تعقيب على مقال الدكتور حاتم الشريف ( بطلان نسبة تكفير الأشعرية عوام المسلمين ) بقلم : عبد الباسط الغريب

تعقيب على مقال الدكتور حاتم الشريف

بطلان نسبة تكفير الأشعرية عوامَّ المسلمين بحجة أنهم يكفِّرون كل من لم يقم بواجب النظر

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم : فهذا تعقيب على مقال الدكتور حاتم الشريف : بطلان نسبة تكفير الأشعرية عوامَّ المسلمين بحجة أنهم يكفِّرون كل من لم يقم بواجب النظر , ومسألة التكفير من أخطر المسائل , التي حذر  النبي صلى الله عليه وسلم  , منها .  و كان أهل السنة والجماعة  أشد الناس تحذيرا من إطلاق اللسان في التكفير  , ووضعوا لذلك الضوابط التي تضبط مسائل التكفير , وكان الواقع في الفرق الإسلامية أنها كلما ابتعدت  عن منهج الكتاب والسنة كانت أكثر  ولوجا واقتحاما لمسائل التكفير وما يترتب عليها .

فكانت الخوارج والمعتزلة رأسا في ذلك وقد تأثر بهم بعض الفرق الكلامية كالأشاعرة , والماتريدية , فقرروا مسائل في الاعتقاد أوجبوها على عامة الأمة وكفروا من لم يقل بها , وكان من ذلك مسألة وجوب النظر وحرمة التقليد , والتي كانت من أصول مذهب المعتزلة التي انتقلت لمذهب الأشاعرة كما سيأتي بيانه .

وقد رتب بعض الأشاعرة على هذه المسألة تكفير العوام ومن أمكنه النظر ولم يفعل كما سيأتي نقله من كتبهم , وقد حاول الدكتور حاتم الشريف أن يرد هذا القول وأن ينسبه للمعتزلة وأن يبرأ  الأشاعرة  منه , ومقاله هذا لا يعدوا أن يكون من باب التعصب لمذهب الأشاعرة  و التعريض بمذهب أهل السنة والجماعة – السلفية –

و حاله كحال من قال عنهم  الإمام ابن قتيبة : وقد تدبرت رحمك الله مقالة أهل الكلام، فوجدتهم: يقولون على الله ما لا يعلمون، ويفتنون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس , وعيونهم تطرف على الأجذاع !.

تأويل مختلف الحديث (1|13)

وهنا سأذكر المسألة باختصار من كتبهم ثم أعقب على مقال الدكتور حاتم الشريف , والله المستعان وعليه التكلان .

المسألة الأولى : إيمان المقلد واختلاف الأشاعرة في تكفيره

هذه المسألة :  أشهر المسائل عند المتكلمين , وقد ترتب عليها أقوال وتحريرات واستدلالات في غير مكانها وترتب عليها إكفار عوام المسلمين بل وغيرهم ممن لا يقول بهذا القول .

قال السنوسي : والخلاف الذي أشار إليه هو أنه اختلف في إيمان المقلد على ثلاثة أقوال : – بعد أن ذكر القولين – قال  :

الثالث :    أنه كافر وكأن هذا يرى أن المعرفة فرض على الأعيان وأنها نفس الإيمان كما يقول الشيخ الأشعري أو لازمة له وأن الإيمان هو حديث   النفس التابع للمعرفة كما يقول القاضي .

ثم قال : وهذا القول الثالث هو مذهب جمهور المتكلمين عند بعضهم.. .

وقال إمام الحرمين في شامله : من مات بعد ما مضى من الزمان ما يسعه النظر ولم ينظر فهو كافر , وإن مات قبل مضي ما يسع ذلك مع عدم شغله ذلك الزمان بما يسعه وهو مختار في ذلك ففي كفره قولان للقاضي والأصح كفره .

العقيدة الوسطى (37-39) وتحفة المريد (30)وشرح العقيدة الكبرى (30) والإسعاد شرح الإرشاد (50)

ونص كلامه في الشامل : ولو انقضى  من أول حال التكليف زمن يسع النظر المؤدي إلى المعارف ولم ينظر مع ارتفاع الموانع واخترم بعد زمان الإمكان فهو ملحق بالكفرة , ولو مضى من أول الحال قدر من الزمان يسع بعض النظر ولكنه لم ينظر مقصرا ثم اخترم قبل مضي الزمان الذي يسع في مثله النظر الكامل فقد قال القاضي رضي الله عنه يمكن أن يقال إنه لا يلحق بالكفرة .. وقال : الأصح الحكم بكفره لموته غير عالم .

الشامل (22)

أقول : تأمل قول السنوسي  : والأصح كفره ! . وكذا ما نقله الجويني عن القاضي الباقلاني : الأصح الحكم بكفره لموته غير عالم ! .

وقال اللقاني في منظومته :

إذ كل  من قلد في التوحيد  إيمانه لم يخل من ترديد

ففيه بعض القوم يحكي الخلفا …

قال الشارح البيجوري : وحاصل الخلاف   فيه أقوال ستة :

الأول : عدم الاكتفاء بالتقليد بمعنى عدم صحة التقليد فيكون المقلد كافرا وعليه السنوسي في الكبرى .

تحفة المريد (42-44)

وقال البيجوري في تحقيق المقام (38) عند قول الماتن :     والمقلد كافر , قال :وأن المقلد كافر ,أما ابن عربي فعبارته مصرحة بذلك …

وانظر حاشية محمد بن محمد الأمين على شرح عبدالسلام المالكي على الجوهرة (79)

وقال الآمدي : وإن أخر الشروع فيما كلف به عن أول زمان التكليف من غير عذر ثم اخترمته المنية قبل أن يقضي زمان يتسع للنظر بل لبعضه فالأظهر الحكم بكفره إذا مات غير عالم مع ظهور التقصير منه .

أبكار الأفكار (1/108)

وقال الحامدي : والنزاع إنما هو في المقلد وكل ممن ذكر كافر اتفاقا .

حواش على شرح الكبرى (90-91)

وتأمل قول الحامدي : وكل ممن ذكر,  كافر اتفاقا ! .

و قال أبو منصور البغدادي : قال أصحابنا: كل من اعتقد أركان الدين تقليدًا من غير معرفةٍ بأدلتها ننظر فيه: فإن اعتقد مع ذلك جواز ورود شبهة عليها وقال: لا آمن أن يَرِدَ عليها من الشبه ما يفسدها  فهذا غير مؤمنٍ بالله ولا مطيع، بل هو كافر..

أصول الدين (254-255)

أقول : وتأمل هذا التأكيد .

وقال السباعي في حاشيته على شرح الخريدة : واختلفوا في الاعتقاد الصحيح الذي حصل بمحض التقليد، فالذي عليه الجمهور والمحققون من أهل السنة كالأشعري ومن وافقه أنه لا يصح الاكتفاء به في العقائد الدينية، وهو الحق الذي لا شك فيه. وقد حكى غير واحد الإجماع عليه، وكأنه لم يعتد بخلاف الحشوية وبعض أهل الظاهر .

مجموع الحواشي السنية (1/178)

أقول : ويقصدون  بالحشوية من يثبت الصفات ولا يقول بقولهم كأهل الحديث والحنابلة .

أقول : وقد ترتب على هذه المسألة عجائب وغرائب  لتعلم أن ما بني على باطل فهو باطل .

  • عدم نجاته من عذاب القبر .

قال ابن دهاق في شرح الإرشاد :    لما تكلم على فتنة القبر وعذابه قال : وهذه الفتنة فتنة القبر لا ينجو منها من أخذ لنفسه في دينه بالتقليد  وترك النظر في أدلة الرسالة والتوحيد .

العقيدة الوسطى (39)

  • وهي غير مخلصة له في الآخرة

وقال السنوسي : ولا يرضى لعقائده حرفة التقليد فإنها في الآخرة غير مخلصة عند كثير من المحققين .

شرح العقيدة الكبرى (29)

  • ويعد من قلد من المنافقين

قال السنوسي : ولذا قيل النفاق   نفاقان : – بعد أن ذكر الأول –

قال : وأما النفاق الذي لا يشعر به صاحبه فهو أن يولد الرجل أو المرأة بين أبوين مؤمنين يسمع منهما قول لا إله إلا الله محمد رسول الله   نحو ما يسمع تباعا وتقليدا لهم .. .

      العقيدة الوسطى (40)

  • وعليه اختلف في أول الواجبات

قال البيجوري : وجملة الأقوال في أول الواجبات اثنا عشر قولا … ثم ذكرها

تحفة المريد (47)

أقول : وتأمل هذا الخلط وهذا التناقض الكبير في تحديد أول الواجبات .

ثم تأمل هذا التناقض :

  • فمع إيجابهم للنظر فلا قدرة للعبد فيه ! وهذا من أظهر التناقض

قال السنوسي  : فالنظر على هذا النحو هو المسمى بالنظر الصحيح والعلم الذي يحصل عنه كلاهما مخلوق لله بلا واسطة لا أثر لأحدهما في الآخر ولا لقدرة العبد في شئ منهما .

       العقيدة الوسطى (40)

  • وأكثر من نظر لم يصل إلى الحق فيه !! .

وقال السنوسي : وبالجملة فأهل النظر لم يصلوا كلهم إلى الحق وإنما وصل القليل فكيف بمن لم ينظر .. .

شرح العقيدة الكبرى (63)

أقول : كيف تجعل هذه المسألة أصلا , يكفر عليها المخالف أليس يلزم من ذلك دخول أكثرهم في هذا  الإكفار, إذا كان أكثر من نظر لم يصل إلى الحق !.

  • بل بعضهم لمز الصحابة بعدم معرفتهم بذلك

قال السنوسي : وقد أساء الفخر الرازي في حقهم وهي خلسة اختلسها الشيطان منه فقال : الصحيح عندنا أن المقلد من أهل النجاة ولا يلزمنا تكفير أكثر الصحابة والتابعين إذ يعلم بالضرورة أن أكثرهم لم يكن عالما بهذه الأدلة .

شرح العقيدة الكبرى (52)               

وتأمل سوء الأدب مع الصحابة , وتجهيلهم ! .

وقال الآمدي : ولو توقف الإسلام على اعتقاد هذه المسائل بالنظر والدليل لما حكم بإسلامهم دون تحققه وللزم من ذلك تكفير أكثر الصحابة .

أبكار الأفكار (3/410)

  • وبعضهم جعل أول واجب هو الشك

قال السنوسي  : وقالت المعتزلة وعزي أيضا للأستاذ ابن فورك إن أول واجب الشك ! .

العقيدة الوسطى (48-49)

وقال الآمدي : والحق أن ابتداء الشك غير مقدور للعبد بل هو واقع بغير اختياره إلا أن بدوامه مقدور إذ له أن يترك النظر فيدوم الشك أو أن ينظر فيزول الشك .

شرح المواقف (1/167) للجرجاني وشرح المقاصد (1/272-273) للتفتازاني

وقال الآمدي : الشك  لا يبعد أن يكون مأمورا به في الفروع الاجتهادية وأما الشك في الله تعالى فقال الباقلاني وأبو هاشم لا يمتنع أن يكون مأمورا به حيث وجب النظر ولا يتم إلا به .

انظر الآمدي وآراؤه الكلامية (109)

أقول : وهذا من عجائبهم وتخليطهم حتى أغلظ عليهم ابن حزم .

قال ابن حزم : وَالله مَا سمع سامع قطّ بأدخل فِي الْكفْر من قَول من أوجب الشَّك فِي الله تَعَالَى وَفِي صِحَة النُّبُوَّة فرضا على كل متعلم لا نجاة لَهُ إِلَّا بِهِ وَلَا دين لَا حد دونه وَأَن اعْتِقَاد صِحَة التَّوْحِيد لله تَعَالَى وَصِحَّة النُّبُوَّة بَاطِل لَا يحل فَحصل من كَلَامهم أَن من لم يشك فِي الله تَعَالَى وَلَا فِي صِحَة النُّبُوَّة فَهُوَ كَافِر وَمن شكّ فيهمَا فَهُوَ محسن مؤد مَا وَجب عَلَيْهِ وَهَذِه فضيحة وحماقة .

الفصل (4/163)

أقول : أما قول ابن حزم : بأدخل فِي الْكفْر من قَول من أوجب الشَّك فِي الله تَعَالَى وَفِي صِحَة النُّبُوَّة فرضا على كل متعلم . انتهى

فلا نوافقه عليه , لأن من موانع التكفير الجهل والتأويل .

  • مع عسر النظر على البعض فلا يسقط أيضا

قال السنوسي  :  فإن الظاهر وما أشار إليه    أن كل من معه أصل عقل التكليف فهو متمكن من المعرفة والنظر وقصارى الأمر أن النظر الصحيح يعسر على قوم ويسهل على آخرين والعسر ليس بمسقط التكليف في كثير من الفروع فكيف بأصول الدين ! .

   العقيدة الوسطى (48-49)

  • واعترافهم أنها مسألة ظنية ليست قطعية

قال الآمدي : وعلى الجملة فمسألة وجوب النظر ظنية لا قطعية .

أبكار الأفكار (1/106)

  • المرأة البلهاء في أقاصي الأرض لا تعذر بالتقليد وترك النظر

قال السنوسي  : فإن تكليف المرأة البلهاء الفاسدة المزاج في الأقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل كأقاصي بلاد السودان وأقاصي بلاد الترك مما لا يطاق فإن هذه الأقاليم لا يكون للعقل فيها كبير وفق ولذلك قال تعالى في بلاد الترك { وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } ومع ذلك فهم مكلفون بدقائق أصول الدين ودلائل التوحيد ومخلدون بالجهل في النار .

    العقيدة الوسطى (48-49)

  • ويرد السنوسي  على أصحاب القول الأول الذين قالوا إنه معصية

قال : وأما ما اقتصر عليه الشريف من المعصية فقط في حق المتمكن من النظر فدعوى منه لا دليل عليها .

العقيدة الوسطى (48-49)

  • وهذا النظر الذي أوجبوه قائم على أربعة أركان :

الأول : إثبات زائد تتصف به الأجرام

الثاني : إثبات حدوث ذلك الزائد

الثالث : كون الأجرام  لا تنفك عند كل زائد

الرابع : إثبات استحالة حوادث لا أول لها

العقيدة الوسطى (88)

أقول : تأمل هذه المقدمات التي أوجبوها على عامة الناس ..

  • وترتب على هذه المسألة تفسير قرمطي باطني للنصوص للاستدلال على وجوب النظر .

قال السنوسي : حتى قيل  إن الجهالات بتلك الأصول الأربعة هي التي استعير لها الظلمات الأربع في قوله تعالى { أو كظلمات في بحر لجي } !

العقيدة الوسطى (101)

وقال : { أو كظلمات في بحر لجي } قال بعض أهل الإشارة مثل تلك الظلمات من الجهالة ؛ الجهل بثبوت الأعراض    ثم الجهل بحدوثها ثم الجهل بافتقار الجواهر إليها ثم الجهل باستحالة حوادث لا أول لها .

العقيدة الوسطى (104)

وقال في تفسير قرمطي آخر : فإن الإيمان أصل المعارف العقلية والأدلة البرهانية لا يكون عن تقليد وإنما يكون عن نظر سديد { يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور} قال أهل الإشارة : يكاد العارف بأدلة عقلية يعرف أدب الحضرة مع الله .

العقيدة الوسطى (103)

وتحريف آخر قرمطي : قال :  من حقق حدوث العالم بأصوله وعرف كيف يستدل به على وجود مولانا جل وعز وعرف ما يجب في حقه تعالى وما يجوز وما يستحيل فهو من  الراسخين في العلم وممن يرفع في الجنان في درجات عالية ويشهد له قوله تعالى ما حكى عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام الاستدلال على حدوث العالم وكيف يتوصل إلى معرفته جل وعز { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء }

  • بل معرفة الأصول السبعة التي ترتبت على الأركان الأربعة في وجوب النظر يتخلص به الإنسان من أبواب النار السبعة !.

العقيدة الوسطى (103) وتحفة المريد (51-52)

  • وقال السنوسي : وهذا معنى قوله { باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } أي ظاهر القول بلا معرفة إلا مجرد التقليد من قبله أي من قبل ذلك  الظاهر الذي هو التقليد يجئ العذاب فأخذوا لا إله إلا الله   من الناس من خارج وأخذ العارفون لا إله إلا الله محمد رسول الله من   بواطن قلوبهم والله أعلم بسر غيبه .

العقيدة الوسطى (210)

  • أقول : مع إن الرازي نسف كل هذه المقدمات بقوله : افتقار العالم إلى محدث ضروري . أي لا يفتقر إلى نظر واستدلال !! .

أقول : وهذه مسألة باعترافهم جرت إلى تكفير عوام المسلمين كما مر  بل وتكفير القريب والبعيد .

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:  وَلَوْ لَمْ يكن فِي الْكَلَام الا مسئلتان هُمَا مِنْ مَبَادِئِهِ لَكَانَ حَقِيقًا بِالذَّمِّ إِحْدَاهُمَا:  قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ الشَّكُّ إِذْ هُوَ اللَّازِمُ عَنْ وُجُوبِ النَّظَرِ أَوِ الْقَصْدِ إِلَى النَّظَرِ .. ثَانِيَتُهُمَ: قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ بِالطُّرُقِ الَّتِي رَتَّبُوهَا وَالْأَبْحَاثِ الَّتِي حَرَّرُوهَا لَمْ يَصِحَّ إِيمَانُهُ حَتَّى لَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْفِيرُ أَبِيكَ وَأَسْلَافَكَ وَجِيرَانَكَ فَقَالَ لَا تُشَنِّعُ عَلَيَّ بِكَثْرَةِ أَهْلِ النَّارِ .

فتح الباري (13/350)

أقول : تأمل ما تقدم من هذه المسألة وتأمل جرأتهم في تقريرها والحكم على المخالف فيها , والحكم بكفر من قلد في التوحيد مع اعترافهم أنها مسألة ظنية , وعسرها وأن أكثر من نظر لم يحقق الواجب فيها .

هذا قدمناه ليعرف القارئ الكريم أن هذه المسألة , أصل من أصول الاعتقاد عندهم , ولتعرف من يدافع عنهم في باطل .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع . أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم  .

هذه مقدمة على عجالة وإلا فالمسألة عندهم أكبر من ذلك .

التعليق على مقال الدكتور حاتم الشريف

    قال الدكتور حاتم الشريف :  أراد أحدهم أن ينسب إلى الأشعرية تكفير عوام المسلمين ، فادّعى أن الأشعرية يكفرون عوام المسلمين لأنهم لم يقوموا بأول واجب على المكلفين عندهم : وهو النظر .

  وبتجاوز مراد الأشعرية بالنظر ، والذي أجزم أن هذا المتحدث لو عرف حقيقته لما خالفه (إن كان من أهل معرفة الحق)؛ لأن مقصود الأشعرية أن إيمان المقلد الذي يتابع الناس بغير يقينٍ من إيمانه ليس إيمانا كافيا للنجاة وليس إيمانا مقبولا وليس إيمانا أصلا ، فالمقلد المكفَّر عندهم هو الشاك ، وليس كل مقلِّد ، وإيمان مثل هذا هو إيمان المرتاب الذي جاء في حديث عذاب القبر أنه يجيب الملكين بقوله : «لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» .

التعليق : تأمل هذا التلفيق في الكلام , فتقريرهم أن التقليد ليس كافيا  وليس مقبولا وليس إيمانا أصلا هو الذي أدى إلى القول بكفره  وهو نوع من التكفير والتشكيك في إيمانه

وقد قرر علماء الأشاعرة ذلك كما قدمنا .

وقال السنوسي : والخلاف الذي أشار إليه هو أنه اختلف في إيمان المقلد على ثلاثة أقوال : – بعد أن ذكر القولين – قال  :

الثالث :    أنه كافر وكأن هذا يرى أن المعرفة فرض على الأعيان وأنها نفس الإيمان كما يقول الشيخ الأشعري أو لازمة له وأن الإيمان هو حديث   النفس التابع للمعرفة كما يقول القاضي .

ثم قال : وهذا القول الثالث هو مذهب جمهور المتكلمين عند بعضهم.. .

وقال إمام الحرمين في شامله : من مات بعد ما مضى من الزمان ما يسعه النظر ولم ينظر فهو كافر , وإن مات قبل مضي ما يسع ذلك مع عدم شغله ذلك الزمان بما يسعه وهو مختار في ذلك ففي كفره قولان للقاضي والأصح كفره .

العقيدة الوسطى (37-39) وتحفة المريد (30)وشرح العقيدة الكبرى (30) والإسعاد شرح الإرشاد (50)

ونص كلامه في الشامل : ولو انقضى  من أول حال التكليف زمن يسع النظر المؤدي إلى المعارف ولم ينظر مع ارتفاع الموانع واخترم بعد زمان الإمكان فهو ملحق بالكفرة , ولو مضى من أول الحال قدر من الزمان يسع بعض النظر ولكنه لم ينظر مقصرا ثم اخترم قبل مضي الزمان الذي يسع في مثله النظر الكامل فقد قال القاضي رضي الله عنه يمكن أن يقال إنه لا يلحق بالكفرة .. وقال : الأصح الحكم بكفره لموته غير عالم .

الشامل (22)

وتأمل قول السنوسي كما قدمنا  : والأصح كفره ! . وكذا ما نقله الجويني عن القاضي الباقلاني : الأصح الحكم بكفره لموته غير عالم ! .

وقال اللقاني في منظومته :

إذ كل  من قلد في التوحيد  إيمانه لم يخل من ترديد

ففيه بعض القوم يحكي الخلفا …

قال الشارح البيجوري : وحاصل الخلاف   فيه أقوال ستة :

الأول : عدم الاكتفاء بالتقليد بمعنى عدم صحة التقليد فيكون المقلد كافرا وعليه السنوسي في الكبرى .

تحفة المريد (42-44)

وقال البيجوري في تحقيق المقام (38) عند قول الماتن :     والمقلد كافر , قال :وأن المقلد كافر ,أما ابن عربي فعبارته مصرحة …

وانظر حاشية محمد بن محمد الأمين على شرح عبدالسلام المالكي على الجوهرة (79)

و قال أبو منصور البغدادي : قال أصحابنا: كل من اعتقد أركان الدين تقليدًا من غير معرفةٍ بأدلتها ننظر فيه: فإن اعتقد مع ذلك جواز ورود شبهة عليها وقال: لا آمن أن يَرِدَ عليها من الشبه ما يفسدها  فهذا غير مؤمنٍ بالله ولا مطيع، بل هو كافر..

أصول الدين (254-255)

ثانيا : وقول الدكتور حاتم الشريف : فالمقلد المكفَّر عندهم هو الشاك ، وليس كل مقلِّد .. انتهى . يرده ما قدمنا من تقريراتهم بكفر من لم ينظر من غير تعرض لمسألة الشك ! .

ثالثا : هذا الشك المزعوم جعله بعض الأشاعرة من الواجبات قبل النظر !! .

  • قال السنوسي  : وقالت المعتزلة وعزي أيضا للأستاذ ابن فورك إن أول واجب الشك ! .

العقيدة الوسطى (48-49)

وقال الآمدي : والحق أن ابتداء الشك غير مقدور للعبد بل هو واقع بغير اختياره إلا أن بدوامه مقدور إذ له أن يترك النظر فيدوم الشك أو أن ينظر فيزول الشك .

شرح المواقف (1/167) للجرجاني وشرح المقاصد (1/272-273) للتفتازاني

وقال الآمدي : الشك  لا يبعد أن يكون مأمورا به في الفروع الاجتهادية وأما الشك في الله تعالى فقال الباقلاني وأبو هاشم لا يمتنع أن يكون مأمورا به حيث وجب النظر ولا يتم إلا به .

الآمدي وآراؤه الكلامية (109)

وتأمل أن الآمدي عزاه للباقلاني الأشعري  وأبي هاشم من المعتزلة  ! .

ولذلك أنكر القرطبي عليهم ذلك فقال : وَلَوْ لَمْ يكن فِي الْكَلَام الا مسئلتان هُمَا مِنْ مَبَادِئِهِ لَكَانَ حَقِيقًا بِالذَّمِّ إِحْدَاهُمَا:  قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ الشَّكُّ إِذْ هُوَ اللَّازِمُ عَنْ وُجُوبِ النَّظَرِ أَوِ الْقَصْدِ إِلَى النَّظَرِ .. .

فتح الباري (13/350)

    قال الدكتور حاتم الشريف :  وبتجاوز كيفية حصول اليقين ، وهل يلزم لصحة الإيمان أن يكون باستدلال صحيح ، أم لا يلزم صحة الدليل لقبول الإيمان ، وإنما يكفي في الاستدلال أنه استدلالٌ أحدث يقينًا في قلب المؤمن ؟ فاليقين الإيماني كيفما تحقق ، فهو كاف للنجاة .

     بتجاوز ذلك كله مما يجهله أو يتجاهله بعض المتحزبين لغير الحق .

التعليق : هذا النظر أو الاستدلال المسمى بالصحيح ! هو نوع من السفسطة والتي ربما تخفى على أمثاله فضلا عن عوام المسلمين ! .

فدليل الحدوث أو وجوب النظر , رتب على قواعد غريبة , وبمصطلحات لا يفهمها إلا قلة من الناس .

فهذا النظر الذي أوجبوه قائم على أربعة أركان أو قواعد  :

الأول : إثبات زائد تتصف به الأجرام

الثاني : إثبات حدوث ذلك الزائد

الثالث : كون الأجرام  لا تنفك عند كل زائد

الرابع : إثبات استحالة حوادث لا أول لها

العقيدة الوسطى (88)

وتأمل هذه المقدمات والأركان التي أوجبوها على الناس والتي لا يفهمها أكثر الناس , وحكموا بكفر من لم يقررها !.

ولذلك عاب عليهم القرطبي ذلك كما نقله عنه ابن حجر .

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:  وَلَوْ لَمْ يكن فِي الْكَلَام الا مسئلتان هُمَا مِنْ مَبَادِئِهِ لَكَانَ حَقِيقًا بِالذَّمِّ .. ثَانِيَتُهُمَ: قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ إِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ بِالطُّرُقِ الَّتِي رَتَّبُوهَا وَالْأَبْحَاثِ الَّتِي حَرَّرُوهَا لَمْ يَصِحَّ إِيمَانُهُ حَتَّى لَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْفِيرُ أَبِيكَ وَأَسْلَافَكَ وَجِيرَانَكَ فَقَالَ لَا تُشَنِّعُ عَلَيَّ بِكَثْرَةِ أَهْلِ النَّارِ فتح الباري (13/350)

ثانيا : قول الدكتور حاتم الشريف : بتجاوز ذلك كله مما يجهله أو يتجاهله بعض المتحزبين لغير الحق .انتهى

التعليق : لا أدري من الذي يتحزب ويتعصب لغير الحق , وقد قدمنا أقوال الأشاعرة في هذه المسألة وتأكيدهم على وجوب النظر وحرمة التقليد وإيجاب بعضهم الشك , وتأكيدهم تكفير من لم ينظر .

    قال الدكتور حاتم الشريف :  نريد أن نعرف : هل كفر الأشعرية عموم المسلمين لأنهم لم يُحققوا إيمانهم بالنظر الذي أوجبوه ؟ كما يزعم بعض الجهلة أو المتجاهلين ؟

     أولا : هذا القول ، وهو تكفير عوام المسلمين لأنهم لم يُحققوا إيمانهم بالنظر منسوب  لبعض غلاة المتكلمين من المعتزلة ، كأبي هاشم الـجُبّائي . فلا قال به كل المعتزلة ، فضلا عن أين يقول به الأشعرية !

     ولذلك لما حكى إمام الحرمين الجويني (وهو إمام الأشعرية في زمنه) عن الجبائي أنه أوجب الشك قبل النظر وصف قوله هذا بأنه «خُروجٌ عن قول الأمة» .

     فانتبهوا أن الجويني هنا يحكي الإجماع على خلافه ، بل يحكي إجماع الأمة !.

التعليق : أولا : قدمنا قول الأشاعرة في تكفير من لم ينظر , وهو باعترافهم قول جمهورهم ومحققيهم لتعرف أن الجاهل من يهرف بما لا يعرف .

فالسنوسي قال كما تقدم  : والأصح كفره ! . وكذا ما نقله الجويني عن القاضي الباقلاني : الأصح الحكم بكفره لموته غير عالم .

وقال البيجوري في تحقيق المقام (38) عند قول الماتن :  والمقلد كافر , قال : وأن المقلد كافر ,أما ابن عربي فعبارته مصرحة بذلك .. .

ثانيا : هذا القول وإن كان هو في الأصل قول بعض المعتزلة , فهذه المسألة برمتها انتقلت إلى الأشاعرة من المعتزلة باعترافهم .

قال ابن حجر : وَقَدْ وَافَقَ أَبُو جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيُّ وَهُوَ من رُؤُوس الْأَشَاعِرَةِ عَلَى هَذَا وَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَقِيَتْ فِي مَقَالَةِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ مَسَائِلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَعْرِفَةُ اللَّهِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ .

فتح الباري (13/349)

ثالثا : ونسبة هذا القول وهو الشك لبعض المعتزلة لا يعني أن بعض الأشاعرة لم يقل به ! .

فقد نسب بعض الأشاعرة هذا القول إلى ابن فورك ! .

قال السنوسي  : وقالت المعتزلة وعزي أيضا للأستاذ ابن فورك إن أول واجب الشك ! .

العقيدة الوسطى (48-49)

وقال الآمدي : والحق أن ابتداء الشك غير مقدور للعبد بل هو واقع بغير اختياره إلا أن بدوامه مقدور إذ له أن يترك النظر فيدوم الشك أو أن ينظر فيزول الشك .

شرح المواقف (1/167) للجرجاني وشرح المقاصد (1/272-273) للتفتازاني

وتأمل أن الآمدي يسهل مسألة الشك فيقرر أنها واقعة بغير اختياره ! .

وقال في الإسعاد عن أبي هاشم : .. لأنه إنما أوجبه من حيث كان باعثا على النظر ومؤديا إليه ، إلا من حيث أنه كفر، فتغایرت الجهتان . وهو الذي لحظه الأستاذ أبو بكر بن فورك.

الإسعاد في شرح الإرشاد (64)

فأين هذا الإجماع  الذي ادعاه الدكتور حاتم الشريف .

بل نسبه الآمدي للباقلاني  فقال الآمدي  : الشك  لا يبعد أن يكون مأمورا به في الفروع الاجتهادية وأما الشك في الله تعالى فقال الباقلاني وأبو هاشم لا يمتنع أن يكون مأمورا به حيث وجب النظر ولا يتم إلا به .

الآمدي وآراؤه الكلامية (109) فتأمل

 قال الدكتور حاتم الشريف :   وقال الإمام الغزالي كذلك في كتابه (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) : «من أشد الناس غُلُوًّا وإسرافًا طائفةٌ من المتكلّمين: كَفّروا عوامَّ المسلمين ، وزعموا أن من لا يعرف الكلامَ معرفتَنا ، ولم يعرف الأدلةَ الشرعيةَ بأدلتنا التي حرّرناها : فهو كافر !

     فهؤلاء ضيّقوا رحمةَ الله الواسعة على عباده .. أَوّلا ، وجعلوا الجنةَ وقفًا على شرذمةٍ قليلةٍ من المتكلّمين ، ثم جهلوا ما تواتر من السنة .. ثانيًا ..» .

      فهذا ثاني إمام من أكابر الأشعرية يحكي بطلان هذا المذهب الذي نسبه ذلك المتحدث إلى الأشعرية !

التعليق : مسألة القول بتكفير من لم ينظر  والذي يلزم منها تكفير العوام وعموم الأمة  , تقدم من قال بها من الأشاعرة .

ويمكننا أن نقول وقع الخلاف بين الأشاعرة في هذه المسألة كما نص عليه اللقاني في جوهرة التوحيد :

إذ كل  من قلد في التوحيد  إيمانه لم يخل من ترديد

ففيه بعض القوم يحكي الخلفا … انتهى

وإن كانت نصوصهم تأكد مسألة تكفير المقلد .

قال الشارح البيجوري : وحاصل الخلاف   فيه أقوال ستة :

الأول : عدم الاكتفاء بالتقليد بمعنى عدم صحة التقليد فيكون المقلد كافرا وعليه السنوسي في الكبرى .

تحفة المريد (42-44)

وقال السنوسي  : فإن تكليف المرأة البلهاء الفاسدة المزاج في الأقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل كأقاصي بلاد السودان وأقاصي بلاد الترك مما لا يطاق فإن هذه الأقاليم لا يكون للعقل فيها كبير وفق ولذلك قال تعالى في بلاد الترك { وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } ومع ذلك فهم مكلفون بدقائق أصول الدين ودلائل التوحيد ومخلدون بالجهل في النار .

العقيدة الوسطى (48-49)

وقال السنوسي : ولا يرضى لعقائده حرفة التقليد فإنها في الآخرة غير مخلصة عند كثير من المحققين .

شرح العقيدة الكبرى (29)

بل عدوا القول بوجوب النظر من الإجماع وما عليه الأكثر وأنه لا يكتفى بمجرد التقليد !! .

قال السباعي في حاشيته على شرح الخريدة : واختلفوا في الاعتقاد الصحيح الذي حصل بمحض التقليد، فالذي عليه الجمهور والمحققون من أهل السنة كالأشعري ومن وافقه أنه لا يصح الاكتفاء به في العقائد الدينية، وهو الحق الذي لا شك فيه. وقد حكى غير واحد الإجماع عليه، وكأنه لم يعتد بخلاف الحشوية وبعض أهل الظاهر .

مجموع الحواشي السنية (1/178)

   قال الدكتور حاتم الشريف :   ولما ذكر الآمدي (الأشعري) هذا القول عن أبي هاشم الجبائي ، تعقبه بقوله : «وأصحابنا مجمعون على خلافه» .

     فالآمدي الأشعري يحكي إجماع أصحابه على خلاف هذا القول .

التعليق : ما أسهل إطلاق الإجماعات مع أنا قدمنا أن الباقلاني وابن فورك قالا بهذا القول  كما قدمنا .

بل سهل الآمدي القول بالشك , بأنه ليس في قدرة العبد واختياره .

قال الآمدي : والحق أن ابتداء الشك غير مقدور للعبد بل هو واقع بغير اختياره إلا أن بدوامه مقدور إذ له أن يترك النظر فيدوم الشك أو أن ينظر فيزول الشك .

شرح المواقف (1/167) للجرجاني وشرح المقاصد (1/272-273) للتفتازاني

بل سوغوا لأبي هاشم هذا القول

فجاء في الإسعاد : لأنه إنما أوجبه من حيث كان باعثا على النظر ومؤديا إليه ، إلا من حيث أنه كفر، فتغایرت الجهتان . وهو الذي لحظه الأستاذ أبو بكر بن فورك.

الإسعاد في شرح الإرشاد (64)

    قال الدكتور حاتم الشريف :    وقال أبو العباس القرطبي أيضًا عن غلاة المتكلِّمين (وهو الأشعري المتكلِّم ، كما سيأتي إثباته): «قولُ جماعةٍ منهم: إن من لم يعرف الله تعالى بالطُّرُقِ التي طرقوها، والأبحاث التي حرروها، فلا يصح إيمانه، وهو كافر.

    فيلزمهم على هذا تكفير أكثر المسلمين من السلف الماضين، وأئمة المسلمين ! وأن من يبدأ بتكفيره أباه وأسلافه وجيرانه!!

     وقد أُورد على بعضهم هذا ؟! فقال : لا يُشَنَّع عليَّ بكثرة أهل النار، أو كما قال!».

     المفهم شرح تلخيص صحيح مسلم لأبي العباس القرطبي (6/ 693) .

التعليق : وهذا كما سبق , فهذه المسألة لقبحها وخطورتها لم يقبل بها بعض علماء الأشاعرة كالقرطبي والسمناني وغيرهم ووافقهم على ذلك ابن حجر .

ولكن هل قال  الأشاعرة بكفر من لم ينظر  وهل قرروها في كتبهم وهل أقروا أنها قول جمهورهم , فهذا هو المبحث الذي ادعى بطلانه الدكتور حاتم الشريف .

    قال الدكتور حاتم الشريف :  أما كون أبي العباس القرطبي أشعريا فيثبته كتاب : (آراء القرطبي والمازري الاعتقادية من خلال شرحيهما لصحيح مسلم) ، للدكتور عبد الله بن محمد الرُّميّان ، وهي رسالة دكتوراه مقدمة في قسم العقيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة –الطبعة الأولى : 1427هـ . دار ابن الجوزي : الدمام – ، وخاتمة الرسالة (2/ 847- 848) .

      ومع أن الدكتور الرميان يرى أن أبا العباس القرطبي أشعري ، لكنه ذكر أنه خالفهم في بعض المسائل ، منها هذه المسألة (في ظنه) ! ولو قال : خالف قلّةً منهم، أو خالف ما فهمه هو من كلام بعضهم = لكان أدقّ .

      كيف والرأي الذي نسبه الدكتور الرميان إلى الأشعرية ينكره الأشعرية ، ويحكون الإجماع على خلافه ، كما سبق .

التعليق : أولا : مسألة البحث في أشعرية القرطبي , حيدة عن الموضوع , والحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه أصحاب القرون الأولى

ثانيا : القول أن القرطبي خالف الأشاعرة في بعض المسائل , لا إشكال فيه , وهذا يدل على إنصافه ومن ذلك هذه المسألة وهي وجوب النظر , بل وإقرار ابن حجر لما ذكره القرطبي في ذلك .

ثانيا : قول الدكتور حاتم الشريف : والرأي الذي نسبه الدكتور الرميان إلى الأشعرية ينكره الأشعرية ، ويحكون الإجماع على خلافه . انتهى

قدمنا أن كلامه غير دقيق وأن الإجماع المدعى غير صحيح بل وفي مقابله إجماع آخر على  عدم الاكتفاء بإيمان المقلد .

قال السباعي في حاشيته على شرح الخريدة : واختلفوا في الاعتقاد الصحيح الذي حصل بمحض التقليد، فالذي عليه الجمهور والمحققون من أهل السنة كالأشعري ومن وافقه أنه لا يصح الاكتفاء به في العقائد الدينية، وهو الحق الذي لا شك فيه. وقد حكى غير واحد الإجماع عليه، وكأنه لم يعتد بخلاف الحشوية وبعض أهل الظاهر .

مجموع الحواشي السنية (1/178)

فهذا إجماع في مقابل الإجماع المدعى من الدكتور حاتم الشريف ! .

    قال الدكتور حاتم الشريف :  فكيف يُنسب أبو العباس القرطبي إلى خلاف الأشعرية في هذه المسألة ، وهو موافق لإجماعهم وتقرير أكابر أئمتهم ، وهو واحدٌ منهم .

     فالذين يقصدهم أبو العباس القرطبي هم غلاة المتكلمين ، كبعض المعتزلة . كما سيأتي في تعبير تلميذه أبي عبد الله القرطبي .

     حيث نقل أبو عبد الله القرطبي (ت671هـ) هذا الكلام الذي حكاه أبو العباس القرطبي عن جماعة من المتكلمين (وهو الأشعريُّ المتكلِّم)، ثم قال معقِّبًا عليه: «قلت: وهذا القول لا يصدر إلا من جاهل بكتاب الله وسنة نبيه، لأنه ضَيَّقَ رحمةَ الله الواسعة على شِرْذِمَةٍ يسيرةٍ من المتكلِّمين، واقتحموا في تكفيرِ عامة المسلمين».

     الجامع لأحكام القرآن (7/332).

التعليق : أولا : قدمنا الأدلة من أقوال أئمة الأشاعرة في نسبة هذا القول إلى جمهورهم وأغلبهم .

ثانيا : ويكفي في الرد على هذا الكلام , ترتيب ما نقله ابن حجر في نقد الأشاعرة في هذه المسألة في فتح الباري وما نقله عن القرطبي في ذلك  :

  • فنقل عن أبي جعفر السمناني وهو من شيوخ الأشاعرة أن هذه المسألة من المسائل التي انتقلت من مذهب المعتزلة إلى الأشاعرة

قال ابن حجر : وَقَدْ وَافَقَ أَبُو جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيُّ وَهُوَ من رُؤُوس الْأَشَاعِرَةِ عَلَى هَذَا وَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَقِيَتْ فِي مَقَالَةِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ مَسَائِلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَعْرِفَةُ اللَّهِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى

فتح الباري (13/349)

  • ثم نقل قول الغزالي في المسألة

قال ابن حجر : وَقَالَ الْغَزَالِيُّ أَسْرَفَتْ طَائِفَةٌ فَكَفَّرُوا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ وَزَعَمُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْعَقَائِدَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي حَرَّرُوهَا فَهُوَ كَافِرٌ فَضَيَّقُوا رَحْمَةَ اللَّهِ الْوَاسِعَةَ وَجَعَلُوا الْجَنَّةَ مُخْتَصَّةً بِشِرْذِمَةٍ يَسِيرَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَذَكَرَ نَحْوَهُ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِهِ وَنَقَلَ عَنْ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ تُكَلِّفَ الْعَوَامَّ اعْتِقَادَ الْأُصُولِ بِدَلَائِلِهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ أَشَدَّ مِنَ الْمَشَقَّةِ فِي تَعَلُّمِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ .

فتح الباري (13/349)

  • ثم نقل قول القرطبي في هذه المسألة

قال ابن حجر : وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ الَّذِي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ هَذَا الشَّخْصُ الَّذِي يَبْغَضُهُ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُ بِخُصُومَتِهِ مُدَافَعَةَ الْحَقِّ وَرَدَّهُ بِالْأَوْجُهِ الْفَاسِدَةِ وَالشُّبَهِ الْمُوهِمَةِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْخُصُومَةُ فِي أُصُولِ الدِّينِ كَمَا يَقَعُ لِأَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُعْرِضِينَ عَنِ الطُّرُقِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَفُ أُمَّتِهِ إِلَى طُرُقٍ مُبْتَدَعَةٍ وَاصْطِلَاحَاتٍ مُخْتَرَعَةٍ وَقَوَانِينَ جَدَلِيَّةٍ وَأُمُورٍ صِنَاعِيَّةٍ مَدَارُ أَكْثَرِهَا عَلَى آرَاءٍ سُوفِسْطَائِيَّةٍ أَوْ مُنَاقَضَاتٍ لَفْظِيَّةٍ يَنْشَأُ بِسَبَبِهَا عَلَى الْآخِذِ فِيهَا شُبَهٌ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْهَا وَشُكُوكٌ يَذْهَبُ الْإِيمَانُ مَعَهَا … .انتهى

أقول : وحديث القرطبي عن المتكلمين ومنهم الأشاعرة

والدليل على ذلك ما قاله القرطبي بعد ذلك في ذمه لعلم الكلام ورجوع الجويني عن ذلك ثم مثل على ذلك بمسألة النظر

قال القرطبي : وَيَكْفِي فِي الرَّدْعِ عَنِ الْخَوْضِ فِي طُرُقِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا ثَبَتَ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَخُوضُوا فِي الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ مَبَاحِثِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ طَرِيقِهِمْ فَكَفَاهُ ضَلَالًا قَالَ وَأَفْضَى الْكَلَامُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الشَّكِّ وَبِبَعْضِهِمْ إِلَى الْإِلْحَادِ وَبِبَعْضِهِمْ إِلَى التَّهَاوُنِ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَسَبَبُ ذَلِكَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ نُصُوصِ الشَّارِعِ وَتَطَلُّبُهُمْ حَقَائِقَ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْعَقْلِ مَا يُدْرِكُ مَا فِي نُصُوصِ الشَّارِعِ مِنَ الْحِكَمِ الَّتِي اسْتَأْثَرَ بِهَا وَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ حَتَّى جَاءَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قَالَ رَكِبْتُ الْبَحْرَ الْأَعْظَمَ وَغُصْتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ نَهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فِرَارًا مِنَ التَّقْلِيدِ وَالْآنَ فَقَدْ رَجَعْتُ وَاعْتَقَدْتُ مَذْهَبَ السَّلَفِ هَذَا كَلَامُهُ أَوْ مَعْنَاهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ يَا أَصْحَابَنَا لَا تَشْتَغِلُوا بِالْكَلَامِ فَلَوْ عَرَفْتُ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِي مَا بَلَغْتُ مَا تَشَاغَلْتُ بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَوْ لَمْ يكن فِي الْكَلَام الا مسئلتان هُمَا مِنْ مَبَادِئِهِ لَكَانَ حَقِيقًا بِالذَّمِّ إِحْدَاهُمَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ الشَّكُّ إِذْ هُوَ اللَّازِمُ عَنْ وُجُوبِ النَّظَرِ أَوِ الْقَصْدِ إِلَى النَّظَرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ رَكِبْتُ الْبَحْرَ …

المفهم (6/ 692) للقرطبي و فتح الباري (13/350) لابن حجر

فليست المسألة خاصة بالمعتزلة كما يدعي الدكتور! .

     قال الدكتور حاتم الشريف :   أما كون أبي عبد الله القرطبي صاحب الجامع لأحكام القرآن أشعريا : فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أبي عبد الله القرطبي ، بعد أن ذكر عنه تعظيمَه للجويني : «وهو من أكابر علماء الأشعرية» ، التسعينية  : لابن تيمية –تحقيق : الدكتور محمد بن إبراهيم العجلان . طبعة المعارف : الرياض- (3/ 902) ، والفتاوى الكبرى لابن تيمية –قدم لها : حسنين محمد مخلوف . تصوير دار المعرفة : بيروت –(5/ 292) .

     وأشعرية القرطبي صاحب أحكام القرآن هو الأمر الذي أثبته المغراوي في كتابه (المفسرون بين التأويل والإثبات) في أكثر من مائتي صفحة –الطبعة الأولى 1420هـ . مؤسسة الرسالة : بيروت –(4/ 1574- 1796) .

      وقد قال أبو عبد الله القرطبي نفسه عن أبي الحسن الأشعري ومن سار على طريقته : «فانتدب رجال من أهل السنة : كالشيخ أبي الحسن الأشعري وعبد الله بن كُلّاب وابن مجاهد والمحاسبي وأضرابهم، فخاضوا مع المبتدعة في اصطلاحاتهم، ثم قاتلوهم وقتلوهم بسلاحهم. وكان من دَرَجَ من المسلمين من هذه الأمة متمسكين بالكتاب والسنة، معرضين عن شبه الملحدين، لم ينظروا في الجوهر والعرض، على ذلك كان السلف. قلت : ومن نظر الآن في اصطلاح المتكلمين حتى يناضل بذلك عن الدين : فمنزلته قريبة من النبيين . فأما من يُهجِّنُ من غلاة المتكلمين طريقَ من أخذ بالأثر من المؤمنين، ويحض على درس كتب الكلام، وأنه لا يُعرف الحقُّ إلا من جهتها بتلك الاصطلاحات = فصاروا مذمومين لنقضهم طريق المتقدمين من الأئمة الماضين» . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 214).

     فالذين يقصدهم أبو عبد الله القرطبي هم غلاة المتكلمين ، كبعض المعتزلة .

التعليق : قدمنا أن البحث في أشعرية القرطبي حيدة عن الموضوع , وليس هي مسألة البحث وأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها .

ثانيا : الأشاعرة يعتبرون من جملة المتكلمين , وقول الدكتور حاتم الشريف أن مراد القرطبي بقوله في مسألة وجوب النظر هم  غلاة المتكلمين يعني المعتزلة فقط يرده ما مثله القرطبي بإمام الحرمين الذي ندم على خوضه بعلم الكلام .

وثالثا : يرده سياق كلام ابن حجر في نقده  للأشاعرة في هذه  المسألة وما نقله عن أبي جعفر السمناني .

     قال الدكتور حاتم الشريف :  وقال تقي الدين السبكي (ت756هـ) : «وتارة يكون الجزم من غير ضرورة ، ولا دليل خاص ، كإيمان العوام ، أو كثير منهم : فهو إيمان صحيح عند جميع العلماء ، خلافا لأبي هاشم . ويسمى علما في عرف كثير من الناس ، وإن كان بعض المتكلمين لا يسميه علما». فتاوى السبكي (2/ 366) ، نقله ابن حجر المكي وأقره وأثنى عليه في فتاواه الحديثية (362) .

     وهذا نقلٌ آخر للإجماع على صحة إيمان العوام رغم عدم قيام إيمانهم على دليل خاص ولا ضرورة ، وحصر دعوى كفرهم في أبي هاشم الجبائي .

التعليق : كيف يدعي الإجماع , والقول بتكفير المقلد قول جماعة من أئمة الأشاعرة كما قدمنا , وما نقله عن السبكي دليل على أن المسألة خلافية عندهم , وإن كان السنوسي ينقل أنها قول جمهور المتكلمين .

قال السنوسي : والخلاف الذي أشار إليه هو أنه اختلف في إيمان المقلد على ثلاثة أقوال : – بعد أن ذكر القولين – قال  :

الثالث :    أنه كافر وكأن هذا يرى أن المعرفة فرض على الأعيان وأنها نفس الإيمان كما يقول الشيخ الأشعري أو لازمة له وأن الإيمان هو حديث   النفس التابع للمعرفة كما يقول القاضي .

ثم قال : وهذا القول الثالث هو مذهب جمهور المتكلمين عند بعضهم .

العقيدة الوسطى (37-39)

    قال الدكتور حاتم الشريف :  ونخلص من ذلك : أن دعوى تكفير الأشعرية لعوام المسلمين فرية عليهم ، نشأت : إما عن جهل بحقيقة قولهم الظاهر الواضح الذي لا يُعذر باحث بجهله ، وإما عن بغي وظلم وقصد للافتراء عليهم .

    ومن أراد أن يرد على الأشعرية فلا يصح له أن لا يعرف مقالاتهم ، هذا أمر من بدهيات الرأي والعقل ، فضلا عن بدهيات البحث العلمي .

    أخيرا : إنما أراد هذا الزاعم المردود عليه أن يوهم بأن التكفير عند الأشعرية ربما كان سبب نشوء الجماعات التكفيرية المتطرفة الموجودة اليوم !! والحقيقة أني لا أعلم أن داعشا أو القاعدة أو نحوهما من الجماعات التكفيرية المعاصرة قد كفرت أحدا بعدم النظر الذي أوجبه المتكلمون (غلاتهم ومعتدلوهم) !! فليت هذا الزاعم يربأ بنفسه عن مثل هذه المكابرة المفضوحة !!

التعليق : والحمد لله قد قدمنا ما  يثبت خلاف ما زعمه , وأن الأشاعرة أوجبوا النظر وكفروا المقلد في ذلك , ولم يستثن بعضهم أحدا من ذلك.

ثانيا : وليست هذه المسألة الوحيدة عند الأشاعرة في تكفير العوام وعموم الأمة بل هناك مسائل عدة ومنها :

  • اختلافهم في تكفير عوام المسلمين في مسائل متعددة من الاعتقاد

قال السنوسي : أما العامة فأكثرهم ممن لا يعتني بحضور مجالس العلماء ومخالطة أهل الخير يتحقق منهم اعتقاد التجسيم والجهة وتأثير الطبيعة وكون فعل الله لغرض وكون كلامه جل وعلا حرفا وصوتا ومرة يتكلم ومرة يسكت كسائر البشر ونحو ذلك من اعتقادات أهل الباطل وبعض اعتقاداتهم أجمع العلماء على كفر معتقديها وبعضهم اختلفوا فيه .

شرح العقيدة الكبرى (62)

  •  شرط صحة الإيمان عند الأشعري

جاء في القلائد في شرح العقائد : وقال : أبو الحسن الأشعري شرط صحة الإيمان أن يعرف كل مسألة بدلالة عقله..  .

القلائد في شرح العقائد (360) للقونوي

وهذا الشرط غير متحقق في عموم الأمة

  • تكفير من تمسك بظواهر الكتاب والسنة

وقال السنوسي في المقدمات : وأصول   الكفر والبدعة سبعة :

  • منها – : والتمسك في عقائد الإيمان بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية .

شرح الصاوي على جوهرة التوحيد (250)

ومعلوم أن أكثر الأمة ومنهم العوام يتمسكون بظواهر الكتاب والسنة .

  • تكفيرهم من لم يعرف القواعد العقلية

وقال السنوسي في المقدمات : وأصول   الكفر والبدعة سبعة :-منها – والجهل بالقواعد العقلية التي هي العلم بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات .

شرح الصاوي على جوهرة التوحيد (250-251)

ومعلوم أن أكثر العوام فضلا عن غيرهم لا يعرفون هذه القواعد.

والأمثلة كثيرة ويكفي قول الشيرازي في تكفير من لم يكن على مذهب الأشاعرة .

قال أبو إسحق الشيرازي : فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر. ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما) !.

 شرح اللمع( ١/ ١١١)

ثانيا : الدعشنة والغلو في التكفير جرب على أسلافكم في القديم واشتهر عن بعضكم في العصرالحديث

  • ففي القديم اقرأ ما فعله ابن تومرت الأشعري في مخالفيه من تكفير و قتل وحرق !! .

فقد سفك ابن تومرت الدماء الكثيرة في تثبيت أركان دولته ونشر مذهب الأشاعرة والقضاء على دولة المرابطين , وكان أتباعه إذا وقفوا على من ينتحل مذهب المرابطين لا يكتفون بقتله بل يحرقونه حرقا كما هو مسطر في كتب التاريخ ! .

وقال اليَسَع بن حزْم في بيان تكفير ابن تومرت لمخالفيه : سَمَّى ابن تُومَرْت أتباع المرابطين مجسّمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلّا بتنزيه الله تعالى عمّا لَا يجب له، وصفته بما يجب له، وترك الخوض فيما تقصر العقول عن فهمه، وكان علماء المغرب يعلّمون العامَّة أنّ اللّازم لهم أنَّ اللَّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير، إلى أن قال: فكفّرهم ابن تُومَرْت بوجهين، بجهل العرض والجوهر، وأنّ من لَا يعرف ذلك لَا يعرف المخلوق، ولم يعرف الخالق، الوجه الثّاني: إنّ من لم يهاجر إليه ولم يقاتل المرابطين معه فهو كافر، حلال الدّم والحريم .

تاريخ الإسلام (11/408)

  • وفي العصر الحديث انظر ما فعلته فرقة الأحباش الأشعرية من فتن في بلاد المسلمين وفي غيرها بل وفي سفك للدماء حتى اتهم بعض أفرادها بقتل الحريري

” ففي تقرير الجزيرة في عملية اغتيال الحريري إلى أن أحمد عبدالعال عضو جماعة الأحباش الإسلامية في لبنان التي لها روابط مع سوريا، بوصفه شخصية مهمة في مؤامرة الاغتيال، إذ إنه استخدم هاتفه المحمول مع “كل الشخصيات المهمة في هذا التحقيق”.

 راجع إرشيف الجزيرة بعنوان: تقرير لجنة التحقيق باغتيال الحريري.

ولا يخفى ما تكلم به شيخ الجهمية – الكوثري – والذي لم يسلم من لمزه وتكفيره أحد , لا الصحابة ولا علماء السلف وعلى رأسهم شيخ الإسلام وابن القيم .

هذا غيض من فيض , والأمثلة كثيرة في التاريخ القديم والحديث , وما ذكرناه  يكفي اللبيب , والحمد لله رب العالمين .

وكتبه / الدكتور عبدالباسط الغريب ضحى يوم الأحد 7 شعبان 1442

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
8,860المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة