موظف حكومي دلَّ جهة عمله على شركة صيانة فهل يحل له أخذ مال من تلك الشركة؟

السؤال

أنا محاسب في جهة حكومية، طلب مني في العمل أن أحضر شركة بسعر مناسب لأعمال الصيانة، ولدي صديق متخصص بهذا المجال، فقدمته للجهة الحكومية التي أعمل بها فقام صديقي بإعطائي مبلغاً من المال، فهل هذا المال يدخل تحت مسمَّى ” الرشوة “؟.

 

الجواب

الحمد لله

الأصل في الموظف الذي يتقاضى راتبًا من أصحاب وظيفته أنه لا يحل له التكسب بها، وما يوفِّره أو يربحه أو يُخصم له بسبب وظيفته: فإنه لأصحاب الوظيفة ليس له، وأما هو فله راتبه الذي يستحقه مقابل عمله.

ويجوز في حالتك التي سألتَ عنها أن تأخذ من البائع للجهة الحكومية التي تعمل فيها في حالين:

الأولى: أن تُخبر جهة عملك بأنك ستبحث عن شركة صيانة مناسبة في سعرها وجيدة في عملها لكن بمقابل مادي، إما أن تطلب مبلغًا مقطوعًا أو نسبة من عقد الاتفاق بينهم وبين الشركة.

الثانية: أن تدل الجهة الحكومية على الشركة المناسبة في سعرها والجيدة في عملها ويُعطيك صاحب الشركة مبلغًا من المال من أرباحه هو، ولا يرفع سعره من أجل احتساب ما سيدفعه لك من عمولة أو هدية.

وفي هاتين الحالتين لا يكون ما تأخذه رشوة، بل هو في الأولى ” أجرة “، وفي الثانية ” هدية ” أو ” عمولة ” أو ” سمسرة “.

وإنما يكون ما تأخذه ” رشوة ” إذا طلبتَ من الشركة أن يزيدوا في سعرهم من أجل إعطائك تلك الزيادة، وفي الغالب يكون ثمة من هو أجود منهم عملاً، فتجمع لجهة عملك بين الخيانة في المال والأعمال.

وهذه بعض فتاوى لأهل العلم في التفصيل السابق:

  1. * سئل علماء اللجنة الدائمة:

أخذتُ زبوناً إلى أحد المصانع – أو المحلات – لشراء بضاعة، فأعطاني صاحب المصنع – أو المحل – عمولة على الزبون، هل هذا المال حلال ( العمولة )؟ وإذا زاد صاحب المصنع مبلغاً معيَّناً على كل قطعة يأخذها الزبون وهذه الزيادة آخذها أنا مقابل شراء الزبون لهذه البضاعة، فهل هذا جائز؟ إذا كان غير جائز فما هي العمولة الجائزة؟.

فأجابوا:

إذا كان المصنع أو التاجر يعطيك جزءًا من المال على كل سلعة تباع عن طريقك تشجيعاً لك لجهودك في البحث عن الزبائن، وهذا المال لا يُزاد في سعر السلعة، وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة، حيث إن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون: فهذا جائز، ولا محذور فيه.

أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل يُزاد على المشتري في ثمن السلعة: فلا يجوز لك أخذه، ولا يجوز للبائع فعل ذلك؛ لأن في هذا إضرار بالمشتري بزيادة السعر عليه. الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ بكر أبو زيد.  ” فتاوى اللجنة الدائمة “( 13 / 130 ، 131).

  1. * وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

هذا المستمع محمد السيد مصري يعمل بالسعودية يقول رجل قام بعمل وسيط بين صاحب مال وشركة مقاولات أو غير ذلك، هل يجوز له أن يأخذ مقابل هذه الوساطة؟ وهل هذا يسمَّى سمسرة؟.

فأجاب:

نعم، يجوز لهذا الذي كان وسيطًا أن يأخذ من المال بقدر أجرته، ولكن إن كان قد شرط ذلك على من كان وسيطًا بينهم: فالأمر ظاهر، وإن لم يشترط: فإن كان هذا الرجل قد نصَّب نفسه لهذه المهنة: استحق الأجر، وإن لم يكن نصَّب نفسه: فإن عمله هذا يكون تبرعًا؛ لأن من كان بينهم وسيطًا لا يفهمون منه إلا التبرع، فإذا كان هذا الرجل معروفًا بأنه ” دلاَّل ” يأخذ الأجرة: فله أجر مثله، وأما إذا كان رجلًا عاديًّا وسعى: فالأصل أنه لا يستحق شيئًا إلا بشرط، فمن الورع له أن لا يأخذ منهم شيئًا.

وخلاصة الجواب الآن: أن هذا الوسيط إن اتفق مع من كان بينهم وسيطًا على شيء معلوم قبل الوساطة: فهذا لا شك في جوازه؛ لأنه من باب المؤاجرة، وإن لم يتفق: نظرنا، فإن كان قد نصَّب نفسه لهذا العمل كالدلالين ومثلهم : فله أجر مثله؛ لأنه إنما عمل بناءً على ما كان معروفًا من أنه صاحب مهنة، وإن لم يكن معروفًا بهذا العمل: فإن الورع أن لا يأخذ شيئًا، لكن إن أَهدى له من كان بينهم وسيطًا شيئًا: فلا حرج عليه في قبوله. ” فتاوى نور على الدرب ” ( شريط رقم 200 ).

  1. * وسئل الشيخ سليمان بن فهد العيسى – أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -:

شخص لديه مركز تصليح سيارات، وعرض عليه صاحبُ محل قطع غيار أن يعطيه خمسين ريالًا مقابل كل عميل يرسله ليشتري من عنده قطع الغيار التي تحتاجها سيارته، فما الحكم في هذا؟ علمًا أن صاحب مركز التصليح لن يطلب من العميل سوى القطع التي تحتاجها سيارته فعلًا, وصاحب قطع الغيار لن يكون أرفع سعرًا من غيره من أصحاب قطع الغيار.

فأجاب:

إذا كان صاحبُ قطع الغيار سعره كسعر غيره فعلًا، وأنه لا يرفع السعر على هذا المشتري مقابل ما يعطيه لصاحب مركز التصليح، وأن بضاعته كبضاعة غيره في الجودة، وأنه أيضًا لا يحصل من صاحب مركز التصليح ترغيب في الشراء من هذا المحل بالذات لأصل ما يأخذه منه كما يفعله كثير من الوسطاء: فأرى – والعلم عند الله تعالى – أنه لا بأس به إذا توفرت هذه الشروط، ويكون ما يأخذه مثل ما يأخذه السمسار – ” الدلال ” ، ” الوسيط ” – على بيع السلع أو شرائها.

لكنني أرى – أيضًا – أن الأولى أن يخبرَ صاحبُ مركز التصليح العميلَ بأنه يأخذ من صاحب محل قطع الغيار هذا المبلغ كدلالة فقط؛ لتطيب نفسه بذلك، ولئلّا يشك لو علم بأن ما يأخذه إنما كان مقابل رفع السعر عليه.

هذا ولا يخفى أن عادة كثير ممن يشترون لغيرهم أو يدلون على محلات خاصة أنهم يُوزِعون إلى أصحاب البضائع بأن يرفعوا في السعر بالفواتير مقابل شرائهم أو دلالتهم، وقد اطلعت على كثير من ذلك، فيأتون بالفواتير للمشتري، فإذا سأل الحاذق بأحوال هؤلاء الوسطاء عن أسعار تلك السلع بتلك الفواتير: وجد فيها زيادة قد لا تقل عن ( 20 % ) ، فالله المستعان، والله أعلم. ” فتاوى واستشارات الإسلام اليوم ” ( 11 / 6 ) – ترقيم الشاملة -.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة