تشعر بكآبة بسبب الفراغ، فهل يجوز تمنّي الموت خشية تردّي إيمانها؟

السؤال

كنت فتاه ملتزمة طالبة للعلم، لكن ابتعدت عن الرفقه الصالحة بغير إرادتي، وتوفر لدي وسائل الإهمال في طلب العلم كضعف الإيمان، وتأخر زواجي، فتهاونت في مشاهدة بعض الأفلام الأجنبية، والأمر في تزايد، وقد أصبت في وقت مضى بمرض نفسي الخوف من الكوارث الطبيعية وشفيت تقريبا، لكن وضعي الراهن يقلقني فأنا أتسلى بما أشاهد، فلا مسؤولية زوج أو أولاد ولا دراسة فقد أنهيتها ولا مجال للعمل في مكان سكني، الحقيقة أتمنى الموت القريب ووالله ليس هروبا من القدر ولكن خوفا أن يزداد تهاوني فأصل إلى الموت وقد حدت عن طريق الجنة، أرشدني يا شيخ بارك الله فيك.

الجواب

الحمد لله

إذا كنتِ قد ابتعدتِ عن الرفقة الصالحة بغير إرادتكِ فإنّ لك الإرادة الكاملة فيما أعقب ذلك من الإهمال في طلب العلم، والتهاون في النظر والسماع المحرَّم، ومما لا شك فيه أن ما حصل بعد ذلك معكِ إنما هو بسبب آثار تلك الذنوب والمعاصي، وقد ذكرنا بعض هذه الآثار في جوابنا على سؤال آخر فنرجو منك الاطلاع عليه في الموقع.

ويوجد مثلك الكثيرات ممن تأخر زواجها لكنهن لم يفعلن فعلكِ هذا، بل كان الوقت مناسبا لهن للانشغال بحفظ القرآن وطلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل، وهذا الطريق هو الذي يشرح الله تعالى به الصدور ويجعل القلب به مطمئنا، وهو الطريق الذي ييسر الله تعالى فيه أمور الدنيا لصاحبه.

وتمنيك الموت خشية من زيادة التهاون والمعاصي خطأ عظيم، بل ينبغي لك أن لا تتمني الموت إلا على حال أحسن مما أنت عليه الآن، والأمر بيدكِ وتستطيعين تدارك نفسكِ والرجوع إلى ما كنتِ عليه وأحسن منه إن شاء الله، لكن يحتاج الأمر منكِ إلى وقفة صادقة مع نفسكِ، والمسارعة إلى الرجوع إلى الطريق التي يحبها الله تعالى منكِ ويرضاها.

وليس كل من تمنى الموت أدركه؛ لذا نخشى أن يزداد أمرك سوء وأن تزداد حالكِ ترديّا، وهو ما يُفرح الشيطان ويغضب الرحمن، فعليك العلم بذلك، وأنّ تمنّيك للموت ليس هو الحل للخروج ممّا أنت فيه، بل الحل هو التوبة الصادقة والعمل على مرضاة الله، وتعويض ما فات من عمرك في مرضاة الله تعالى.

ولعلكِ تعلمين أن ما أصابكِ وقدَّره الله عليه قد يكون خيرا لكِ لو أنكِ رجعتِ إلى الله تعالى، وذلك أنك ستندمين على ما فات وتزيدين من طاعتك وعبادتك، وما كُتب عليك من السيئات سيبدله الله تعالى حسنات، وهذا من فضل الله تعالى على عباده.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فمن ظنّ أنّ صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصا: فهو غالط غلطا عظيما؛ فإنّ الذم والعقاب الذى يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منه شيء أصلا، لكن إن قدَّم التوبة: لم يلحقه شيء، وإن أخر التوبة: فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم والعقاب ما يناسب حاله.

” مجموع الفتاوى ” ( 10 / 309 ).

* وقال – رحمه الله -:

لكن قد يفعل الإنسانُ المحرَّمَ ثم يتوب، وتكون مصلحته أنه يتوب منه، ويحصل له بالتوبة خشوع ورقة وإنابة إلى الله تعالى، فإنّ الذنوب قد يكون فيها مصلحة مع التوبة منها؛ فإنّ الإنسان قد يحصل له بعدم الذنوب كِبر وعُجب وقَسوة ّ، فإذا وقع فى ذنب أذله ذلك وكسر قلبه وليَّن قلبَه بما يحصل له من التوبة. ” مجموع الفتاوى ” ( 14 / 474 ).

 

والله الهادي.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة