثلاثة بأنه يصوم ويفطر ويقوم وينام ويتزوج النساء، فهل هذه الأخت تُعتبر متشددة من هذه الناحية أم أن هذا مقبولا ما دامت لا تؤثر على جسمها ولا تشعر بالنعاس طوال اليوم؟

السؤال الثاني: إذا كان شخص بهذه الصفات ولكن عقيدته فيها خلل وتم نصحه وإخباره بأنه يتبع المذهب الحنفي اتباع الأعمى، فهل يجعله الله من الفرق الـ 72 التي لن تنجو يوم القيامة؟

أخلاقها جيدة جدّا ولكنها تكون عنيدة إذا حاولت أن أشرح لها عن التقليد.

– فأرجو المساعدة، وشكرًا.

الجواب

الحمد لله

أولا:

قيام الليل من العبادات العظيمة والتي هي من هدي الصالحين، وقد رتَّب الشرع عليها أجورًا عظيمة، وأهله من المحمودين لا من المذمومين.

قال الله تعالى – في وصف المؤمنين -: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا وممّا رزقناهم ينفقون } [ السجدة / 16 ].

وقال تعالى – أيضا -: { إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلا من الليل ما يهجعون } [ الذاريات / 15 – 17 ].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار. رواه البخاري ( 4737 ) ومسلم ( 815 ).

وعن ابن عمر رضي الله عنه – أيضا – قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصَّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيتُ أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنتُ غلاما شابّا، وكنتُ أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيتُ في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلتُ أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملَك آخر، فقال لي: لم تُرَع، فقصصتها على حفصة فقصَّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا.

رواه البخاري ( 1070 ) ومسلم ( 2479 ).

وإذا كانت الأخت المسئول عنها لا تضيع بسبب قيامها لليل واجبات عليها كحقوق الزوج – إن كانت متزوجة – أو حقوق الوالدين، وكان قيامها لا يؤثر على أداء صلاة الفجر في وقتها، ولا تقوم الليل كلَّه في كل يوم: فإنّها من المؤمنات المحسِنات، ولا نملك إلا أن ندعو الله أن يثبتها على دينه.

والثلاثة نفر الذين ورد ذكرهم في السؤال تعاهدوا على خلاف السنة، ومنهم الذي نوى أن يقوم الليل ولا يرقد، وهذا لا شك أنه مخالف للسنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد العابدين – قال – ردّا عليه -: أمّا أنا فأقوم وأرقد “، فعلمنا أن قيام الليل كلَّه ليس من هديه ولا من سنته صلى الله عليه وسلم، وقد أعلمنا – صلى الله عليه وسلم – أن خير القيام قيام داود فقال: ” أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، ويصوم يوما ويفطر يوما “.

رواه البخاري ( 1079 ) ومسلم ( 1159 ).

ثانيا:

المذاهب الفقهية ليست من الفرق الثنتين والسبعين والتي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في النار – يعني: أنها ضالة – ، بل هذه الفرق اعتقدت عقيدة مخالفة لعقيدة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والخوارج.

وأما كون الأخت السائلة تقلِّد المذهب الحنفي تقليدا أعمى: فهذا مذموم وهو مخالف للكتاب والسنة والإجماع، بل ومخالف لقول أبي حنيفة – نفسه – والذي نهى عن تقليده، وهكذا قال غيره من الأئمة المتبوعين.

والواجب على مَن عرف الحق أن لا يتردد في أخذه والعمل به، ولا يحل له أن يترك العمل به لأجل مذهبه أو إمامه، وهذه وصية الأئمة الذين يقلِّدونهم.

قال أبو حنيفة: هذا رأيي فمن جاء برأي خير منه قبلناه، وقال مالك: إنّما أنا بشر أصيب وأخطئ, فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة، وقال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط, وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي، وقال الإمام أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكا, ولا الشافعي, ولا الثوري, وتعلم كما تعلمنا, وقال: لا تقلد في دينك الرجال, فإنّهم لن يسلموا من أن يغلطوا.

وعليكِ التلطف معها في الإنكار فإنّ:” الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه ” – رواه مسلم ( 2594 ) – ومثل هذه الأخت العابدة يُرجى لها من الهداية ما لا يُرجى لغيرها.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة