نقد دعاء ينسب للإمام محمد واسع ” اللهم إنك سلطت علينا عدوًّا عليمًا بعيوبنا … “

السؤال

أرجو من فضيلتكم ذكر مدى صحة هذا الأثر وبيان المحظور فيه إن وجد ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع أنه كان يدعو الله كل يوم بدعاء خاص، فجاءه شيطان وقال له: يا إمام أعاهدك إني لن أوسوس لك أبدًا ولن آتيك ولن آمرك بمعصية، ولكن بشرط أن لا تدعو الله بهذا الدعاء ولا تعلِّمه لأحد فقال له الإمام: كلا، سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت هل تريد معرفه هذا الدعاء؟ كان يدعو فيقول: اللهم إنك سلطت علينا عدوًّا عليمًا بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم آيسه منا كما آيستـه من رحمتك وقنِّطه منَّا كما قنطـته من عـفوك، وباعــد بيننا وبينه كما باعـدت بينه وبين رحمتك وجنتك.

الجواب

الحمد لله

في هذا الأثر المذكور في السؤال بعض الوقفات، منها:

  1. أنه لا يُعلم له إسناد ليُحكم عليه.
  2. أن في متنه نكارة من وجوه متعددة، ومنها:
  • اختراع دعاء خاص لم يرد في الكتاب والسنة دفعًا لكيد الشيطان، مع وجود ذلك في الشرع، وهذا من الإحداث في دين الله تعالى.
  • سوء الظن بالشرع وأنه غير تام ولا كامل، حيث حذرنا الشرع من الشيطان، وأمرنا باتخاذه عدوًّا مع وجود دعاء قاطع! لوسوسته، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم بعد تمام النعمة واكتمال الدين، ولو كان لهذا الدعاء ذلك الأثر كما جاء في القصة لدلَّنا عليه نبينا صلى الله عليه وسلم.
  • المداومة على دعاء معيَّن أمرٌ محدث منكر يضاف إلى ما ذكرناه من عدم جواز اختراع دعاء معيَّن، فصارت بدعة الدعاء في الاختراع والمداومة عليه.
  • تعليم الناس هذا الدعاء وادِّعاء أنه نافع لهم، وهذا أمر لا يعلم إلا بالوحي.
  • تصديق الشيطان في ادِّعائه هذا الزعم، وها قد التزم هذا الدعاء فئام من الناس لم نرهم إلا شياطين في صورة إنس! فكيف يصح زعم الشيطان، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ” كذوب ” ولا يُعلم صدقه إلا بالوحي، بل قد يُقال عكس ما جاء في القصة وهو أن الشيطان قال له ذلك ليُحدث في دين الله تعالى ما ليس منه، وهو ما كان في هذه القصة المزعومة.
  • تصديق الشيطان بأنه كذلك، فإنه إن كان قد جاء بصورته الحقيقية فهو كذب واضح لأنه يراه البشر ولا يرونه كما جاء في القرآن وفي الدعاء المخترع! وإن كان جاء متشكلًا على غير صورته الحقيقية فليس لأحدٍ أن يجزم أنه شيطان، وأبو هريرة لم يعلم أن الذي جاءه شيطان حتى أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم.
  • وفي القصة نكارة واضحة وهو أن الشيطان الذي يُزعم ظهوره لمحمد بن واسع ليس هو القرين، وهذا سواء أظَهر له أم لم يظهر فهو سيان؛ لأن الذي يوسوس للمسلم بالشر هو قرينه، وهذا لا ينقطع بدعاء أحدٍ بل هو مرافق ملاصق للمسلم، وقد اختُص نبينا صلى الله عليه وسلم بالسلامة منه بإسلامه دون من عداه من أمته.
  1. محمد بن واسع هو: الإمام المشهور: محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس الأزدي أبو بكر أو أبو عبد الله البصري، ثقة، عابد كثير المناقب، مات سنة ثلاث وعشرين ومائة، وهو من رجال مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، وقد خرج إلى خراسان غازيًا، وكان في فتح ما وراء النهر مع قتيبة بن مسلم، وحسن ظننا بهذا الإمام يدفعنا إلى تكذيب ما ورد عنه في هذه القصة.
  2. وفي ظننا أنه قد كُذب على هذا الإمام لما يُعلم من فضله وعبادته، وقد جاء في ترجمته أنه ابتلي برواة ضعفاء، فقد يكون هذا منه – إن لم يكن مكذوبًا -، قال الدارقطني – عنه -: عابد ثقة، ولكن بلي برواة ضعفاء.

” تهذيب الكمال ” ( 26 / 578 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة