أنواع اللقاحات الطبية وحكم التطعيم بها

السؤال

اللقاحات الطبية التي تُعطى للأطفال هي موضع تساؤلي، فالنظرية السائدة تقول: إنه بمجرد إعطاء الطفل نسبة بسيطة من فيروسات المرض الفلاني – وهو ما يعرف باللقاح – فإنه بذلك يكتسب مناعة ضد هذا المرض بقية حياته.

لكن قلقي زاد بخصوص هذا الأمر بعد أن قرأت أن اللقاحات التي تعطى للأطفال معظمها يستخلص من الدم الفاسد للأحصنة، ومن قيح بعض الأبقار المريضة، ومن دم الخنزير، ومن مخ الأرانب، ومن كلية الكِلاب، ومن رحم الدجاج، والقائمة تطول.

فالذي أريد أن أعرفه هو حكم هذه الأشياء، وهل يجوز للآباء أن يعطوا لأبنائهم هذه اللقاحات، وإن كانت هذه المعلومات التي قرأتها صحيحة فمعنى هذا أن أطفال العالم يُحقنون بمواد نجسة ومتعفنة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ( لم يجعل الله دواء أمتي في دائها )؟! فما العمل إذًا؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

التلقيح – ويسمَّى ” التحصين ” و ” التطعيم ” –  يجعل جسم متناوله يصنع مواد تُعرف بـ ” الأجسام المضادة ” ووظيفتها : مقاومة الأمراض، ولا تسبِّب – في الأصل – الأمراض لمتناولها، وما يحدث من أعراض جانبية جرَّاء أخذها لا يقارن بما لها من نفع مستقبلي بإذن الله.

وفي ” الموسوعة العربية العالمية “: التحصين ( التمنيع ) النشط، مصطلح آخر للتلقيح، ويحتوي اللقاح على مواد من شأنها تحفيز المناعة في الجسم لإنتاج أجسام مضادة لمرض معد معين، وهذه الأجسام المضادة تحمي الشخص إذا ما أصيب بالكائن الحي المسبب للمرض.

ويحتوي اللقاح على مادة قوية تكفي للبدء في إفراز الأجسام المضادة، ولكنها ليست بالقوة التي تسبب المرض فعلاً، ومعظم اللقاحات تحتوي على البكتيريا المسببة للمرض أو فيروسات ميتة، ويحتوي بعضها الآخر على الجراثيم الحية، ولكن في حالة ضعيفة حتى لا تسبب المرض، وتُعرف اللقاحات باسم ” الذوفانات “، حيث تُصنّع من سموم تفرزها الكائنات المسببة للمرض، وتُعالج هذه السموم كيميائيّاً بحيث تعطي المناعة دون أن تسبب المرض.  انتهى.

ثانيًا:

وحكم التطعيم يرجع إلى حكم المواد المستعملة فيه والآثار المترتبة عليها، وهي أقسام:

القسم الأول: ما كان منها مواد مباحة الاستعمال في الأصل، ولها آثارها النافعة.

وهذه لا شك جائزة، بل هي من نعَم الله تعالى العظيمة على الخلق، وقد ساهم هذا الإنجاز الطبي في القضاء على انتشار أوبئة كثيرة.

* قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري – حفظه الله -:

” ومن المسائل المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية: حُكم أخذ اللقاح الذي يعطى من أجل الوقاية من هذه الأمراض، فنقول: اللقاح الذي يُعطى على نوعين:

النوع الأول: ما عرف أثره بالتجربة أنه يقي بإذن الله من هذا المرض، ومثل هذا له أحكام العلاج وهو نوع من أنواع العلاج؛ وذلك لدخوله في قوله صلى الله عليه وسلم (تداووا )، فيأخذ حكم التداوي، وبعض الفقهاء استشكل أخذ اللقاح وقال: إن هذا اللقاح مرض مخفَّف يُنقل إلى الجسد ليتمكن الجسم من محاربة المرض الثقيل ( ليتعود البدن على مقاومة المرض )، قالوا: فكيف نستجيز إدخال مرض إلى الجسد؟ والأظهر: أن هذا العمل لا حرج فيه، بل هو من القربات؛ لأن إدخال الضرر هنا لا يترتب عليه ضرر بل يترتب عليه مصلحة لوقاية متعاطي هذا اللقاح من المرض الشديد، فهذا دليل على عدم المنع من أخذ هذا اللقاح “. انتهى من محاضرة بعنوان ” أحكام فقهية تتعلق بالأوبئة “.

http://www.al-adwa.net/?p=181

وسواء كانت هذه المواد المباحة الاستعمال من الفيروسات أو البكتريا أو حتى السموم فكلها داخل فيما يجوز تناوله إن كان له آثار نافعة محمودة.

وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 25 / 257 ): ” يجوز التّداوي بالسّمّ حتّى عند من يقول بنجاسته إن غلبت السّلامة من ضرره، ويرجى نفعه، لارتكاب أخفّ الضّررين، ولدفع ما هو أعظم منهما، بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك أو معرفة المتداوي به، وعدم ما يقوم مقامه ممّا يحصل التّداوي “. انتهى

القسم الثاني: ما كان منها مواد مباحة الاستعمال، ولكنَّها تسبِّب أضرارًا للبدن أكثر من النفع، أو لا يكون فيه نفع أصلًا.

وهذه اللقاحات لا شك في عدم جواز تناولها؛ لما نهينا عنه من الإضرار بأنفسنا في المطعومات والمشروبات والأدوية وغير ذلك.

وقد ذكرنا في جواب سابق: ” أمَّا إذا ثبت بالطب أن تطعيمات معينة تُحدث ضررًا بجسم الإنسان أو أن نسبة تأثيراتها الضارة أكثر من نسبة ما تدفعه من الأمراض فلا يجوز استعمالها حينئذ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار  ) “. انتهى.

القسم الثالث: ما كان منها مواد محرَّمة أو نجسة في أصلها، ولكنها عولجت كيميائيًّا أو أضيفت إليها مواد أخرى غيَّرت من اسمها ووصفها إلى مواد مباحة، وهو ما يسمَّى ” الاستحالة “، ويكون لها آثار نافعة.

وفي ” الموسوعة العربية العالمية “: ” وما زالت بعض اللقاحات تصنع من أجزاء أو إفرازات الكائنات المسببة للمرض، وتتكون مجموعة لقاحات أخرى من كائنات حية تشابه تلك التي تسبب المرض، وهذه الكائنات تعطي المناعة ولكنها لا تسبب الأمراض “. انتهى.

وهذه اللقاحات يجوز تناولها لأن الاستحالة التي غيَّرت اسم موادها ومواصفاتها قد غيَّرت حكمها فصارت مباحة الاستعمال.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:

” وأما دخان النجاسة: فهذا مبني على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة – مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحا طيبا كغيرها من الملح أو يصير الوقود رمادًا وخرسفا وقصرملا ونحو ذلك – ففيه للعلماء قولان: أحدهما: لا يطهر، كقول الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب مالك، وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه، والرواية الأخرى: أنه طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين وإحدى الروايتين عن أحمد. ومذهب أهل الظاهر وغيرهم: أنها تطهر، وهذا هو الصواب المقطوع به؛ فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظاً ولا معنى، فليست محرَّمة ولا في معنى المحرَّم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل؛ فإنها من الطيبات، وهي أيضًا في معنى ما اتفق على حله  فالنص والقياس يقتضي تحليلها.

” مجموع الفتاوى ” ( 21 / 70 ، 71 ).

القسم الرابع: ما كان منها مواد ضارَّة أو محرَّمة، ولا يُجزم بآثارها، وثمة اختلاف بين الأطباء والمختصين في نفعها وفائدتها.

– وهذه اللقاحات لا يجوز تناولها؛ لما فيه من احتمال تعريض النفس للهلاك والأمراض.

* قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري – حفظه الله -:

ومن المسائل المتعلقة بالأوبئة والأمراض المعدية حكم أخذ اللقاح الذي يعطى من أجل الوقاية من هذه الأمراض، فنقول اللقاح الذي يعطى على نوعين:

النوع الأول:… – سبق ذِكره قريبًا -.

النوع الثاني من لقاح الأمراض المعدية: ما لم يتأكد من أثره ولم يعرف بالتجربة بعدُ، أو اختلف كلام الأطباء فيه بحيث لم يعتمد الإنسان على شيء ولم يترجح لديه شيء من أقوالهم : فحينئذ الأصل: المنع من أخذه وعدم جوازه؛ لأنه لم يتأكد من تأثيره في الوقاية من المرض، فنحن تأكدنا من أنه مضر، وأنه يدخل على البدن شيئاً من الضرر ولم نتأكد من أن له فائدةً أعظم منه، ومن ثَمَّ فإننا نمنع منه، لأننا لا نستجيز الإقدام على فعل إلا إذا كان نفعه أكبر من ضرره، فما لم نتأكد من ذلك فالأصل منعه، إذا كان الفعل نتأكد ونجزم بأنه مضر وأن ما يقابل هذا الضرر من الفائدة لم يثبت بعد: فحينئذ يمنع منه “. انتهى من محاضرة بعنوان ” أحكام فقهية تتعلق بالأوبئة “.

http://www.al-adwa.net/?p=181

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة