معنى { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً .. } وأنواع الزنا ودرجاته

السؤال

ما معنى قوله تعالى في سورة النور { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ..، وما هي أنواع ودرجات الزنى؟ وما هو الحكم فيها؟ والسلام عليكم و رحمة الله.

الجواب

الحمد لله

أولًا :

قال الله تعالى: { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [ النور / 3 ].

– وقد اختلف العلماء في المراد بالنكاح هنا، فقال بعضهم: العقد، وقال بعضهم: الوطء.

والقول الأول هو الصواب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في بيان وجوه الرد على القول الثاني -:

أما أولًا: فليس في القرآن لفظ نكاح إلا ولا بد أن يراد به العقد، وإن دخل فيه الوطء أيضًا،  فأما أن يراد به مجرد الوطء فهذا لا يوجد في كتاب الله قط.

وثانيها: أن سبب نزول الآية إنما هو استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم في التزوج بزانية فكيف يكون سبب النزول خارجًا من اللفظ؟.

الثالث: أن قول القائل الزاني لا يطأ إلا زانية، أو الزانية لا يطؤها إلا زانٍ كقوله: الآكل لا يأكل إلا مأكولًا، والمأكول لا يأكله إلا آكل، والزوج لا يتزوج إلا بزوجة، والزوجة لا يتزوجها إلا زوج، وهذا كلام ينزه عنه كلام الله.

الرابع: أن الزاني قد يستكرِه امرأةً فيطؤها فيكون زانيًا ولا تكون زانية، وكذلك المرأة قد تزني بنائمٍ ومكره – على أحد القولين – ولا يكون زانيًا.

الخامس: أن تحريم الزنا قد علمه المسلمون بآيات نزلت بمكة وتحريمه أشهر من أن تنزل هذه الآية بتحريمه.

السادس: قال { لا ينكحها إلا زان أو مشرك } فلو أريد الوطء لم يكن حاجة إلى ذكر المشرك فإنه زان وكذلك المشركة إذا زنى بها رجل فهي زانية فلا حاجة إلى التقسيم.

السابع: أنه قد قال قبل ذلك { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فأي حاجة إلى أن يذكر تحريم الزنا بعد ذلك.

” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 112 ، 113 ).

وقال:

فقوله { الزاني لا ينكح إلا زانية } إما أن يراد أن نفس نكاحه ووطئه لها زنا أو أن ذلك يفضي إلى زناها وأما الزانية فنفس وطئها مع إصرارها على الزنا زنا.

” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 121 ).

ثانيًا:

أما أنواع الزنا: فهو زنا الفرج، وزنا الجوارح، وأعظمها زنا الفرج الذي فيه الحد وهو الرجم للمحصن والجلد مئة لغير المحصن، وأما زنا الجوارح فعليه الإثم وليس فيها حدٌّ.

ومما جاء في في زنا الجوارح:

قال الله تعالى:{ والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا } [ الفرقان / 68، 69 ].

ومما جاء في زنا الجوارح:

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدِّق ذلك الفرجُ ويكذبه.

رواه البخاري(5889)، ومسلم (2657) – واللفظ له -.

ثالثًا:

وأما درجات الزنا: فلا شك أنها متفاوتة فبعضها أقبح من بعض، وبعضها أعظم إثمًا وجرمًا من غيرها، وذلك بحسب الزاني والمزني بها والزمان والمكان.

جاء في ” الموسوعة الفقهية “:

يتفاوت إثم الزنى ويعظم جرمه بحسب موارده، فالزنى بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنى بأجنبية أو من لا زوج لها, إذ فيه انتهاك حرمة الزوج, وإفساد فراشه, وتعليق نسب عليه لم يكن منه, وغير ذلك من أنواع أذاه، فهو أعظم إثمًا وجرمًا من الزنى بغير ذات البعل والأجنبية.

فإن كان زوجها جارًا انضم له سوء الجوار، وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى, وذلك من أعظم البوائق, فلو كان الجار أخًا أو قريبًا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ” – رواه مسلم ( 46 ) -، ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأة الجار.

فإن كان الجار غائبًا في طاعة الله كالعبادة, وطلب العلم, والجهاد: تضاعف الإثم حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة, فيأخذ من عمله ما شاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم, وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم, إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟ ” – رواه مسلم ( 1897 ) – أي: ما ظنكم أن يترك له من حسناته؟ قد حكم في أنه يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة.

– فإن اتفق أن تكون المرأة رحمًا له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها.

– فإن اتفق أن يكون الزاني محصنًا: كان الإثم أعظم.

– فإن كان شيخًا: كان أعظم إثما وعقوبة.

– فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام, أو بلد حرام, أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة: تضاعف الإثم. ” الموسوعة الفقهية ” ( 24 / 21 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة