هل يجوز للمسلم النوم في منزل شخص غريب عنه؟

السؤال

إذا جاء مسلم من بلد آخر ومعه أخته وقد تقدم لخطبة أختي.

هل يجوز له المبيت في منزلنا؟ علمًا أنه ينام معي في غرفتي بالمنزل وأنا أخو خطيبته.

الجواب

الحمد لله

لا حرج على من بات في بيت غيره إن لم يكن هناك ريبة أو محذور شرعي.

فما يكون فيه ريبة مثل أن يكون الرجل مشهورًا بفسق، وما يكون فيه محذور شرعي مثل أن يبيت الرجل في بيت ليس فيه إلا نساء، وتزداد الحرمة إذا لم يكن فيه إلا امرأة واحدة.

أمَا والأمر كما ذكره السائل وهو أن الضيف الرجل – خطيب أخته – ينام معه في غرفته فهذا لا حرج فيه، وهو من معالي الأخلاق، والقيام على الضيف وإعطاؤه حقه الشرعي من الواجبات.

وقد جاء في السنة النبوية ما يؤكد حق الضيف في المبيت عند مضيفه دون أن يسبب ذلك حرجًا لرب المنزل.

عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يَثويَ عنده حتى يحرجه “. رواه البخاري ( 5784 ) ومسلم ( 48 ).

– ومعني ” يَثوي “: يبيت ويقيم.

وقد جاء هذا المعنى مصرحا به في رواية مسلم ( 48 ) للحديث نفسه، ونصه:

” ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه، قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء يَقريه به “.

قال النووي: قال العلماء:

معناه: الاهتمام به في اليوم والليلة وإتحافه بما يمكن من بر وإلطاف، وأما في اليوم الثاني والثالث فيطعمه ما تيسر ولا يزيد على عادته، وأما ما كان بعد الثلاثة فهو صدقة ومعروف إن شاء فعل وإن شاء ترك.

قالوا: وقوله  صلى الله عليه وسلم: ” ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه ” معناه: لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد الثلاث حتى يوقعه في الإثم؛ لأنه قد يغتابه لطول مقامه أو يعرض له بما يؤذيه أو يظن به مالا يجوز، وقد قال الله تعالى: { اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم }.

وهذا كله محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث من غير استدعاء من المضيف، أما إذا استدعاه وطلب زيادة إقامته، أو علم، أو ظن أنه لا يَكره إقامته: فلا بأس بالزيادة؛ لأن النهي إنما كان لكونه يؤثمه وقد زال هذا المعنى. ” شرح مسلم ” ( 12 / 31 ).

وفي سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من بيان جواز هذا الأمر، فقد كان الضيف يبيت عند مضيفه، والأخ عند أخيه، ولا حرج في ذلك إذا لم يخالف الشرع، ولم يسبب ضيقًا وحرجًا بطول المكث وليس عند رب المنزل ما يقدمه له.

ومن القصص الصحيحة المشهورة في هذا الباب:

أ. مبيت سلمان الفارسي في بيت أبي الدرداء:

عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء, فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعامًا، فقال: كُلْ، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان. رواه البخاري ( 1867 ).

ومعنى ” متبذلة “: أي: تلبس ثياب البِذلة وهي ثياب المهنة.

قال الحافظ ابن حجر:

وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية المؤاخاة في الله، وزيارة الإخوان والمبيت عندهم.

” فتح الباري ” ( 4 / 211 ).

وقد ذكر العلماء أن هذا الحديث قبل تشريع الحجاب، لذا لا يستدل به على كشف النساء لوجوههن ورؤية الأجنبي لها.

ب. قصة الأنصاري وزوجته:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يَضُمُّ – أو: يُضيف – هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة – أو عجب – من فعالكما، فأنزل الله { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }. رواه البخاري ( 3587 ) ومسلم ( 2054 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة