هل يهتم الإسلام بإدارة الوقت؟

السؤال

السلام عليكم، أردت معرفة وجهة نظر الإسلام في إدارة الوقت، الأحاديث النبوية والآيات التي تذكر أن الإسلام اهتم بإدارة الوقت وكيف؟.

الجواب

الحمد لله

نبّه القرآن الكريم على أهمية الوقت كثيرًا، ومن ذلك أن الله تعالى أقسم به في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، ومنه قوله عز وجل: { وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ }، وقوله: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى }، وقوله: { وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ }، وقوله: { وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ }، وقوله: { وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }، وغيرها.

وحثًا للمسلم على اغتنام أوقات الفراغ، والاستفادة من جميع أوقات العمر، وعدم تضييعه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، ومنه:

أ. عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه “. رواه الترمذي ( 2417 ).

ب. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغَنَاءَك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك “. رواه الحاكم ( 4 / 341 ) وصححه الشيخ الألباني في ” صحيح الترغيب ” ( 3355 ).

وهو إشارة واضحة للمسلم في الحرص على استثمار الأوقات حال القدرة والاستطاعة من الشباب والصحة والغنى والفراغ، وذلك قبل أن تدهمه المعوقات من الهرم والسقم والفقر والانشغال.

قال ابن القيِّم:

وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمرّ أسرع من مرّ السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا في حياته وإن عاش فيه عاش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته.

” الجواب الكافي ” ( ص 109 ).

وقد كان سلفنا الصالح حريصين كل الحرص على ألا يمر بأحدهم يوم أو بعض يوم أو برهة من الوقت وإن قصرتْ، دون التزود منها بعلم نافع أو عمل صالح، وكانوا يعيبون على الرجل الذي يكون يومه كأمسه، بل كانوا يحثون على الاستزادة من الأعمال الصالحة واللم النافع.

قال الحسن البصري: ” أدركت أقوامًا كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه ودنانيره “، قال موسى بن إسماعيل في الإمام المحدّث حمّاد بن سلمة البصري: ” لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا قط صدقتكم، كان مشغولًا بنفسه إما أن يحدّث وإما أن يصلّي، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبِّح، كان قد قسّم النهار على هذه الأعمال “.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: ” لو قيل لحمّاد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا “.

وكانوا يكرهون الكسل والبطالة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” إني لأكره أن أرى أحدكم فارغًا مُتَهْلَلًا، لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة “.

وليحذر المسلم أعظم المثبطات عن المسارعة في الخيرات وهما العجز والكسل اللذان يثمران التأجيل والتسويف وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى منهما، فقد كان من دعائه: ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ” – رواه البخاري ( 2668 ) ومسلم ( 2706 ).

والوقت نعمة عظيمة من نِعم الله عز وجل على عباده، إلا أن الناس فيها مغبونون كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ” نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ ” – رواه البخاري ( 6049 ) -، وفي الحديث بيان حال الناس أمام هاتين النعمتين وأن أكثرهم لا يقدرونهما حق قدرهما فتضيع أوقات الفراغ لدى هؤلاء دون استثمارها فيما ينفعهم في أي من أمور دينهم أو دنياهم، وهذا هو الخسران المبين.

وما أحسن ما قاله الحسن البصري رحمه الله في قوله: ” ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة “.

وقال بلال بن سعد: يقال لأحدنا: تريد أن تموت؟ فيقول: لا، فيقال له: لم؟ فيقول: حتى أتوب وأعمل صالحًا، فيقال له: اعمل، فيقول: سوف أعمل، فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل، فيؤخر عمل الله تعالى ولا يؤخر عمل الدنيا.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة