متى يحل للموكِّل بالأضحية أن يقص شعره مع وجود فارق في التوقيت بينه وبين بلد الوكيل؟

السؤال

أعيش في ” أمريكا “، وقد طلبت من أحد الإخوة المقيمين في إحدى دول الشرق الأوسط أن يضحي بالنيابة عني، فهل يجب عليه أن ينتظر فلا يذبح الأضحية حتى أنتهي من صلاة العيد هنا في أمريكا؟ وهل يجب عليَّ أن أنتظره إلى أن يذبح الأضحية فلا أحلق رأسي ولا أقص أظافري؟ أم أنه يجوز لي أن أحلق وأقص أظافري حال الانتهاء من صلاة العيد دون الأخذ بالاعتبار ما إذا كان قد ضحّى أم لا؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

لا يشك أحد أن السنَّة في الأضحية أن تكون في بلد المضحي؛ إظهارًا للشعيرة العظيمة، وأن من قدر على الذبح بنفسه فهو أفضل ممن وكَّل غيره لذبحها.

وعليه: فالتوكيل في ذبح الأضاحي في غير بلد المضحي خلاف السنَّة في الأصل، إلا أنه قد تعتري المضحي بعض الظروف مما يكون معه توكيل بذبح الأضحية في غير بلده، ومن ذلك: ما يفعله رب الأسرة العامل في غير بلده ولا يستطيع شهود العيد مع أسرته، ومنه: من يكون في بلد تَمنع الذبح الإسلامي وتجرِّم فاعله، ومنه: من يرغب بذبح أكثر من أضحية فيجعل واحدة – أو أكثر – في بلده، وواحدة أخرى – أو أكثر – في بلد فقير، فكل هؤلاء -وغيرهم من مثل حالهم – لا يُمنع من توكيلهم غيرهم ليذبحوا في غير بلدهم الذي يقيمون فيه.

ثانيًا:

وفي كثير من الأحيان يكون ثمة فارق في التوقيت بين بلد المضحِّي الموكِّل وبين بلد الوكيل الذي ستُذبح فيه الأضحية، ومن المعلوم أن المضحِّي – لا الوكيل – يُمنع من الأخذ من أظفاره وشعره وجلده شيئاً حتى ينتهي من ذبح أضحيته؛ لحديث أُمّ سَلَمَة قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلاَلُ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ ) – رواه مسلم ( 1977 ) -، فكيف يصنع صاحب الأضحية في حال ذبَحَ وكيلُه أضحيته قبل –  أو بعد – وقت عيد الأضحى عنده؟!.

في المسألة أقوال:

  1. أحوطها: أن لا يأخذ صاحب الأضحية من شعره وأظفاره شيئًا إلا بعد انتهاء صلاتي العيد في البلدين، مع قيام موكِّله بذبح أضحيته، وهذا القول اعتبر صاحبه بلد المضحي ومكان الأضحية جميعًا، وبه يقول الحسن بن زياد الحنفي.

* قال الكاساني الحنفي – رحمه الله -:

وقال الحسن بن زياد: انتظرت الصلاتين جميعَا، وإن شكوا في وقت صلاة المصر الآخر انتظرت به الزوال فعنده لا يذبحون عنه حتى يصلوا في المصرين جميعًا, وإن وقع لهم الشك في وقت صلاة المِصر الآخر لم يذبحوا حتى تزول الشمس فإذا زالت ذبحوا عنه.

وجْه قول الحسن: أن فيما قلنا اعتبار الحالين حال الذبح وحال المذبوح عنه فكان أولى، ولأبي يوسف ومحمد رحمهما الله أن القربة في الذبح, والقربات المؤقتة يعتبر وقتها في حق فاعلها لا في حق المفعول عنه. ” بدائع الصنائع ” ( 5 / 74 ).

  1. وقال بعض العلماء: إن العبرة ببلد المضحي لا بمكان الأضحية، فمتى دخل وقت ذبح الأضحية عنده أخذ من شعره وأظفاره ولو لم يذبح وكيله!، وهذا قول بعض الحنفية، ويرجحه الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله، فقد سئل:

متى يبدأ المضحي بالتحلل علمًا أن أضحيته قد تتأخر يوم، أو تتقدم يوم، حسب الدولة المضحَّى فيها؟.

فأجاب:

يُراد بالتحلل: إباحة أخذ الشعر والظفر، فمتى دخل وقت الذبح في البلاد التي فيها المتبرع: جاز له التحلل، يعني: القص من شعره وبشرته، ولو لم يتحقق ذبح أضحيته في ذلك اليوم.

http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=1917&parent=1268

* وقال – رحمه الله -:

فيجوز له الحلق والتقليم ولو تأخر ذبح أضحيته في البلاد البعيدة لفوارق التوقيت.

http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=10377&parent=1268

  1. وقال آخرون: إن صاحب الأضحية مرتبط بذبح الأضحية لا بصلاة العيد ولا بوقت ذبح الأضحية، فمتى تمَّ ذبح الأضحية من قِبَل الوكيل أخذ من شعره وأظفاره ولو كان صلَّى العيد قبل ذبحها، بل ولو مرَّ يومان من أيام التشريق، وهذا هو مذهب الحنفية، وبه يقول الشيخ العثيمين رحمه الله، وهو الراجح عندنا؛ لتعليق النبي صلى الله عليه وسلم المنع من الأخذ من الشعر والأظفار حتى يضحي لا بصلاة العيد، ولا بدخول وقت الأضحية، فإذا قام الوكيل بذبح الأضحية عن الموكِّل : جاز لهذا الموكِّل الأخذ من شعره وأظفاره.

* قال الكاساني الحنفي – رحمه الله -:

وإن كان الرجل في مصر وأهله في مصر آخر فكتب إليهم أن يضحوا عنه: روي عن أبي يوسف أنه اعتبر مكان الذبيحة فقال: ينبغي لهم أن لا يضحوا عنه حتى يصلي الإمام الذي فيه أهله, وإن ضحوا عنه قبل أن يصلِّي لم يجزه, وهو قول محمد – عليه الرحمة -. ” بدائع الصنائع ” ( 5 / 74 ).

وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 5 / 92 ) – نقلًا عن الحنفية -:

وإذا كان من عليه الأضحية مقيماً في المصر ووكَّل من يضحي عنه في غيره أو بالعكس: فالعبرة بمكان الذبح لا بمكان الموكِّل المضحي؛ لأن الذبح هو القربة. انتهى.

* قال الشيخ العثيمين رحمه الله – في بيان مفاسد التوكيل في الأضحية في غير بلد المضحي -:

ومنها: أنها إذا ضحيت في بلاد أخرى فإنه لا يدري متى تضحى، قد تضحى قبل الوقت جهلًا من المضحي، وقد تضحى بعده، ثم هو مرتبط بها؛ لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بشَرته – جلده – ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي، ولا يدري متى تذبح هذه الأضحية فيبقى معلقًا كل أيام العيد لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئًا؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أم لا، ولا سيما إن كانت في بلاد شرقية فإنهم يتأخرون عنها في الغالب يومًا وربما يتأخرون يومين، فيبقى معلقًا من العيد إلى أيام التشريق الثلاثة إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس. ” لقاء الباب المفتوح ” ( مقدمة اللقاء رقم 92 ).

وعليه: فإذا كان ذبح الأضحية قبل صلاة العيد في بلد الموكِّل: جاز له الأخذ من شعره وأظفاره ولو كان قبل صلاته للعيد، وإذا كان الذبح للأضحية يكون بعد صلاة العيد عنده: فينتظر حتى يتم ذبح الأضحية ثم يأخذ من شعره وأظفاره، ولا يفعل ذلك بعد صلاته للعيد قبل ذبح أضحيته؛ لأن العبرة بمكان الأضحية وذبحها، وليست العبرة ببلده وصلاته للعيد.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة