هل القرآن للعرب خاصة أو لمن كان في زمن تنزيله؟

السؤال

يقول البعض إن القرآن قد أُنزل للناس الذين كانوا على وقت الرسول صلى الله عليه وسلم وليس لأهل هذا الزمان، ويجب أن نكيف الإسلام حسب متطلبات هذا العصر، فمثلًا يقولون يجب أن لا ننظر للقمر لنرى هلال رمضان مع أن هذا شيء مطلوب في القرآن، ويقولون بأننا تطورنا ونستطيع أن نحسب طلوع الهلال حسابيًّا، حسب اعتقادي فيجب أن نتبع جميع أوامر الله ورسوله بغض النظر عن العصر والوقت.

يقولون بأن الأوامر كانت للعرب في وقت النبي صلى الله عليه وسلم فقط، فأرجو أن تخبرني كيف أرد عليهم، حاولت أن أقول لهم بأننا يجب أن لا نغير ما أمر به الله ولكنهم لا يستمعون، فأرجو أن ترسل لي الجواب حتى أطلعهم عليه ومع الأسف لي أيضًا.

هل أوامر الله تتغير بتغير الزمن؟

الجواب

الحمد لله

أولًا:

إذا قال أحدٌ إن القرآن هو فقط لمن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: فقوله هذا كفر يخرجه من الإسلام إن كان منتسبًا إليه وخلا من الموانع الشرعية؛ وذلك لأن قوله هذا يؤدي إلى إنكار الإسلام، وعدم لزوم أحكامه للناس، ثم هو يتناقض ويريد أن تتكيف أحكام الإسلام مع كل زمن، فهو مرة يريد حصر أحكام الإسلام في زمن دون آخر، ومرة أخرى يريد تطويع أحكام الإسلام لتتلاءم بزعمه مع كل الأزمنة.

وقد بعث الله تعالى كلَّ رسولٍ إلى أمته، وأعطاهم من الآيات ما يؤمن على مثله الناس، وبما أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد بُعث للناس كافة: فلا بدَّ أن يُعطى آية تستمر إلى قيام الساعة، وكان ذلك في القرآن، تلك الآية الخالدة المعجزة، والتي هي آيته إلى قيام الساعة.

عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة “. رواه البخاري ( 4696 ) ومسلم ( 152 ).

قال الحافظ ابن حجر:

والمعنى: أن كل نبي أُعطيَ آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها, وعليه بمعنى اللام أو الباء الموحدة, والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة, أي يؤمن بذلك مغلوبًا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه, لكن قد يجحد فيعاند, كما قال الله تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا ) …

وقيل: المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها, ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة, وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات, فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه, وهذا أقوى المحتملات, وتكميله في الذي بعده.

وقيل: المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى, ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر, لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده, والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرًا. ” فتح الباري ” ( 9 / 6، 7 ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وآيات النبوة وبراهينها تكون في حياة الرسول، وقبيل مولده، وبعد مماته، لا تختص بحياته، فضلًا عن أن تختص بحال دعوى النبوة أو حال التحدي، كما ظنه بعض أهل الكلام، بل لا بد من آيات في حياته تدل على صدقه تقوم بها الحجة وتظهر بها المحجة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ” ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة “، وقد قال تعالى – في سورة إبراهيم – { الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } إلى قوله { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور }.

” الجواب الصحيح ” ( 6 / 380 ، 381 ).

فانظر إلى الفرق بين دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنها لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ودعوة موسى عليه السلام وأنها لإخراج قومه من الظلمات إلى النور، وهكذا الحال مع باقي الأنبياء والرسل.

ومنه تعلم خطأ القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب فقط أو إلى أهل زمانه، بل هو مبعوث للإنس والجن وإلى قيام الساعة، والدعاة والعلماء والمصلحون يقومون بمهمة النبي صلى الله عليه وسلم فينشرون دينه وأحكامه، وجعلهم الله تعالى حجة على الناس بتبليغهم دين الله.

ومما يدل على هذا:

  1. قوله تعالى: { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } [ النساء / 79 ].
  2. وقوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ سبأ / 28 ].
  3. وقوله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل / 44 ].
  4. قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [ البقرة / 185 ].
  5. وقوله تعالى: { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ البقرة / 187 ].
  6. وقوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [ آل عمران / 110].

ثانيًا:

وأحكام دين الله تعالى ليست قابلة للتطور والتغير، بل هي ثابتة إلى قيام الساعة، وعالمية الإسلام تقتضي توحد أحكامه في كل عصر ومصر، فليس لأحدٍ كائنًا من كان أن يطوِّع أحكام الدين لظرفه وبيئته، ويحكم بما يشاء من التغيير والتبديل لأحكامه وإلا كان مشرِّعًا مع الله.

والحكم بدخول الأشهر الهلالية إنما يكون برؤية الهلال دون الحساب، وهو الذي يتوافق مع كل عصر وفي كل مصر، فالحساب الفلكي لا يعرفه إلا القليل من الناس، ولم تأتِ أحكام الشرع لهؤلاء بل لكل الناس، وأمة الإسلام أمة علمية، وقد أثنى الله تعالى على العلم والعلماء، وذُكر الحساب في الزكاة والمواريث، ومع هذا فقد حكم الإسلام بأن الأشهر القمرية لا يُحكم بدخولها إلا برؤية الهلال بالعين دون الحساب، وجعل الله تعالى ذلك الحكم للناس كافة وإلى قيام الساعة، كما قال عز وجل: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [ البقرة / 189 ].

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة