زوجها يصر على إرسال ابنه لمدرسة متساهلة دينيًّا

السؤال

يرسل زوجي ابني إلى مدرسة إسلامية وأعتقد أنها مدرسة متساهلة جدا دينيا.  يبلغ ابني من العمر 7 سنوات ولم يسبق له أن تعلم القرآن أو أي سورة منه.  كنت أدرسه من الترجمة إلى الإنكليزية لأني لا أتحدث بالعربية.  لقد تكلمت معه في هذا الخصوص لكنه كان يصد عني أو كان يجعل لذلك صلة بإرسال ابني إلى مدرسة معروفة ببدعها ومستحدثاتها.  أبناءه من زوجته الأخرى يدرسون في هذه المدرسة وهم يقرؤون سور القرآن بالعربية بطلاقة.

ماذا أفعل في هذه الحالة؟  أنا أريد أن يتعلم ابني القرآن لكني المدرسة التي يذهب إليها متساهلة, والمدرسة الأخرى التي تولي ذلك الأمر اهتماما كبيرا تتجنبها الجالية الإسلامية في فيلادلفيا. والمسجد, إلى حد ما, يقوم بدور لكن وفق لغة بسيطة في التحدث.

وأيضا, فإن زوجي يذهب إلى هذا المسجد ومعه زوجته الأخرى وعائلته أيضا، لكني أذهب إلى مسجد في حي آخر يتبع السنة ولا يتبع المذاهب.  وقد بدأ ذلك يسبب لي مشاكل حيث أن زوجي لا يعي المخاوف التي يحذر منها العلماء بخصوص المذاهب.  وردوده هي: كيف تذهبين إلى مدرسة معينة لتتعلمين على يد شيخ محدد ثم ترجعين إلى حينا السكني وتقولين لا تتبعوا المذاهب.  أنا لست عالمة, ولذلك فأني لا أستطيع أن أرد عليه بالرد المقنع.

سأقدر لك، إن شاء الله, تقديمك بعض التوجيهات في هذا الخصوص.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

نشكر الأخت السائلة على حرصها على تعليم أولادها القرآن الكريم، فإن هذا من حسن التربية، ونسأل الله لها التوفيق والإعانة على ذلك.

ثانيًا:

أنصح الأخت السائلة أن تحرص أشد الحرص على تعلم اللغة العربية فهي خير وسيلة لها لتزداد معرفة وعلما بهذا الدين  العظيم، وبالتالي تعلم أولادها ما تشاء من علوم نافعة، ولأن الأم هي أكثر تأثيرًا على أولادها من غيرها.

ثالثًا:

أنصح الزوج أن يتقي الله تعالى وأن يعدل بين أولاده من حيث الاهتمام والحرص على تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وعلى رأس ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛  ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول  الله  صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله، قال: أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟  قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، قال: فرجع فردَّ عطيتَه. رواه البخاري ( 2447 ) ومسلم ( 1623 ).

والشاهد من الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على والد النعمان إعطاءه ابنه شيئًا دون إخوته، ويدخل في ذلك أن يستأثر الرجل أحد أولاده بشيء دون الآخرين كتعليم أو غيره، وكما أن الرجل يحب أن يتساوى أولاده في بره وطاعته فكذلك يجب عليه أن يسوي بينهم في كل شأن، ولا يقع الحسد والبغضاء بين الأخوة والتشاحن بينهم إلا بسبب تمييز الأب أبنائه بعضهم عن بعض، وفي قصة يوسف أكبر شاهد على ذلك قال تعالى:{ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين } [ يوسف / 8 ،  9 ].

رابعًا:

على الزوج أن يهتم بتعليم أولاده العلوم الشرعية وخصوصا اللغة العربية والقرآن الكريم وخاصة في حال الصغر لأن التعليم في الصغر يبقى في الذهن أكثر من التعليم في الكبر وكما يقال: ” العلم في الصغر كالنقش في الحجر “، ويتأكد ذلك إذا كان المسلم يعيش في تلك البلاد التي يكثر فيها الفتن والإغراآت وخصوصا للأطفال مع كثرة الملهيات.

خامسًا:

الواجب على المسلم أن يتبع الكتاب والسنة لأنهما هما مصدر التشريع الإلهي قال الله تبارك وتعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [ النساء / 59].

وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في الحج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله “. رواه مسلم ( 1218 ).

فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أساس  الهداية في اتباع الكتاب والسنة لا في اتباع قول أحد من البشر كائنا من كان، على أننا لا نقلل من شأن الأئمة رحمهم الله، فإننا أمرنا أن نفهم الكتاب والسنة على فهمهم رحمهم الله فاتباع السنة أوسع من اتباع المذاهب، وهذه المذاهب لا ينكرها المسلم ولا يقلل من شأنها، بل على المسلم أن يتفقه عليها وأن يستفيد منها، ولكن الذي ينكَر على أصحاب المذاهب هو التعصب للمذهب  والتقليد الأعمى من غير برهان ولو خالف حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أئمة المذاهب لم يتعمدوا مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مما هو معلوم أن الصحابة تفرقوا  في الأمصار والبلاد، وأصحاب المذاهب أفتوا وتكلموا في الحلال والحرام بحسب ما وصلهم من الأدلة مع أنه قد يكون فاتهم من الأدلة الكثير، وبناء على ذلك وقعت بعض الأخطاء في المذاهب، وأضرب على ذلك أمثلة:

مذهب الحنابلة قرر مثلا في مسألة إذا اختلف البائع والمشتري قالوا فالقول قول المشتري مع أن هذا مخالف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم  الذي رواه  ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” إذا اختلف البيِّعان فالقول قول البائع والبائع بالخيار “.

رواه الترمذي ( 1287 ). انظر ” الشرح الممتع ” ( 8 / 325 ).

ومذهب الشافعية قرر أن الصلاة الوسطى هي صلاة الفجر، مع أن هذا مخالف لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم – يوم الأحزاب -: ” شغلونا عن الصلاة  الوسطى صلاة  العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا ثم صلاها بين العشائين بين المغرب والعشاء”.رواه البخاري  ( 2773 ) ومسلم ( 627 ) – واللفظ له – .

ومذهب المالكية قرر – في رواية – منع المسح على الخفين، مع أن أحاديث المسح على الخفين من الأحاديث المتواترة، وفيه أكثر من أربعين حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. انظر ” أضواء البيان ” ( 2 / 17 ).

ومذهب الأحناف قرر أن المصلي لا يرفع يديه في الصلاة في غير تكبيرة الإحرام، مع أن حديث ابن عمر  رضي الله عنه  أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم: كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود “. رواه البخاري ( 702 ) ومسلم ( 390 ).

ومثل هذه الأمثلة كثيرة جدًا، وكما قررنا أن الأئمة لم تعمدوا المخالفة، بل قرروا لأتباعهم أن لا يتعصبوا لأقوالهم وخصوصًا إذا خالفت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نذكر شيئا من أقوالهم في ذلك:

قال الإمام أبو حنيفة  رحمه الله: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

وقال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه.

وقال: إذا قلت قولا يخالف كتاب الله وخبر رسول الله فاتركوا قولي.

وقال الإمام  مالك بن أنس رحمه الله: إنما أنا بشر أخطىء وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.

وقال الإمام  الشافعي رحمه الله: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا  بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت.

وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا.

والشاهد: أن الأئمة رفضوا أن يتعصب أحدٌ لأقوالهم من غير دليل، وخصوصا إذا خالف الكتاب والسنة وهم بشر ليسوا بمعصومين، على أننا نعرف قدرهم وفضلهم ومرتبتهم في العلم ونستفيد منهم من غير تعصب لأقوالهم، فالواجب على المسلم أن يتبع الكتاب والسنة ويفهمها بفهم سلف الأئمة المتقدم ذكرهم.

سادسًا:

نقول للأخت السائلة ولزوجها أن المدرسة الأخرى التي تتجنبها الجالية كما ذكرت السائلة إذا كانت جيدة من حيث التعليم والتربية فهي أولى من غيرها، وعلى الزوج أن لا يتردد في إرسال أولاده جميعا إليها، ولا يتأثر  المسلم بأن الجالية في تلك البلد تتجنبها، فالأولى أن ينظر إلى مصلحة الأبناء، والأفضل لهم من حيث التعليم والتربية لا من حيث ما يفعل الناس.

سابعًا:

لا شك أن الشيخ الذي يعلِّم الناس من الكتاب والسنة ويتحرى الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من غيره بل على المسلم أن يحرص على الاستفادة منه لنفسه ولزوجته وأولاده، فأنصح زوج السائلة أن يسمع من زوجته الحريصة على اتباع الكتاب والسنة في إرسال أولاده إلى تلك المدرسة الجيدة وأن يعلم زوجته وولده اللغة العربية  والقرآن الكريم، وأن يعدل بين أولاده في ذلك، وأن يتمسك بالكتاب والسنة، وأن لا يتعصب، وأن يكون لينا سهلا مع زوجته، وأن يجرب ويعمل بنصيحتها  ولعل الله أن يشرح صدره ويوفقه لعمل الخير.

ونسأل الله التوفيق للسائلة وأن يمدها من فضله وعونه وأن يثبتها على الحق.

 

والله  أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة