أخطاء عقدية في كتاب ” في ظلال القرآن ” للأستاذ سيد قطب

السؤال

السؤال:

ما هو رأيكم في كتاب تفسير القرآن ” في ظلال القرآن ” لسيد قطب؟ هل تجوز قراءة هذا الكتاب؟ وهل هناك أخطاء جسيمة في الكتاب يجب على المرء أن يكون مدركًا لها؟.

الجواب

الجواب:

الحمد لله

أولاً:

كتاب ” في ظلال القرآن ” ليس كتاب تفسير للقرآن، ولم يضعه صاحبه ليكون كذلك، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد فيه بيان لمعاني الآيات، بل لا يمكن لأحدٍ أن يتفيأ ظلال الآيات القرآنية وهو لا يدري معناها.

ومؤلفه الأستاذ سيد قطب رحمه الله ليس من العلماء الذين يُرجع إليهم في الفقه، والحديث، والتفسير، والعقيدة، بل هو رجل أديب، له مشاركات في العلم الشرعي، لكنه ليس من المحققين فيه، ولذا وقعت له أخطاء، وزلات نبَّه عليها أهل العلم، وكنَّا قد ذكرنا موقف العلماء من كتبه أخذًا وردًّا في جواب السؤال رقم: (107327 ) ونظن أنفسنا قد أنصفنا الرجل بما يستحقه.

ويهمنا هنا – وهو موضع السؤال – هو الكلام عن كتابه ” في ظلال القرآن “، وهو كتاب من الشهرة بمكان، حيث يستحق الدراسة والنقد.

وبتأملنا لمواضع النقد في الكتاب المذكور: وجدنا أن في بعضها تحاملًا على المؤلف، وفهمًا غريبًا لكلامه، فأعرضنا عنها، ووجدنا في بعضها الآخر ما يكون محتملًا لأن يكون موضع نفد ونقض، وقد أنصف أصحاب هذا الكلام، فذكروا تلك المواضع احتمالًا، فأثبتنا بعضها، كما رأينا نقدًا لعبارات فيه غير لائقة بالكتاب العزيز، فذكرناها، وأخيرًا رأينا مواضع الخطأ فيها بيِّن، والمخالفة فيها واضحة، فلم نأل جهداً في تتبعها، ومحاولة استيعابها ها هنا، وفي كل ما سبق: لم نرض أن ننقل كلام الأستاذ سيد قطب من الناقد، بل نقلناه من كتابه مباشرةً، حتى يكون التوثيق أقوى ما يكون.

ثانيًا:

ويهمنا هنا – أيضًا – ذِكر المخالفات المتعلقة بالعقيدة، دون غيرها من أبواب الشرع، كالمسائل الفقهية، والحديثية؛ لأهمية هذا الجانب، وعدم احتمال الخطأ فيه، ولا شك ولا ريب أن الكتاب فيه أخطاء تتعلق بالعقيدة، وذلك في جوانب متعددة من أبوابها وفصولها.

قال الشيخ عبد الله بن محمد الدويش رحمه الله – في مقدمة كتابه ” المورد العذب الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال “:

” فقد كثر السؤال عن كتاب ” ظلال القرآن ” لمؤلفه ” سيد قطب “، ولم أكن قد قرأته، فعزمت على قراءته، فقرأته من أوله إلى آخره، فوجدت أخطاءً في مواضع، خصوصًا ما يتعلق بعقيدة أهل السنة والجماعة، وعلم السلوك، فأحببت التنبيه على ذلك؛ لئلا يغتر به من لا يعرفه “. انتهى.

وهذا الكتاب هو لمؤلف إمام حافظ منصف، وسننقل عنه كثيرًا، ونحيل على الكتاب المذكور، وهذا لا يعني أن صاحبه قد أصاب في كل ما ذكره، ولا يعني – أيضًا – أنه هو لم يقع في أخطاء، لكنه على الأقل لم تكن أخطاؤه في العقيدة، وإنما ذكرنا هذا ليعلم الناس أنه ما منَّا من أحدٍ إلا رادٌّ ومردود عليه، والخطأ من طبيعة البشر، وإنما يتفاوت الناس فيه بحسب فضل الله عليهم، وتوفيقه لهم للحق والصواب.

ثالثًا:

  1. أخطاء في ” الإيمان “:

أ. عند تفسير قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ) النساء/ 150، قال – رحمه الله -:

إن الإيمان وحدة لا تتجزأ. انتهى.

التعليق:

قال الشيخ عبد الله الدويش في كتابه ” المورد العذب الزلال “:

هذا خلاف قول أهل السنة والجماعة؛ لأن عندهم أن الإيمان ذو شعب – كما في الحديث المتفق عليه ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) – والناس فيه متفاضلون، وأما من يقول إن الإيمان شيء واحد: فهم أهل البدع، كالمرجئة، والخوارج، ونحوهم، فإن المرجئة يقولون هو التصديق، والأعمال ليست من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية، والخوارج يقولون: إذا زال بعض الإيمان: زال كله، ويكفِّرون أهل القبلة بالذنوب.  انتهى.

ب. وفي حاشية ” في ظلال القرآن ” ( ص 1475 ) قال:

وهنا تعرض قضية ” الإيمان يزيد وينقص “، وهي قضية من قضايا الفرق، وقضايا علم الكلام، في فترة الترف العقلي، والفراغ من الاهتمامات العلمية الجادة، فلا ندخل الآن نحن فيها. انتهى.

وله كلام يخالف هذا، إذ قال عند قوله تعالى ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال/ 2:

والقلب المؤمن يجد في آيات هذا القرآن ما يزيده إيمانًا، وما ينتهي به إلى الاطمئنان، إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة، ولا يحول بينه وبينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب ويحجب القلب عنه، فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان: وجد القلب حلاوة هذا القرآن، ووجد في إيقاعاته! المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان، وكما أن إيقاعات! القرآن على القلب المؤمن تزيده إيمانًا، فإن القلب المؤمن هو الذي يدرك هذه الإيقاعات التي تزيده إيمانًا، لذلك يتكرر في القرآن تقرير هذه الحقيقة في أمثال قوله تعالى: ( إن في ذلك لآيات للمؤمنين ), ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون )، ومن ذلك قول أحد الصحابة – رضوان الله عليهم -: كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن. انتهى.

ولا يُدرى حقيقة الأمر، هل الأستاذ سيد تناقض، أم تراجع، أم لم يوضح مقصوده في الأمر الأول، أم يريد أن القرآن فقط هو الذي يزيد الإيمان، كل ذلك محتمل، ولا يهمنا حقيقة الأمر، والمهم هو بيان خطأ القول.

ج. وفي مسألة أخرى في الإيمان يقوِّي ما سبق من النقطتين: نجد الأستاذ سيد قطب يجعل المؤمنين درجة واحدة، فإن لم يكونوا كذلك: فهم منافقون أو كافرون، وينفي وجود ناقصي الإيمان في قسم المؤمنين!.

قال عند تفسير قوله تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) الأنفال/ 2 – 4:

إن التعبير القرآني دقيق في بنائه اللفظي ليدل دلالة دقيقة على مدلوله المعنوي، وفي العبارة هنا قصر بلفظ: ( إنما )، وليس هنالك مبرر لتأويله – وفيه هذا الجزم الدقيق – ليقال: إن المقصود هو ” الإيمان الكامل “! فلو شاء الله – سبحانه – أن يقول هذا لقاله، إنما هو تعبير محدد دقيق الدلالة، إن هؤلاء الذين هذه صفاتهم وأعمالهم ومشاعرهم هم المؤمنون، فغيرهم ممن ليس له هذه الصفات بجملتها: ليسوا بالمؤمنين! والتوكيد في آخر الآيات: ( أولئك هم المؤمنون حقًّا ) يقرر هذه الحقيقة، فغير المؤمنين ( حقًّا ) لا يكونون مؤمنين أصلًا.

والتعبيرات القرآنية يفسِّر بعضها بعضًا، والله يقول: ( فماذا بعد الحق إلا الضلال )، فما لم يكن حقًّا فهو الضلال، وليس المقابل لوصف: ( المؤمنون حقًّا ) هو المؤمنون إيمانًا غير كامل! ولا يجوز أن يصبح التعبير القرآني الدقيق عرضة لمثل هذه التأويلات المميعة لكل تصور، ولكل تعبير!.

لذلك كان السلف يعرفون من هذه الآيات أن من لم يجد في نفسه وعمله هذه الصفات لم يجد الإيمان، ولم يكن مؤمنًا أصلًا.

جاء في تفسير ابن كثير: قال علي بن طلحة عن ابن عباس، في قوله: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) قال: المنافقون: لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون، ولا يصلون إذا غابوا – أي: عن أعين الناس – ولا يؤدون زكاة أموالهم.

فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف الله المؤمنين فقال: ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) فأدوا فرائضه، ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا ) يقول: زادتهم تصديقًا، ( وعلى ربهم يتوكلون ) يقول: لا يرجون غيره.

وسنرى مِن طبيعة هذه الصفات أنه لا يمكن أن يقوم بدونها الإيمان أصلًا؛ وأن الأمر فيها ليس أمر كمال الإيمان أو نقصه، إنما هو أمر وجود الإيمان، أو عدمه. انتهى.

التعليق:

إذا كان الإيمان يقابل النفاق، والكفر: فإنه لا يعني أنه يكون جزءً واحدًا، فالمؤمنون فيما بينهم يتفاضلون في إيمانهم، وكلما ازداد المؤمن من الطاعات: ازداد إيمانًا، والظاهر من سياق الآيات بيان صفات المؤمنين بالنسبة للكفار، وبالنسبة للمنافقين، وليس يستفاد منها أن الإيمان جزء واحد لا يزيد ولا ينقص.

قال الإمام الطبري – رحمه الله -:

عن ابن عباس: ( الذين يقيمون الصلاة )، يقول: الصلوات الخمس. ( ومما رزقناهم ينفقون )، يقول: زكاة أموالهم.

( أولئك هم المؤمنون حقًّا )، يقول: برئوا من الكفر، ثم وصف الله النفاق وأهله فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ – إلى قوله – أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ) النساء/ 150، 151، فجعل الله المؤمن مؤمنًا حقًّا، وجعل الكافر كافرًا حقًّا، وهو قوله: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) التغابن/ 2. ” تفسير الطبري ” ( 13 / 388 ).

وقول الأستاذ إن كلمة ” حقًّا ” تعني الجزم بكون غيرهم من الكفار: غير سديد، ولو تأمل ما في ” تفسير ابن كثير ” من نقولات: لتبين له خطأ كلامه.

قال ابن كثير – رحمه الله -:

وقال عمرو بن مُرَّة في قوله: ( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ): إنما أُنزلَ القرآن بلسان العرب، كقولك: فلان سيِّد حقًّا، وفي القوم سادة، وفلان تاجر حقًّا، وفي القوم تجار، وفلان شاعر حقًّا، وفي القوم شعراء.

” تفسير ابن كثير ” ( 4 / 13 ).

رابعًا:

  1. أخطاء توحيد الألوهية:

قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله عند تفسير قوله تعالى في سورة القصص: (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ): أي: فلا شريك له في خلق، ولا اختيار. انتهى.

التعليق:

وهذا تفسير قاصر في معنى كلمة التوحيد، فقد اقتصر فيه على بعض معاني الربوبية، ولو كان هذا تفسيرًا لما قبلها من قوله تعالى ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/ 68: لكان مقبولًا، لكنه لم يفعل ذل، بل جعلها تفسيرًا لكلمة التوحيد، والحق أنها كلمة تشمل: توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات.

قال الإمام الطبري – رحمه الله -:

وقوله: ( وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) يقول تعالى ذِكره: وربك يا محمد، المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا معبود تجوز عبادته غيره. ” تفسير الطبري ” ( 19 / 612 ).

وقال ابن كثير – رحمه الله -:

وقوله: ( وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) أي: هو المنفرد بالإلهية، فلا معبود سواه، كما لا رب يخلق ويختار سواه. ” تفسير ابن كثير ” ( 6 / 251 ).

خامسًا:

  1. أخطاء في ” الأسماء والصفات ” بالجملة:

أ. نفي بالجملة لكثير من الصفات والأفعال لله تعالى!:

قال عند تفسير ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الزمر/ 67:

وكلُّ ما يرد في القرآن، وفي الحديث، من هذه الصور، والمشاهد: إنما هو تقريب للحقائق, التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه، وفي صورة يتصورونها، ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة، التي لا تتقيد بشكل، ولا تتحيز في حيز، ولا تتحدد بحدود. انتهى.

التعليق:

وهذا الخطأ الجسيم يؤدي إلى تعطيل هذه الصفات والأفعال لربنا تعالى، بزعم أنها لتقريب الصورة ليس أكثر! وهذا ليس من اعتقاد السلف، بل هو اعتقاد المعطلة، والذين وقعوا في التشبيه حتى أداهم هذا إلى التعطيل.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:

وما ذكره من كون السموات مطويات بيمينه في هذه الآية: جاء في الصحيح أيضًا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا مرارًا أن الواجب في ذلك إمراره كما جاء، والتصديق به، مع اعتقاد أن صفة الخالق أعظم من أن تماثل صفة المخلوق. ” أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ” ( 4 / 248 ).

وقال الإمام الطبري – رحمه الله – رادًّا على من عطَّل صفات هذه الآية -:

وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة: ( وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) يقول: في قدرته! نحو قوله: ( وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي: وما كانت لكم عليه قدرة، وليس الملك لليمين دون سائر الجسد، قال: وقوله ( قَبْضَتُهُ ) نحو قولك للرجل: هذا في يدك، وفي قبضتك!.

والأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعن أصحابه، وغيرهم: تشهد على بطول هذا القول. ” تفسير الطبري ” ( 21 / 329 ).

ومن هذه الأخبار المشار إليها في كلام الإمامين الطبري والشنقيطي رحمهما الله:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ – أَوْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ – إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ.

فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ).

رواه البخاري ( 4533 ) ومسلم ( 2786 ).

ب. الاستواء:

قال عند تفسير قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29:

ويُكثر المفسرون والمتكلمون هنا من الكلام عن خلق الأرض والسماء، يتحدثون عن القبلية والبعدية، ويتحدثون عن الاستواء، والتسوية، وينسون أن ” قبل ” و ” بعد “: اصطلاحان بشريان لا مدلول لهما بالقياس إلى الله تعالى، وينسون أن الاستواء والتسوية اصطلاحان لُغويان، يقربان إلى التصور البشري المحدود صورة غير المحدود! ولا يزيدان، وما كان الجدل الكلامي الذي ثار بين علماء المسلمين حول هذه التعبيرات القرآنية، إلا آفة من آفات الفلسفة الإغريقية، والمباحث اللاهوتية، عند اليهود والنصارى، عند مخالطتها للعقلية العربية الصافية، وللعقلية الإسلامية الناصعة، وما كان لنا نحن اليوم أن نقع في هذه الآفة، فنفسد جمال العقيدة وجمال القرآن بقضايا علم الكلام!!. انتهى.

– وقال عند تفسير قوله تعالى  ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) الحديد/ 4:

أما الاستواء على العرش: فنملك أن نقول: إنه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق! استنادًا إلى ما نعلمه من القرآن عن يقين من أن الله – سبحانه – لا تتغير عليه الأحوال، فلا يكون في حالة عدم استواء على العرش، ثم تتبعها حالة استواء، والقول بأننا نؤمن بالاستواء ولا ندرك كيفيته لا يفسر قوله تعالى: ( ثم استوى )، والأولى أن نقول: إنه كناية عن الهيمنة كما ذكرنا، والتأويل هنا لا يخرج على المنهج الذي أشرنا إليه آنفًا؛ لأنه لا ينبع من مقررات وتصورات من عند أنفسنا، إنما يستند إلى مقررات القرآن ذاته، وإلى التصور الذي يوحيه عن ذات الله سبحانه وصفاته. انتهى.

التعليق:

فلم يكتف الأستاذ سيِّد بتعطيل صفة الاستواء حتى جعلها قاعدة عامة في كل صفات الأفعال، وهي ما أطلق عليه بعض فرق الضلال – كالأشاعرة – ” حلول الحوادث بالله تعالى “! ويقصدون بالحوادث: أفعال الله تعالى الاختيارية التي شاءها بعد أن لم تكن، فهو يستبعد أن يكون الله تعالى شاء الاستواء على العرش بعد أن لم يكن كذلك، وهكذا فإنها تكون هذه قاعدة عامة في جميع الصفات الفعلية لله تعالى، ولم يكتف بهذا حتى ردَّ على السلف قولهم واعتقادهم – وهذا يرد على من قال إنه جاهل باعتقاد السلف – فجعل الإيمان بالاستواء دون التعرض للكيفية ليس مفسِّرًا لصفة الاستواء، ولم يكتفِ بهذا – أيضًا – حتى نسب هذا المنهج المنحرف في فهم الصفات للقرآن الكريم!.

والاستواء من صفات الله تعالى التي تمدح الله بها نفسه في كتابه الكريم في أكثر من موضع، وهي ثابتة على الوجه اللائق به سبحانه، لا تشبه صفات المخلوقين.

ونختم بقولنا: إن القاعدة عند أهل السنَّة في باب الصفات: هي الإيمان بكل ما وصف الله تعالى به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله -:

قوله تعالى: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ) الآية، هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات، كقوله ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )، ونحو ذلك: أشكلت على كثير من الناس إشكالًا ضلَّ بسببه خلقٌ لا يُحصى كثرة، فصار قوم إلى التعطيل، وقوم إلى التشبيه، سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا، عن ذلك كله، والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح، ولم يترك فيه أي لبس، ولا إشكال، وحاصل تحرير ذلك: أنه جل وعلا بيَّن أن الحق في آيات الصفات متركب من أمرين:

أحدهما: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الحوادث في صفاتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.

والثاني: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله: ( أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُُ )، ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )، فمن نفى عن الله وصفًا أثبته لنفسه في كتابه العزيز، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، زاعمًا أن ذلك الوصف يلزمه ما لا يليق بالله جل وعلا: فقد جعل نفسه أعلم من الله ورسوله بما يليق بالله جل وعلا، سُبْحَانَكَ هَذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.

ومن اعتقد أن وصف الله يشابه صفات الخلق: فهو مشبِّه، ملحد، ضال، ومن أثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة الخلق: فهو مؤمن، جامع بين الإيمان بصفات الكمال والجلال، والتنزيه عن مشابهة الخلق، سالم من ورطة التشبيه والتعطيل، والآية التي أوضح الله بها هذا: هي قوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )، فنفى عن نفسه جل وعلا مماثلة الحوادث بقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )، وأثبت لنفسه صفات الكمال والجلال بقوله: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )، فصرح في هذه الآية الكريمة بنفي المماثلة مع الاتصاف بصفات الكمال والجلال.

والظاهر: أن السرَّ في تعبيره بقوله: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )، دون أن يقول مثلًا: وهو ” العلي العظيم “، أو نحو ذلك من الصفات الجامعة: أن السمع والبصر يتصف بهما جميع الحيوانات، فبيَّن أن الله متصف بهما، ولكن وصفه بهما على أساس نفي المماثلة بين وصفه تعالى، وبين صفات خلقه، ولذا جاء بقوله: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )، بعد قوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )، ففي هذه الآية الكريمة إيضاح للحق في آيات الصفات، لا لبس معه، ولا شبهة البتة. ” أضواء البيان ” ( 2 / 18 ، 19 ).

سادسًا:

  1. خلق القرآن:

قال الأستاذ سيد قطب في أول تفسير سورة البقرة:

وهكذا القرآن، حروف وكلمات يصوغ منها البشر كلاما وأوزانا، ويجعل منها الله قرآنًا وفرقانًا، والفرق بين صنع البشر وصنع الله من هذه الحروف والكلمات، هو الفرق ما بين الجسد الخامد والروح النابض. انتهى.

– وقال عند تفسير أول سورة السجدة ( الم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) -:

والفارق بين القرآن وما يصوغه البشر من هذه الحروف من كلام: هو كالفارق بين صنعة الله وصنعة البشر في سائر الأشياء، صنعة الله واضحة مميزة، لا تبلغ إليها صنعة البشر في أصغر الأشياء. انتهى.

– وقال في أول سورة ” ص “:

هذا الحرف، ” صاد ” يقسم به الله سبحانه كما يقسم بالقرآن ذي الذكر، وهذا الحرف من صنعة الله تعالى، فهو موجده، موجده صوتًا في حناجر البشر، وموجده حرفًا من حروف الهجاء التي يتألف من جنسها التعبير القرآني. انتهى.

التعليق:

قال الشيخ عبد الله الدويش – رحمه الله – في كتابه ” المورد الزلال في التنبيه على أخطاء  الظلال ” ردًّا على هذا الكلام

وقوله ” هذا الحرف من صنعة الله ” و ” موجده “: هذا قول الجهمية، والمعتزلة، القائلين أن القرآن مخلوق, وأما أهل السُنَّة فيقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. انتهى.

سابعًا:

  1. عبارات موهمة تحمل عقائد مخالفة لاعتقاد أهل السنَّة:

وللأستاذ سيد قطب رحمه الله عبارات تحمل في طياتها معاني فاسدة، ولا نستطيع الجزم بتلك المعاني؛ لأن العبارات في نفسها محتملة، وإنما يهمنا التنبيه على خطئها.

  1. الله في كل مكان بذاته!

قال في تفسير قوله تعالى ( قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ) الشعراء/ 15:  والله معهما، ومع كل إنسان، في كل لحظة، وفي كل مكان. انتهى.

التعليق:

قال الشيخ عبد الله الدويش – رحمه الله -:

أقول: إن أراد بعلمه: فهو حق، وإن أراد بذاته: فهو باطل. انتهى.

  1. الاتحاد والحلول!

قال الأستاذ سيد قطب عند تفسير قوله تعالى ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الحديد/ 3:

( وهو بكل شيء عليم ) علم الحقيقة الكاملة، فحقيقة كل شيء مستمدة من الحقيقة الإلهية وصادرة عنها، فهي مستغرقة إذن بعلم الله اللدني بها، العلم الذي لا يشاركه أحد في نوعه وصفته وطريقته، مهما علم المخلوقون عن ظواهر الأشياء!.

فإذا استقرت هذه الحقيقة الكبرى في قلب: فما احتفاله بشيء في هذا الكون غير الله سبحانه؟ وكل شيء لا حقيقة له ولا وجود – حتى ذلك القلب ذاته – إلا ما يستمده من تلك الحقيقة الكبرى، وكل شيء وهَم ذاهب، حيث لا يكون ولا يبقى إلا الله، المتفرد بكل مقومات الكينونة والبقاء.

وإن استقرار هذه الحقيقة في قلب ليحيله قطعة من هذه الحقيقة.

فأما قبل أن يصل إلى هذا الاستقرار: فإن هذه الآية القرآنية حسبه ليعيش في تدبرها وتصور مدلولها، ومحاولة الوصول إلى هذا المدلول الواحد وكفى!

ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى، وهاموا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى، بعضهم قال إنه يرى الله في كل شيء في الوجود! وبعضهم قال: إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود! وبعضهم قال: إنه رأى الله فلم ير شيئًا غيره في الوجود! وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة!! إذا تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال، إلا أن ما يؤخذ عليها – على وجه الإجمال – هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور. انتهى.

قال الشيخ عبد الله الدويش – بعد إيراده لكلام الأستاذ  سيد هذا:

ولعله لم يقصد ما يفهمه كلامه من قول أهل الاتحادية، ونحن إنما قصدنا التنبه على كلامه لئلا يغتر به  من لا يفهمه، وأما هو: فله كلام صريح في الرد على الاتحادية، كما في كتاب ” خصائص  التصور الإسلام ومقوماته ” ( ص 155 ، ص 156 ) … – وساقه – . انتهى.

ثامنًا:

  1. ألفاظ لا تليق بالقرآن ولا بالقيامة:

وهي ألفاظ تتنوع بين النغم، والموسيقى، وإسدال الستار، وغيرها من ألفظ المغنين، والمطربين، والمسرحيين، والذي لا يليق به استعمالها في سور مكية تخلع القلوب عند قراءتها.

أ. عند تفسيره لسورة ” النجم ” قال:

هذه السورة في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية، منغمة، يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة، ويلحظ هذا التنغيم في السورة بصفة عامة، ويبدو القصد فيه واضحًا في بعض المواضع، وقد زيدت لفظة أو اختيرت قافية، لتضمن سلامة التنغيم ودقة إيقاعه. انتهى.

ب. وقال في تفسيره لسورة ” النازعات “:

وفي الطريق إلى إشعار القلب البشري حقيقة الآخرة الهائلة الضخمة العظيمة الكبيرة يوقع السياق إيقاعات منوعة على أوتار القلب، ويلمسه لمسات شتى حول تلك الحقيقة الكبرى، وهي إيقاعات، ولمسات تمت إليها بصلة، فتلك الحقيقة تمهد لها في الحس وتهيئه لاستقبالها في يقظة وفي حساسية.

يمهد لها بمطلع غامض الكنه، يثير بغموضه شيئًا من الحدس والرهبة والتوجس، يسوقه في إيقاع موسيقي راجف لاهث، … .

ومن هنالك، من هذا الجو الراجف الواجف المبهور المذعور: يأخذ في عرض مصرع من مصارع المكذبين العتاة في حلقة من قصة موسى مع فرعون، فيهدأ الإيقاع الموسيقي ويسترخي شيئًا ما. انتهى.

ج. وقال عن سورة ” العاديات “:

والإيقاع الموسيقي فيه خشونة ودمدمة وفرقعة، تناسب الجو الصاخب المعفر الذي تنشئه القبور المبعثرة، والصدور المحصل ما فيها بشدة وقوة، كما تناسب جو الجحود والكنود، والأثرة والشح الشديد. انتهى.

د. قال عند تفسير قوله تعالى ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ) الأعراف/ من الآية 137:

وهكذا يسدل الستار على مشهد الهلاك والدمار.

هـ. وفي سياق عرض قصة موسى وفرعون والسحرة في سورة ” الشعراء ” قال:

وهذه الحلقة مقسمة إلى مشاهد استعراضية، بينها فجوات، بمقدار ما يسدل الستار على المشهد، ثم يرفع عن المشهد الذي يليه، وهي ظاهرة فنية ملحوظة في طريقة العرض القرآنية للقصة. انتهى.

تاسعًا:

  1. سيد قطب وأحاديث الآحاد في العقيدة:

والأستاذ سيد قطب يرفض أن يعتقد بما تحويه الأحاديث الصحيحة إلا أن تكون متواترة! وهذا اعتقاد أهل البدع والضلال، وهو يقول بأن مرجع الاعتقاد هو القرآن، وليته التزم هذا، فالقرآن إذا جاءت آياته بعقائد تتعلق بأسماء الله وصفاته رأينا سيف التعطيل والتحريف يأتي عليها فلا يُبقي لها معنى صحيح تحويه، فلا هم بالذين اعتقدوا بما في الأحاديث الصحيحة، ولا هم اعتقدوا بما في القرآن من آيات في الأسماء والصفات.

وفي تفسير سورة ” الفلق ” قال:

وقد وردت روايات بعضها صحيح ولكنه غير متواتر: أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحَر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، قيل أيامًا، وقيل أشهرًا، حتى كان يخيَّل إليه أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن في رواية، وحتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله في رواية، وأن السورتين نزلتا رقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استحضر السحر المقصود كما أخبر في رؤياه وقرأ السورتين انحلت العقد، وذهب عنه السوء.

ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ! ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله صلى الله عليه وسلم وكل قول من أقواله سنَّة وشريعة، كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مسحور، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدعونه من هذا الإفك، ومن ثم تستبَعد هذه الروايات! وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة! والمرجع هو القرآن! والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد! وهذه الروايات ليست من المتواتر، فضلًا على أن نزول هاتين السورتين في مكة هو الراجح، مما يوهن أساس الروايات الأخرى. انتهى.

وهذا عين كلام أهل البدع في التأصيل، وعين كلام الملاحدة في التمثيل! نسأل الله العافية.

قال ابن بطَّال – رحمه الله -:

وقد اعترض بعض الملحدين بحديث عائشة، وقالوا: وكيف يجوز السحر على النبي صلى الله عليه وسلم، والسحر كفر، وعمل من أعمال الشياطين، فكيف يصل ضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حياطة الله له وتسديده إياه بملائكته، وصون الوحي من الشياطين؟.

وهذا اعتراض يدل على جهل، وغباوة من قائله، وعناد للقرآن؛ لأن الله قال لرسوله: ( قل أعوذ برب الفلق ) إلى قوله: ( ومن شر النفاثات في العقد )، والنفاثات: السواحر ينفثن في العقد كما ينفث الراقي في الرقية، فإن كانوا أنكروا ذلك لأن الله لا يجعل للشياطين سبيلًا على النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قال تعالى: ( وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) يريد: إذا تلا: ألقى الشيطان، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عفريتًا تغلَّب عليه ليلة ليقطع عليه الصلاة حتى همَّ أن يربطه إلى سارية من سواري المسجد، فذكر قول سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدى ) فرده خاسئًا.

وليس في جواز ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل أن ذلك يلزمه أبدًا، أو يدخل معه عليه داخلة في شيء من حاله، أو شريعته، وإنما ناله من ضر السحر ما ينال المريض من ضر الحمَّى، والبرسام، من غير سحر، من الضعف عن الكلام، وسوء التخيل، ثم زال ذلك عنه، وأفاق منه، وأبطل الله كيد السحرة، وقد أجمع المسلمون أنه معصوم في الرسالة ، فسقط اعتراض الملحدة. ” شرح صحيح البخاري ” ( 5 / 359 ، 360 ).

هذا ما تيسر ذِكره جوابًا على سؤال الأخ السائل، وأنت ترى أن الكتاب لم يخلُ من أخطاء في الاعتقاد، وبه يُعلم أنه لا يجوز أن يقرأ هذا الكتاب عامة الناس؛ خشية عليهم مما فيه من مخالفات في الاعتقاد، وغيرها، وأما الخاصة: فلهم قراءته، وهم على علم بما فيه من مخالفة لاعتقاد ومنهج أهل السنَّة والجماعة.

والواجب على من نشر الكتاب أن يتقي الله في القرَّاء، وأن ينبه على ما فيه من أخطاء، وإلا كان شريكًا لمؤلفه في نشرها.

 

والله الموفق.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة