يسأل عن إخلاف الوعد، وبماذا يعتبر؟

السؤال

– ما هو تعريف الوعد في الإسلام ؟ هنا مثالان :

سألتني زوجتي متى سأنتهي من دراسة الدكتوراه ، فقلت لها : إن شاء الله في نهاية سنة 2001 ، ومضى هذا التاريخ ولم أنْتَهِ ، فقالت لي بأنني أخلفت الوعد ، قلت لها : بأنها يجب أن لا تعتبره وعداً وأن هذا كان مجرد تقدير لنهاية الدراسة ولكنها تُصِر بأنني أخلفت الوعد .

قلت لولدي بأنه يمكن أن يلعب بالكمبيوتر بشرط معين ، وبعد هذا أردت أن أغير الشرط وأضع شرطاً آخر ، اعترض ولدي ، وقال بأنني بهذا الفعل أخلف وعدي السابق له إلا إذا وافق هو على الشرط. جزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله

الوفاء بالعهد ، وعدم إخلاف الوعد من علامات الإيمان ، ودلائل الهدى والإحسان ، قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } ونقض العهد ، وإخلاف العهد من علامات الشقاء ، وقبح الأخلاق ، وإشارات لما في القلب من زَيْغٍ وضلالٍ ونفاق .

عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خلَّةٌ مِنهنَّ كانت فيه خلَّةٌ من نفاقٍ حتى يدعها ؛ إذا حدَّثَ كذبَ ، وإذا عاهدَ غدرَ ، وإذا وعدَ أخلفَ ، وإذا خاصمَ فجرَ ” . رواه البخاري ( 34 ) ومسلم ( 58 ) .

بل كان بعض السلف يحذر من التقيد بعهدة الوعد ، فعن فرات بن سلمان قال : كان يقال : إذا سئلت فلا تعد ، وقل أسمع ما تقول فإن يُقدَّر شيء كان .

وعن شعبة قال : ما واعدتُ أيوب – يعني : السختياني – موعدا إلا قال حين يريد أن يفارقني : ليس بيني وبينك موعد ، فإذا جئتُ وجدته قد سبقني .

– وما ذكرتَه في سؤالك منه ما هو وعد ومنه ما ليس كذلك .

فالأمر الأول : ليس من الوعد في شيء ، بل هو من التوقيت على غلبة الظن ، والوعد إنما يكون على ما يملكه الواعد من توقيت ، أو فعل ، أو جائزة ، وما شابه ذلك .

وادعاء زوجتك أنك أخلفتَ الوعد ليس له وجه البتة ، فأمر الدراسة وتقدير مدتها وما يحصل فيها من تأخير لا علاقة لكَ به .

وأما الأمر الثاني : وهو إذنك لابنك باللعب بالكمبيوتر بشرط : فلعله أقرب للوعد منه لغيره ، فَتَغْيير الشرط يخالف ما وعدتَه به.

والالتزام بالشروط هو التزام بالوعد ، ولا يجوز لصاحب الشرط تغييره إلا بعد إذن الطرف الآخر .

وقد اشترط موسى عليه السلام على نفسه خدمة والد زوجته ثمان سنوات أو عشر ، فالتزم أفضلهما وهو الأكثر منهما .

عن سعيد بن جبير قال سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى قلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل . رواه البخاري ( 2538 ) .

وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في ” الحديبية ” على شروط منها : أن يُرجع من يأتيه مسلماً منهم ، فوفَّى لهم بالشرط والتزمه ، وكذا أراد أن يفعل في حق النساء حتى نزل القرآن بعدم دخول النساء في الشرط .

عن عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمِسْوَر بن مَخْرَمة رضي الله عنهما يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ” لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددتّه إلينا وخليت بيننا وبينه ” ، فكره المؤمنون ذلك ، وامتعضوا منه ، وأبى سهيل إلا ذلك ، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فردَّ يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ، ولم يأته أحد من الرجال إلا ردَّه في تلك المدة وإن كان مسلماً ، وجاءت المؤمنات مهاجرات ، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق ، فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم ، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } إلى قوله { ولا هم يحلون لهن } . رواه البخاري ( 2564 ) .

– ويجوز إخلاف الوعد إن رأى أن الخير في إخلافه والإتيان بضده .

سئل الشيخ عبد الله بن جبرين :

ما حكم من يَعِد وَعْدًا بعدم الشهادة في الأمور التي دون الحدود والتي لا تتعلق في حق آدمي بعينه ثم يخلف وعده ويشهد ، فهل عليه إثم في شهادته تلك ؟ وهل يأثم في إخلافه للوعد الذي قطعه ؟

فأجاب :

لا يجوز كتمان الشهادة ولو كانت دون الحدود ، ومن وعد غيره فلا ضرر عليه في إخلاف الوعد ؛ حيث إن الوعد مجرد إخبار ، كما لو قال : إني أعدك أن لا أشهد عليك في أمر دون الحدود ، أي لا أشهد عليك في دين آدمي أو في أمانة أو في تركك النفقة أو الصلاة أو نحو ذلك ، فإن هذا كتمان الشهادة عند الحاجة إليها ، فلا يجوز هذا الكتمان ، ولا كفارة في إخلافه ، والله أعلم . ” فتاوى علماء البلد الحرام ” ( ص 1065 ) .

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة