الرّد على سعيد فودة في 6 مسائل في العقيدة – الشيخ عبد الباسط الغريب

الرد على سعيد فودة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم :

المسألة الأولى : لفظة الاستقرار

قال المعارض سعيد فودة :أنا قلت لكم وأشرت لكم أن ابن تيمية قد أثبت الاستقرار والعلو على العرش وأثبتوا لاحظوا ما الذي أثبته ابن تيمية هذا ليس افتراء ليس كذبا على ابن تيمية …

أقول مستعينا بالله :

أولا :  مسألة العلو والاستواء من المسائل التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة وقد ورد في ذلك أدلة كثيرة في الكتاب والسنة على إثباتها ومن ذلك قوله تعالى : الرحمن على العرش استوى .

والاستواء فسره العلماء بأنه العلو والارتفاع كما جاء في صحيح البخاري قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]: «ارْتَفَعَ» ووَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اسْتَوَى} [البقرة: 29]: «عَلاَ» {عَلَى العَرْشِ} في كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء , وهذه الآثار وإن كانت معلقة فقد وصلها ابن حجر في تغليق التعليق (5/344-345)

وصفة العلو لا محذور في إثباتها فهي من الصفات الذاتية التي اتصف الله بها منذ الأزل وقد تنوعت الأدلة في إثباتها في الكتاب والسنة حتى تجاوزت قرابة الألف دليل كما ذكر شيخ الإسلام.

ثانيا : تفسير الاستواء بالاستقرار

  • تفسير الاستواء بالاستقرار ورد عن ابن عباس رضي الله عنه ؛ فقد قال في قوله تعالى : {ثم استوى على العرش} قال : استقر على العرش , ويقال امتلأ به .
    الأسماء والصفات” للبيهقي (521( ولكن سنده ضعيف

ووردت كذلك هذه الكلمة على لسان بعض علماء أهل السنة كابن المبارك وابن عبدالبر .

فقد نقل ابن القيم رحمه الله عن ابن عبد البر حافظ المغرب: ” والاستواء في اللغة معلوم مفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء , والاستقرار .. .

“تهذيب السنن” (13/28) المطبوع على حاشية عون المعبود

  • وردت هذه الكلمة في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض ذكره للخلاف بين العلماء في تفسير الاستواء؛  قال رحمه الله : وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} الِاسْتِوَاءُ مِنْ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ الْمَجِيدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} وَبِقَوْلِهِ: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} وَبِقَوْلِهِ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} . إلَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِي هَذَا عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ الِاسْتِوَاءَ مَعْقُولٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُمْ كَثِيرٌ: إنَّ مَعْنَى اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ: اسْتَقَرَّ وَهُوَ قَوْلُ القتيبي ..– ثم قال في آخر الكلام – : وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَمَقْصُودُهُمْ وَاحِدٌ وَهُوَ إثْبَاتُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ.

 “مجموع الفتاوى “(5/519(
وهناك فرق بين تقرير الشئ وبين سياق أقوال العلماء في مسألة ما , وهذه الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة قاعدته فيها الاستفصال وليس التسليم مباشرة ؛ فإن كان المعنى المذكور حقا قبل وإن كان معنى باطلا رده مع التوقف في اللفظ .

  •   بين شيخ الإسلام مراد العلماء في تفسيرهم للاستواء بهذه المعاني والتي تدل على العلو ولذلك قال : وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فَمَقْصُودُهُمْ وَاحِدٌ وَهُوَ إثْبَاتُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ.

وهذا المعنى لا غبار عليه فهو معنى صحيح إذا فسر بالعلو ؛ فكلفظ إذا أريد منه العلو فهو صحيح وهو الذي فهمه شيخ الإسلام وذكر أن هذا مراد العالم منه .

ثالثا : قد رد شيخ الإسلام المعنى الباطل الذي قد يفهمه البعض من هذه الكلمة بل ومن كلمة الاستواء : أنه لو كان مستقرا ومستويا على العرش للزم حاجته إليه أو يلزم أن يكون العرش حاويا له أو أن الله حالا فيه .

قال شيخ الاسلام : مثال ذلك أن النصوص كلها دلّت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات، واستوائه على العرش؛ فأما علوه ومباينته للمخلوقات فيُعلم بالعقل الموافق للسمع، وأما الاستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع.. فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ • لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} فيتخيل أنه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فلو انخرقت السفينة لسقط المستوي عليها، ولو عثرت الدّابة لخر المستوي عليها. فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب تبارك وتعالى، ثم يريد – بزعمه – أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار , ولا يعلم أن مسمى «القعود» و «الاستقرار» ، يقال فيه ما يقال في مسمى «الاستواء» !، فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك فلا فرق بين الاستواء والقعود والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستويا ولا مستقرا ولا قاعدا، وإن لم يدخل في مسمى ذلك، إلا ما يدخل في مسمى «الاستواء» فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكُّم.

التدمرية (81-82)

رابعا : أن يقال له إن الأشاعرة أثبتوا لله معنى فاسدا في تفسيرهم للاستواء بالاستيلاء واستدلوا بقول الأخطل النصرانى

قد استوى عمرو على العراق …كما في شرح المواقف للجرجاني (3/144)

وقد نقلها الأشعري في مقالات المعتزلة , قال في مقالات الإسلاميين (211) : وقالت المعتزلة إن الله استوى على عرشه بمعنى استولى.

ولا شك أن هذا يلزم أنه كان لغيره ثم استولى عليه ولذلك رد العلماء ذلك.

قال ابن حجر في الفتح (13/406) : وَقَدْ نَقَلَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِ الْفَارُوقِ بِسَنَدِهِ إِلَى دَاوُدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ اللُّغَوِيَّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فَقَالَ هُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ اسْتَوْلَى فَقَالَ اسْكُتْ لَا يُقَالُ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُضَادٌّ, وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْأَزْدِيِّ سَمِعْتُ بن الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ أَرَادَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ أَنْ أَجِدَ لَهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الرَّحْمَنُ على الْعَرْش اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى فَقُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَصَبْتُ هَذَا . فتأمل

المسألة الثانية : المماسة للعرش

قال المعارض : وقد صرح ابن تيمية أن الله سبحانه مستو على عرشه بمماسة وعارض من قال من الكرامية بأن الله استوى بمقابلة لا بمماسة قال : وهذا ليس قولا معروفا عند أهل السنة وليس منطبقا على قواعد اللغة ولا مفهوم من القواعد اللغوية بل نص بالنص الصريح من كلامه أنا لا ألزمه بقوله أنا لا ألتفت إليه هنا …

الجواب مستعينا بالله :

أولا : هناك فرق بين تقرير الاعتقاد وبين ذكر مذاهب العلماء في مسألة معينة وكثيرا ما يختلط الأمر على الناقل , ومن ذلك هذه المسألة فالمعارض سعيد فودة كثيرا ما ينسب لشيخ الإسلام أقوالا هو ساقها ليس في معرض التقرير ولكن في بيان مذاهب العلماء في مسألة أو خلافهم فيها , ومنها هذه المسألة .

وقد نقل المعترض كلام شيخ الإسلام وشغب عليه في هذه المسألة

 انظر الكاشف (427)

وهنا نسوق كلام شيخ الإسلام الذي استدل به المعترض :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإن قيل ما ذكره الإمام أحمد ,  وقدرتموه من امتناع كونه في العالم غير مباين ولا مماس معارض بما يذكره المؤلف عن أهل الإثبات من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم القائلون بأنه فوق العرش  ؛ فإنهم يقولون هو فوق العرش غير مباين , ولا مماس فما الفرق بين الموضعين؟ – فذكر بعد حواب طويل –

 .. ولكن نذكر جواباً عاماً فنقول  : كونه فوق العرش ثبت بالشرع المتواتر  , وإجماع سلف الأمة مع دلالة العقل ضرورة ونظراً أنه خارج العالم ؛ فلا يخلو مع ذلك إما أن يلزم أن يكون مماساً أو مبايناً أو لا يلزم ؛  فإن لزم أحدها كان ذلك لازماً للحق ، ولازم الحق حق، وليس في مماسته للعرش ونحوه محذور كما في مماسته لكل مخلوق من النجاسات والشياطين وغير ذلك ؛ فإن تنزيهه عن ذلك إنما أثبتناه لوجوب بعد هذه الأشياء عنه  , وكونها ملعونة مطرودة لم  نثبته لاستحالة المماسة عليه، وتلك الأدلة منتفية في مماسته للعرش ونحوه كما روي في مس آدم وغيره  , وهذا جواب جمهور أهل الحديث وكثير من أهل الكلام.

 وإن لم يلزم من كونه فوق العرش أن يكون مماساً أو مبايناً ؛ فقد اندفع السؤال .

   “بيان تلبيس الجهمية” (2|556)

قلت: يتبين  لك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يلي:

1-يبحث اختلاف العلماء في مسألة علو الله على عرشه بمماسة أوغير مماسة.

2-بين  أن  من قال منهم أن علو الله على عرشه لا يخلو إما أن يكون بمماسة أو غير مماسة أو لا يلزم.

فإن كان الأول  أنه سبحانه على عرشه بمماسة ؛ فلا محذور في ذلك لأن العرش أكبر مخلقات الله وأعظمها ولا محذور في مماسته له .

فالعرش ليس شيئا مستهجنا كالمخلوقات المستهجنة المطرودة كالشياطين والنجاسات ؛ فالعرش شيء عظيم بل هو أعظم المخلوقات .

فشيخ الإسلام هنا ليس مقررا للاعتقاد ولكن ينقل الخلاف مع بيان وجه استدلال من استدل بها .

وقد شيخ الإسلا ونص على منع ما يتوهمه البعض من أنه لو كان فوق العرش لزم المحايثة وأن يكون العرش يحويه .

قال رحمه الله : فإن الأدلة على أنه مباين للعالم فوق العرش نصوصٌ كثيرة قطعية يعلم بالضرورة مضمونها ويعلم ذلك أيضاً بأدلة كثيرة ويعلم بالسنة المتواترة ويعلم بإجماع سلف الأمة وأئمتها ثم إنه موافق للفطرة الضرورية والبراهين العقلية وأما ما يظن أنه يدل على أنه في العالم فيقال أولاً لا نسلِّم أن شيئاً من الآيات ظاهر ة في ذلك ولو سلم ظهوره فمعه قرائن لفظية تبين المراد به فلا يكون ذلك مراداً ومع القرائن اللفظية لايبقى ظاهراً في المحايثة ثم إنه قد ثبت تفسيره باتفاق سلف الأمة بما ينفي المحايثة ويُعلم بالحس والعقل ضرورة ونظراً انتفاءُ ما يتوهم فيه من المحايثة .

بيان تلبيس الجهمية (5/307-308)

ثانيا : لفظ المماسة من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقا وباطلا والمعنى الباطل هو أن يظن أن الله يحل في مخلوقاته أو أنه سبحانه في داخل شئ من مخلوقاته وهذا المعنى الباطل رده شيخ الإسلام في كثير من كتبه وبين أن الله بائن عن خلقه منفصل عنه :

  قال قي التدمرية : وقد عُلم أن ما ثمّ موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق، فالله ليس داخلا في المخلوقات؛ أم تريد بالجهة ما وراء العالم، فلا ريب أن الله فوق العالَم، بائن من المخلوقات.انتهى

التدمرية (66)

وقال في الجواب الصحيح : وَقَوْلُ الرُّسُلِ: (فِي السَّمَاءِ) أَيْ فِي الْعُلُوِّ، لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ فِي جَوْفِ الْأَفْلَاكِ، بَلْ السَّمَاءُ الْعُلُوُّ، وَهُوَ إِذَا كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ، فَهُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى وَلَيْسَ هُنَاكَ مَخْلُوقٌ حَتَّى يَكُونَ الرَّبُّ مَحْصُورًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا هُوَ فِي جِهَةٍ مَوْجُودَةٍ، بَلْ لَيْسَ مَوْجُودًا إِلَّا الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ، وَالْخَالِقُ بَائِنٌ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ، عَالٍ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ هُوَ فِي مَخْلُوقٍ أَصْلًا، سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ جِهَةً، أَوْ لَمْ يُسَمَّ جِهَةً.

الجواب الصحيح (4/317)

وقال في الصفدية (1/266-267) : كما ذكره القشيري في رسالته فبين الجنيد أن التوحيد لا يكون إلا بأن يميز بين القديم والمحدث كما قالوا لعبد الله بن المبارك بماذا نعرف ربنا قال بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه وهكذا قال سائر الأئمة كأحمد بن حنبل وإسحق ابن راهويه وعثمان بن سعيد والبخاري وغيرهم حتى قال محمد بن إسحق ابن خزيمة الملقب بإمام الأئمة من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كما ذكر ذلك عنه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وصاحبه الملقب بشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني وغيرهما.

وقال :  وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ.

الفتاوى الكبرى (4/450)

وقال شيخ الإسلام : وقال الإمام العارف «معمر بن أحمد الأصبهاني» مفتي الصوفية العارفين، في أواخر المائة الرابعة في بلاده، قال: «أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة، وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف، من المتقدمين والمتأخرين» قال فيها: «وأن الله على استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول والكيف فيه مجهول، وأنه عز وجل بائن من خلقه، والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة، ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه المنفرد البائن من خلقه، الواحد الغني عن الخلق.

بيان تلبيس الجهمية (1/213)

ونقل هذا النص كثيرا ولم يتعقبه بشئ ؛ ولاحظ قوله : وأنه عز وجل بائن من خلقه، والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة، ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه المنفرد البائن من خلقه .

ثالثا :قوله : وعارض من قال من الكرامية بأن الله استوى بمقابلة لا بمماسة قال : وهذا ليس قولا معروفا عند أهل السنة وليس منطبقا على قواعد اللغة ولا مفهوم من القواعد اللغوية ..

قلت : بهذه الصيغة التي زعم أنه ينقلها نصا غير موجودة , فقد ذكر شيخ الإسلام عن الكرامية أنهم يفترضون فجوة بين الله وبين عرشه , ورد رحمه الله هذا القول ؛ وبين أن فرض حيز أو جهة وجودية فوق العرش مخالف لكثير من النظار والعلماء ومنهم الأشاعرة ؛ فمن قال منهم أن فوق العرش جهة ؛ قال جهة عدمية , والعدم لا شئ .

رابعا : الأشاعرة قالوا : إن الله يدرك الأجسام باللمس بل أثبتوا لله الإدراكات الخمس

قال شيخ الإسلام : هل هو موصوف بإدراك الشم واللمس والذوق أثبت القاضي والإمام هذه الإدراكات الثلاثة لله تعالى وزعموا أن لله عز وجل خمس إدراكات وزعمت المعتزلة البصرية أن كون الله تعالى حيّا يقتضي إدراك هذه الأمور بشرط حضورها .. والأول مذهب القاضي والإمام والدليل على ذلك ما ذكرناه في باب السمع والبصر فإذا كان هو وأئمة مشايخه يقولون إن الله تعالى يدرك الأجسام باللمس لم يصح أن ينفي مماسته للأجسام وهذا هو المفهوم من اللقاء على سبيل المجاورة .

بيان تلبيس الجهمية (8/41-42)

وقد نقل المعترض سعيد فودة هذا الخلاف  عند الأشاعرة  في أنه هل للمولى  تعالى صفة زائدة على السبع المعاني  تسمى الإدراك يدرك بها الملموسات  والمذوقات  والمشمومات  لأنها كمال , وكل كمال يجب أن يثبت له.. ! .  تهذيب السنوسية (44)

المسألة الثالثة : الثقل

قال المعترض سعيد فودة : وأيضا قد تكلم ابن تيمية في مسألة قد تستغربون أنه فعلا تكلم فيها أولا بل تكلم ابن تيمية في الثقل في الثقل في الثقل  في النص قال : واختلف الناس في الثقل هل لله ثقل أم لا على زعمه على قوله قال ولعلماء أهل السنة في ذلك كلام وكل هذا منصوص عليه مذكور بنصه في كتاب الكاشف الصغير وأنا أتحدى أي واحد أن يأتي بكذب كلمة من هذه الكلمات التي نقلتها عن ابن تيمية أي كلمة تم نقلها في هذا الكتاب نحن لا نتعامل باللوازم فضلا عن ذلك أقول لو سلمنا أن هذا الامر لازم يلزم ابن تيمية ولم ينص عليه ابن تيمية فهذا لازم قريب وفرق بين العلماء بين اللازم القريب واللازم البعيد وأهل العلم المحققون اتفقوا على أن اللازم القريب يلزم صاحب القول خلاف اللازم البعيد

أقول مستعينا بالله : هذا نص مسألة الثقل التي تكلم عنها المعترض في كاشفه (399-400) :فقد قال في التأسيس (1/574) نقلا عن القاضي أبي يعلى رأيه في حديث ذكره من طريق السنة عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو المغيرة حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد بن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش . وما رواه المجسم عثمان بن سعيد أن ابن مسعود قال  إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار .. حتى قال .. فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار فينظر فيها ثلاث ساعات فيطلع فيها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة .

وما رواه هذا المجسم أيضا عن كعب الأحبار في نفس المعنى وفيه : ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرّحل العُلا في أول ما يرتحل من ثُقل الجبار فوقهن . وقال ابن تيمية تعليقا على هذا الكلام القبيح في (1/573) : وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه .انتهى كلام شيخ الإسلام

قال : هذا هو غاية تعليق ابن تيمية على هذا الكلام الشنيع فهو يرتضيه ويقول أنه ليس معنى باطل بل هو لائق بربه . انتهى كلامه .

وهذا التعليق على هذه المسألة :

أولا : قدمنا سابقا أن هناك فرقا بين تقرير الاعتقاد وبين نقل أقوال العلماء في مسألة ما .

وهذه المسألة من السائل الخلافية بين الفرق الإسلامية ونقل الخلاف فيها الإمام الأشعري:

قال الإمام الأشعري : واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل: فقال قائلون: الحملة تحمل البارئ وأنه إذا غضب ثقل كواهلهم وإذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل، وقال بعضهم: ليس يثقل البارئ ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل وتحمله الحملة.

مقالات الإسلاميين (211)

وعدم تعقب الأشعري لهذا الأقوال لا يعني أنه يقررها كاعتقاد , وكذلك يقال في نقل شيخ الإسلام .

ثانيا : الأصل في هذه المسألة أن تبحث بأدلتها والنصوص والآثار التي وردت فيها مع إرجاع ذلك إلى الأصل العظيم الذي يعتمد عليه أهل السنة في إثبات الصفات وهو إثباتها على وجه الكمال الذي لا يلزم منه التمثيل .

ثالثا : هذا بيان للأحاديث والآثار في هذه المسألة :

1- عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يارسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا ؛ فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ويحك أتدري ما تقول ؟ ” وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ” ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله ؟ إن عرشه على سمواته لهكذا ” وقال بإصابعه مثل القبة عليه ” وإنه ليئط به اطيط الرحل بالراكب ” . قال ابن بشار في حديثه ” إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته ” . قال أبو داود : والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضا وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني .

أخرجه أبو داود في سننه (4726) وابن خزيمة في التوحيد (1|239) وابن أبي عاصم في السنة (1|252) والطبراني في الكبير (2|128) والآجري في الشريعة (295) والصفات للدارقطني (31) والذهبي في العلو (43) من طريق وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده .

وعلة هذا الحديث ابن إسحق ؛ فإنه مدلس ولم يصرح بالتحديث .

قال الذهبي بعد أن ساقه في العلو :هذا حديث غريب جدا فرد , وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند , وله مناكير وعجائب .

وقال المنذري :قال أبو بكر البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروي عن النبي من جهة من الوجوه إلا من هذا الوجه, ولم يقل فيه محمد بن إسحاق حدثني يعقوب بن عتبة .

وقد أعله كذلك بابن إسحق ؛ البيهقي وابن عساكر.

انظر عون المعبود (13|17)

2- عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قيل له ما المقام المحمود ؟ قال : ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به وهو كسعة ما بين السماء والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله تعالى اكسوا خليلي فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسى على أثره ثم أقوم عن يمين الله مقاما يغبطني الأولون والآخرون .

أخرجه الدارمي (2|419) والحاكم في مستدركه (2|396) من طريق عثمان بن عمير عن أبي وائل عن بن مسعود .

وهذا إسناد ضعيف , وقد أعله العلماء بعثمان بن عمير قال عنه أحمد والبخاري : منكر الحديث , وضعفه جماعة .

3- عن عبد الله بن خليفة ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة ، فقال : فعظم الرب تبارك وتعالى وقال : « إن عرشه فوق سبع سماوات ، وإن له لأطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله » .

ابن أبي عاصم في السنة (1|252) والسنة لعبدالله بن أحمد (1|301)

وقد أعله شيخنا الألباني رحمه الله في السنة لابن أبي عاصم بعبدالله بن خليفة لم يوثقه إلا ابن حبان , وفي سماعه من عمر نظر .

4- عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوا الله عز و جل الفردوس فإنها سرة الجنة وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش .

أخرجه ابن بطة في الإبانة (3|176) والطبراني في الكبير (8|246) من طريق جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة

وجعفر بن الزبير هو الحنفي متروك الحديث .

ومن الآثار في ذلك :

أ- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: الكرسي: موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل .

أخرجه الطبري في تفسيره (5|398)وابن أبي شيبة في العرش (78) وابن مندة في الرد على الجهمية (21) والسنة لعبدالله (1|303) والعلو للذهبي (107)

وقد صححه شيخنا الألباني في مختصر العلو (124)

و قال رحمه الله : عن عمارة بن عمير عن أبي موسى قال : ” الكرسي موضع القدمين ، و له أطيط كأطيط الرجل ” .

قلت : و إسناده صحيح إن كان عمارة بن عمير سمع من أبي موسى ، فإنه يروي عنه بواسطة ابنه إبراهيم بن أبي موسى الأشعري ، و لكنه موقوف ، و لا يصح في الأطيط حديث مرفوع .

الضعيفة (906)

ب- عن الشعبي قال : إن الله تعالى قد ملأ العرش حتى إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد .

أخرجه ابن بطة في الإبانة (3|177) وأبو الشيخ في العظمة (2|593)من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي .

وعطاء مختلط , وحماد سمع منه قبل الاختلاط وبعد كما ذكر ابن حجر في ترجمة عطاء في التهذيب .

ت- عن عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد ابن معدان أنه كان يقول: إن الرحمن سبحانه وتعالى ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش .

السنة لعبد الله بن أحمد (2|455) وعبدة أحاديثها منكرة جدا كما في أحوال الرجال للجوزجاني رقم (300)

ث- عن عطاء بن يسار قال: أتى رجل كعبا وهو في نفر فقال : يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله فقال كعب دعوا الرجل فإن كان جاهلا تعلم وإن كان عالما ازداد علما ثم قال كعب أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرحل العلافي أول ما يرتحل من ثقل الجبار فوقهن .

الدارمي في الرد على الجهمية (59) وأبو الشيخ في العظمة (2|612)

قال ابن القيم :رواه أبو الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح عنه .

اجتماع الجيوش (164)

ما استدل به من القرآن على هذه الصفة

ا- قوله تعالى: {تكاد السموات يتفطرن من فوقهن} [الشورى:5]

قال ابن عباس في قوله { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن} قال : ممن فوقهن مثل الثقل .

ابن أبي شيبة في العرش (58) وأبو الشيخ في العظمة (2|613) والحاكم في مستدركه وصححه (2|480) من طريق عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس .

وخصيف هو بن عبد الرحمن الجزري ضعفه أحمد وقال النسائي: ليس بالقوي .

وقال ابن جرير في تفسيره (21|501) : حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى.

ومحمد بن سعد هومحمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي لين الحديث له ترجمة في اللسان , وسعد بن محمد متكلم فيه له ترجمة في اللسان وعمه الحسين بن الحسن ضعيف , والحسن بن عطية ضعيف أيضا وكذا عطية العوفي .

وقال ابن القيم :وهذا التفسير تلقاه عن ابن عباس الضحاكُ، والسديُّ، وقتادة، فقال سعيد، عن قتادة: يتفطرن من فوقهن قال: من عظمة اللّه وجلاله، وقال السدي: تشقق بالله.

“اجتماع الجيوش الإسلامية” (158)

2- قوله تعالى: {السماء منفطر به}[ المزمل :18]

فسرها مجاهد والحسن وعكرمة وغيرهما:أي مثقلة به .

تفسير الطبري (23|695)

هذا ملخص ما ذكر مما استدل به على إثبات هذه الصفة .

والشاهد :  أنه لا يصح في ذلك حديث مرفوع وإن صحت بعض الآثار في ذلك وعلى ذلك نقول :

أ- لا بد أن يعلم أن المعول عليه في إثبات الصفات لله كتاب الله أولا وثانيا السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا تثبت الأسماء والصفات من الأحاديث الضعيفة .

قال ابن قدامة في ذم التأويل : ينبغي أن يعلم أن الأخبار الصحيحة التي ثبتت بها صفات الله تعالى هي الأخبار الصحيحة الثابتة بنقل العدول الثقات التي قبلها السلف ونقلوها ولم ينكروها ولا تكلموا فيها وأما الأحاديث الموضوعة التي وضعتها الزنادقة ليلبسوا بها على أهل الإسلام أو الأحاديث الضعيفة إما لضعف رواتها أو جهالتهم أو لعلة فيها لا يجوز أن يقال بها ولا اعتقاد ما فيها بل وجودها كعدمها وما وضعته الزنادقة فهو كقولهم الذي أضافوه إلى أنفسهم .

ب – هذه الصفة لمن أثبتها ليست بأعجب من سائر الصفات , ولذلك قال الذهبي في العلو بعد أن ساق حديث جبير بن مطعم المتقدم .

:”وقولنا في هذه الأحاديث أننا نؤمن بما صح منها وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره فأما ما في إسناده مقال واختلف العلماء في قبوله وتأويله فإنا لا نتعرض له بتقرير بل نرويه في الجملة ونبين حاله .

العلو (45)

ج: لا يلزم من إثبات هذه الصفة محذور عند أهل السنة والجماعة لأن الله كما أخبر عن نفسه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وهذه قاعدة أهل السنة في سائر الصفات .

ولذلك نقل شيخ الإسلام عن القاضي أبي يعلى قوله : أعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره , وأن ثقله يحصل بذات الرحمن إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته. قال: على طريقته في مثل ذلك لأنا لا نثبت ثقلا من جهة المماسة والاعتماد والوزن ؛ لأن ذلك من صفات الأجسام ويتعالى عن ذلك , وإنما نثبت ذلك لذاته لا على وجه المماسة كما قال الجميع أنه عال على الأشياء لا على وجه التغطية لها .

بيان تلبيس الجهمية (1|574)

ومعنى كلام القاضي أبي يعلى أن لا محذور في إثبات هذه الصفة على الوجه الذي يليق بجلال الله , وعلى وجه لا يماثل المخلوقات في ذلك.

د – ممن لم يثبت هذه الصفة لله الذهبي في العلو إذ قال :الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل فذاك صفة للرحل وللعرش ومعاذ الله أن نعده صفة لله عزوجل ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت , وقولنا في هذه الأحاديث أننا نؤمن بما صح منها وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره فأما ما في إسناده مقال واختلف العلماء في قبوله وتأويله فإنا لا نتعرض له بتقرير بل نرويه في الجملة ونبين حاله .

ه-  ممن أثبت هذه الصفة لله سبحانه وتعالى جمع من علماء السلف , استنادا لهذه الأحاديث والآثار ولذلك قال الذهبي في العلو بعد أن أورد حديث جبير بن مطعم :وكذلك ساقه الذين جمعوا أحاديث الصفات كإبن خزيمة والطبراني وابن منده والدارقطني , وعدة .

العلو (44)

رابعا : هذا ملخص الأدلة في المسألة و يتبين أن المسألة خلافية بين السلف ؛ وورود هذه الأثار قوى هذا الخلاف , ولعل هذا سبب إيراد الإمام الأشعري هذا الخلاف في كتابه مقالات الإسلاميين كما تقدم , ومن أثبتها لم يثبتها على وجه المشابهة أو المماثلة لصفات المخلوقين كما تقدم عن أبي يعلى والذهبي . والله أعلم 

خامسا : قارن بين هذا القول وبين قول الرازي وقبله الجويني الذين قررا أنه لم يقم دليل عقلي على تنزيه الله من النقائص والقبائح .

وقال ابن القيم: كما صرح به الرازي وتلقاه عن الجويني وأمثاله قالوا , وإنما نفينا النقائص عنه بالإجماع , وقد قدح الرازي وغيره من النفاة في دلالة الإجماع , وبينوا أنها ظنية لا قطعية ؛ فالقوم ليسوا قاطعين بتنزيه الله عن النقائص بل غاية ما عندهم في ذلك الظن فيا للعقلاء ويا لأولي الألباب كيف تقوم الأدلة القطعية على نفي صفات كماله ونعوت جلاله وعلوه على خلقه , واستوائه على عرشه , وتكلمه بالقرآن حقيقة وتكليمه لموسى حقيقة بكلامه القائم به , ورؤية المؤمنين له بأبصارهم عياناً من فوقهم في الجنة حتى تدعي أن الأدلة السمعية الدالة على ذلك قد عارضها صريح العقل , وأما تنزيهه عن العيوب والنقائص فلم يقم عليه دليل عقلي , ولكن علمناه بالإجماع , وقد قلتم دلالته ظنية .

“الصواعق المرسلة “(4|1229)

وهذا نص كلامه

قال أبو المعالي الجويني في الإرشاد (74) :فإن قيل من أركان دليلكم استحالة اتصاف الباري تعالى بالآفات المضادة للسمع والبصر فما الدليل على ذلك ؟ قلنا : هذا مما كثر فيه كلام المتكلمين ولا نرتضي مما ذكروه في هذا المدخل إلا الالتجاء إلى السمع إذ قد أجمعت الأمة وكل من آمن بالله تعالى على تقدس الباري تعالى عن الآفات والنقائص فإن قيل: الإجماع لا يدل عقلا وإنما دل السمع على كونه دليلا والسمع وإن تشعبت طرقه فمآله كلام الله تعالى وهو الصدق وقوله الحق والأفعال لا تدل على ثبوت الكلام بل سبيل إثباته كسبيل إثبات السمع والبصر كما سنذكره فلو وقعت الطلبة في الكلام نفسه وأسندنا إثباته إلى نفي الآفة ثم رجعنا في نفي الآفة إلى الإجماع الذي لا يثبت إلا بالكلام لكنا محاولين إثبات الكلام بما لا يثبت إلا بعد العلم بالكلام عليه وذلك نهاية العجز .

وتأمل قوله وذلك تمام العجز .

المسألة الرابعة : التجسيم

قال المعترض سعيد فودة :أنا أقول فعلا يثبت الحد .. ويثبت كثيرا من لوازم التجسيم بصورة صريحة الأمر الوحيد تقريبا الذي يعني يظهر من كتب من كتب ابن تيمية ظهورا هو لفظ التجسيم أنه لا يقول به بصراحة ولا يقول بنفيه صراحة لكن معناه أيضا  فيه إشكال عند ابن تيمية يفرق بين ما يطلق عليه اسم المعنى الاصطلاحي المعنى الاصطلاحي يريد به أن الجسم يطلق على ما هو طويل عريض عميق يقول إذا كان الجسم يراد به الطويل العريض العميق فالله سبحانه وتعالى كذلك ولكن لا أطلق عليه كلمة الجسم لا أطلقها عليه ولكنه كذلك يعني متحيز هذا معنى التحيز طويل عريض عميق وإذا اريد به الجسم أنه مؤلف من لحم ودم أو مؤلف من جواهر فردة أو مؤلف من هيئة وصورة أو مؤلف من أي شئ فيقول أنا لا أقول بذلك مع أنه ليس الخلاف في أن هل هو جسم متحيز أو غير متحيز هذه هي أصل المسألة

وللجواب على هذه الشبهة إليك البيان:

أولا : هذا المعترض لا يتورع من الكذب فهو يحاول هنا أن يلصق تعريف التجسيم  الذي هو عند غلاة الروافض المجسمة بشيخ الإسلام فهو يقول : المعنى الاصطلاحي يريد به- أي ابن تيمية –  أن الجسم يطلق على ما هو طويل عريض عميق يقول إذا كان الجسم يراد به الطويل العريض العميق فالله سبحانه وتعالى كذلك .

قلت : أ- قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ: ” مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ  : ” اخْتَلَفَ الرَّوَافِضُ أَصْحَابُ الْإِمَامَةِ فِي التَّجْسِيمِ، وَهُمْ سِتُّ فِرَقٍ: فَالْفِرْقَةُ  الْأُولَى الْهِشَامِيَّةُ، أَصْحَابُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ الرَّافِضِيِّ: يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْبُودَهُمْ جِسْمٌ، وَلَهُ نِهَايَةٌ وَحَدٌّ، طَوِيلٌ عَرِيضٌ عَمِيقٌ، طُولُهُ مِثْلُ عَرْضِهِ، وَعَرْضُهُ مِثْلُ عُمْقِهِ .

ب – قول المعترض : وكل هذا منصوص عليه مذكور بنصه في كتاب الكاشف الصغير وأنا أتحدى أي واحد أن يأتي بكذب كلمة من هذه الكلمات التي نقلتها عن ابن تيمية أي كلمة تم نقلها في هذا الكتاب نحن لا نتعامل باللوازم.؟!

لاحظ أنه يتحدى أي واحد أن يأتي بكذب كلمة من هذه الكلمات !

وفي نفس الكلاك ينسب لشيخ الإسلام أنه يقول : المعنى الاصطلاحي يريد به- أي ابن تيمية –  أن الجسم يطلق على ما هو طويل عريض عميق يقول إذا كان الجسم يراد به الطويل العريض العميق فالله سبحانه وتعالى كذلك .

قلت : وقد تتبعت كلامه في إثبات هذا القول لشيخ الإسلام فلم يستند في ذلك لنص واحد لشيخ الإسلام وإنما هي لوازمه الباطلة :

فقال في كاشفه ص (123) :ذكر العلامة العضد في المواقف أن الفلاسفة يقولون أن الجسم جوهر مركب من الهيولي والصورة ووضح قول الفلاسفة فقال : الجسم الطبيعي هو جوهر يمكن أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة .. فإن الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة لا يكون إلا كذلك ثم قال المعترض : فالقيد المحقق لماهية الجسم هو إمكان فرض الأبعاد الثلاثة .

وقال في نفس الصفحة عن الجسم :عند المعتزلة هو الطويل العريض العميق وقريب منه عند الفلاسفة كما مر .

نقل ص (125) عن السمرقندي في كتاب  الصحائف الإلهية عن تعريف الفلاسفة للجسم : عرفه المتقدمون – أي الفلاسفة – بأنه جوهر ذو أبعاد ثلاثة وهي الطول والعرض والعمق وقالت الأشاعرة أنه متحيز قابل للقسمة .. وقالت المعتزلة أنه متحيز ذو أبعاد ثلاثة …

ثم قال ص (127) :ولكن لا بد أن نتساءل هنا لماذا لم يذكر ابن تيمية أن جميع هذه الفرق قد اتفقت على أن ما كان متحيزا أو ممتدا في الأبعاد فهو جسم والله لا يكون جسما مطلقا ؟ الجواب : لأن ابن تيمية يقول أن الله متحيز وله حدود في مختلف الجهات الستة  ..أي أنه يقبل فرض الأبعاد الثلاثة ..ثم قال :فالحاصل أن ابن تيمية يخالف جميع الناس .. فينص على أن الله تعالى متحيز وفي جهة وله أبعاد .

وقال ص (207) :وحاصل ما يقوله ابن تيمية في هذه المسألة أنه لما ثبت أن الله تعالى جسم أي له أبعاد ثلاثة …

قلت : هذا مجمل ما ذكره في هذه المسألة ولم ينقل نصا واحدا عن شيخ الإسلام وإنما هي إلزاماته  في ذلك ثم يدعي التحدي بكلمة واحدة أنه تقول فيها على شيخ الإسلام ؟

ثانيا : إن لفظ الجسم والجسمية هي من ألفاظ أهل الكلام الذين يتبجح هذا المعترض بالانتساب إليهم ,  ويدعو إلى دراسة هذا العلم الذي أوله سفسطة وآخره زندقة

 وهو لفظ لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله :  وأما اللفظ –  أي الجسم  – فبدعة نفياً وإثباتاً فليس في الكتاب والسنة  , ولا قول أحمد من سلف الأئمة وأئمتها إطلاق لفظ الجسم في صفات الله تعالى لا نفيا ولا إثباتاً.

وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله تعالى سبب خوضه في مثل هذه الألفاظ المجملة  , والتي توهم معنى حقاً وباطلاً .

 قال رحمه الله :” وإذا كانت هذه الألفاظ مجملة ؛  فالمخاطب لهم إما أن يفصل ويقول ما تريدون بهذه الألفاظ ؛  فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قبلت  , وإن فسروها بخلاف ذلك ردت  , وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً  ؛ فإن امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسبونه إلى العجز والانقطاع ,  وإن تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقاً وباطلاً ,  وأوهموا الجهال باصطلاحهم أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي يتنزه الله عنها .

” درء التعارض” (1/133)

 قلت: كما فعل هذا المعترض

ثالثا : لفظ التجسيم من الألفاظ المجملة والتي اختلف الطوائف في معناها والعبرة ليست في الإطلاقات اللفظية ولكن في معانيها المحققة ؛ والإنصاف عند الحكم على القائل بلفظ معين؛ أن نحاكمه بمعناه الذي يقول به وليس بما اعتقده فعند مناقشة أصحاب المقالات نناقشهم بما يعتقدون من اللفظ لا بما اعتقد .

ومعلوم أن الطوائف اختلفوا في المعنى المراد بالجسم فالفلاسفة قالوا إن  الجسم هو المركب  من الهيولى (المادة) والصورة، والمعتزلة قالوا الذي تقوم به الأبعاد الثلاثة، والكرامية أرادوا  بالجسم القائم بنفسه أو الموجود، والأشاعرة قالوا هو المركب من الجواهر الفردة وطوائف من أهل السنة قالوا هو الموصوف أو ما تقوم به الصفات .

ولذلك كان من إنصاف  صاحب المواقف الإيجي في هذه المسألة عند حديثه – هل يوصف الله بالجسمية – قال : فالكرامية قالوا هو جسم أي موجود وقوم قالوا هم جسم أي قائم بنفسه فلا نزاع معهم إلا في التسمية . شرح الجرجاني للمواقف (3/38-39)

فهو أقر المعنى وقال الخلاف فقط في التسمية .

وهذا أحد كبار الأشاعرة  وهو أبو جعفر السمناني كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/651) : قَالَ:منْ سَمَّى اللهَ جِسماً مِنْ أَجلِ أَنَّهُ حَاملٌ لِصِفَاتِه فِي ذَاتِه، فَقَدْ أَصَابَ المَعْنَى،وَأَخْطَأَ فِي التَّسمِيَةِ فَقَطْ.

فمن قال الله جسم بمعنى الموصوف فالمعنى صحيح عنده وأخطأ في التسمية , فلم التشنيع على شيخ الإسلام .

رابعا : لفظ الجسم والجسمية  من الألفاظ المجملة كما ذكرنا التي تحتمل حقا وباطلا , والأصل عند محاكمة شخص في إطلاقه أن نحاكمه بما يعتقد من المعنى لا أن نلزمه بما نعتقد أو بما يعتقد غيره كما قدمنا والألفاظ المجملة كما ذكر شيخ الإسلام التي تحتمل حقا وباطلا يتوقف فيها ويستفصل عن المراد ومن ذلك لفظ الجسم .

وهنا نكتة المسألة : فمن  نفى صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه , ووصفه بها النبي صلى الله عليه وسلم كالوجه واليد والعين وغيرها من صفات الكمال له سبحانه وتعالى ؛ جعل إثبات الصفات يستلزم التجسيم والتركيب .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :  وكذلك هؤلاء نفاة الصفات أخذوا يقولون إثبات الصفات يقتضي التركيب والتجسيم  .

إما لكون الصفة لا تقوم إلا بجسم في اصطلاحهم ,  والجسم مركب في اصطلاحهم ,  وإما لأن إثبات العلم والقدرة ونحوهما يقتضي إثبات أمور متعددة وذلك تركيب .

  “الصفدية”  (1/104)

 وقال رحمه الله : ”  فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفاة الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسماً ومشبهاً ,  ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة من الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم .

“منهاج السنة “(2/105)

وقال رحمه الله :  لفظ الجسم فيه إجمال قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت أو ما يقبل التفريق والانفصال أو المركب من مادة وصورة أو المركب من الأجزاء المفردة التي تسمى الجواهر المفردة  .

والله تعالى منزه عن ذلك كله عن أن يكون كان متفرقاً  ؛ فاجتمع أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه أو غير ذلك من التركيب الممتنع عليه .

و قد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات  , والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات , ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم  ؛ فإذا أراد بقوله ليس بجسم هذا المعنى .

 قيل له : هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول , وأنت لم تقم دليلا على نفيه .

وأما اللفظ فبدعة نفياً وإثباتاً.

“منهاج السنة” (2|134)

وقال ابن القيم رحمه الله في” الصواعق”

 :” فالناس كانوا طائفتين سلفية وجهمية فحدثت الطائفة السبعية – الأشاعرة – واشتقت قولا بين القولين فلا للسلف أثبتوا ولا مع الجهمية بقوا .

وقالت طائفة أخرى :  ما لم يكن ظاهره جوارح وأبعاض كالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام لا يتأول , وما كان ظاهره جوارح وأبعاض كالوجه واليدين والقدم والساق والإصبع ؛ فإنه يتعين تأويله لاستلزام إثباته التركيب والتجسيم .

 قال المثبتون : جوابنا لكم بعين الجواب الذي تجيبون به خصومكم من الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات ؛  فإنهم قالوا لكم لو قام به سبحانه  صفة وجودية كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة لكان محلا للأعراض  , ولزم التركيب والتجسيم والانقسام كما قلتم لو كان له وجه ويد وأصبع لزم التركيب والانقسام .

 فما جوابكم لهؤلاء نجيبكم به !

 فإن قلتم  : نحن نثبت هذه الصفات على وجه لا تكون أعراضاً ولا نسميها أعراضاً فلا يستلزم تركيباً ولا تجسيماً .

 قيل  لكم  : ونحن  نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه إذ نفيتموها أنتم على  وجه لا يستلزم الأبعاض والجوارح , ولا يسمى المتصف بها  مركباً ولا جسماً ولا منقسماً .

“الصواعق”  (1/226)

 وقال ابن القيم رحمه الله :  فلفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتاً فتكون له  حرمة الإثبات , ولا نفيا فيكون له إلغاء النفي .

فمن أطلقه نفيا أو إثباتا سئل عما أراد به ؟

فإن قال أردت الجسم معناه  في لغة العرب , وهو البدع الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه , ولا يقال للهواء جسم لغة ولا للنار ولا للماء ؛  فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعنى منفي عن الله عقلا وسمعا .

وإن أردتم به المركب من المادة والصورة أو المركب من الجواهر الفردة ؛  فهذا منفي عن الله قطعاً , والصواب نفيه عن الممكنات أيضا فليس الجسم المخلوق مركبا لا من هذا ولا من هذا , وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار  ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصره ويرضى ويغضب .

فهذه المعاني ثابتة للرب وهو موصوف بها ؛ فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها  جسما . 

”  الصواعق”  (3/939)

فملخص الكلام : أن اتهام شيخ الإسلام بالتجسيم بالمعنى الباطل هو من إلزامات المعترض سعيد فودة لشيخ الإسلام في إثباته للصفات الخبرية والعلو لله تعالى والتي هي مذهب السلف في ذلك وسوف أنقل النصوص في ذلك من كتابه الكاشف التي تدلل على اتهامه لشيخ الإسلام بالتجسيم لإثباته الصفات الخبرية والعلو :

قال في الكاشف (23) :-  بعد أن نقل كلام الإمام الأشعري في غلاة الرافضة وأنهم يقولون عن الله أنه جسم وأنه جثة على صورة الإنسان لحم ودم وشعر.. . قال : أما أن لله أعضاء هي ما ذكرها هنا فقد أثبتها ابن تيمية كما ستراه .

وقال ص (24) : نقل قول الأشعري : فقالت المجسمة له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون إلى الجوارح والأعضاء .

قال : وهذا حاصل قول ابن تيمية بالضبط وإن لم يصرح به بهذا الوضوح.

ومعلوم أن قول السلف في إثبات الصفات الخبرية مغاير بتاتا لقول هؤلاء الغلاء كما نقل الأشعري أنهم يقولون أنه من لحم وعصب إلخ .

رابعا : إثبات الصفات الخبرية والعلو  ذهب إليه الإمام الأشعري ونقله في الإبانة ومقالات الإسلامين لما نقل مجمل اعتقاد أهل الحديث وقال : وبه أقول .

ونقله كذلك الباقلاني في كتابه التمهيد .

بل أقر به الجويني في الإرشاد فقال : ذهب أئمتنا إلى أن اليدين، والعينين والوجه، صفات ثابتة للرب، والسبيل إلى إثباتها السمع، دون قضية العقل .

وهذا نصه واعترافه بذلك في كتابه الإرشاد .

خامسا : أن الأشاعرة خالفوا المعقول في المسائل المتعلقة بمسألة الجسم :

  1. قولهم :إن الأجسام متماثلة قال شيخ الإسلام : وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه، لا تختلف من وجه دون وجه، بل الثلج مماثل للنار من كل وجه، والتراب مماثل للذهب من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل .

درء التعارض (5/192)

  • قولهم : إن الأجسام مركبة من الجواهر الفردة ويعنون بذلك الجزء الذي لا ينقسم .قال شيخ الإسلام : فأما المقدمة الأولى، وهي القائلة: إن الجوهر لا يعرى من الأعراض، فإن عنوا الأجسام المشار إليها القائمة بذاتها فهي مقدمة صحيحة، وإن عنوا بالجوهر الجزء الذي لا يتجزأ وهو الذي يريدونه بالجوهر الفرد، ففيها شك ليس باليسير، وذلك أن وجود جوهر غير منقسم ليس معروفاً بنفسه، وفي وجوده أقاويل متضادة شديدة التعاند . درء التعارض (9/76)
  • ترتب على القول بالجوهر الفرد أن جعلوه أصلا من أصول الإيمان بالله واليوم الآخر .

قال شيخ الإسلام: ” أصل هؤلاء المتكلمين من الجهمية المعتزلة ومن وافقهم الذي بنوا عليه هذا هو مسألة الجوهر الفرد فإنهم ظنوا أن القول بإثبات الصانع وبأنه خلق السموات والأرض وبأنه يقيم القيامة ويبعث الناس من القبور لايتم إلا بإثبات الجوهر الفرد فجعلوه أصلا للإيمان بالله واليوم الآخر أما جمهور المعتزلة ومن وافقهم كأبي المعالي وذويه فيجعلون الإيمان بالله تعالى لايحصل إلا بذلك وكذلك الإيمان باليوم الآخر إذ كانوا يقولون لايعرف ذلك إلا بمعرفة حدوث العالم ولايعرف حدوثه إلا بطريقة الأعراض وطريقة الأعراض مبنية على أن الأجسام لاتخلو منها  .

بيان تلبيس الجهمية (2/243)

 وهذا الأمر أقر به حتى كبار الأشاعرة :

يقول ابن فورك :وأما وصفه بأنه العالم القادر الحي المريد المتكلم السميع البصير  , فإن معنى جميع ذلك عنده – أي الأشعري – أن له علما وقدرة وحياة وإرادة وكلاما وسمعا وبصرا ويقول : إن ذلك حقيقة معاني هذه الصفات شاهدا وغائبا ولا يصح أن يتخلف حكمها وإنما تجري مشتقة منها في كل موصوف بها .

مجرد مقالات الأشعري (44)

وقال التفتازاني : واعلم أن بعض القدماء بالغوا في التنزيه حين امتنعوا عن إطلاق اسم الشئ بل العالم والقادر وغيرهما على الله تعالى   زعما منهم أنه يوجب إثبات المثل له , وليس كذلك لأن المماثلة إنما تلزم لو كان المعنى المشترك بينه وبين غيره فيهما على السواء ولا تساوي بين مشيئة ومشيئة غيره ولا بين علمه وعلم غيره وكذا جميع الصفات .

شرح المقاصد (4/52-53)

المسألة الثامنة : متى يقال لمن أثبت الصفة أنه ممثل

– قال إسحاق بن راهويه  : «إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع. فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى فى كتابه: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } » .

سنن الترمذي (662)

وقال شيخ الإسلام : كما قال الإمام أحمد:  المشبه الذي يقول بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه وكما قال إسحاق وأبو نعيم ومحققو المتكلمين على أن هذا التشابه الذي هو التماثل لا يكون بالموافقة في بعض الصفات بل الموافقة في جميع الصفات الذاتية التي بها يقوم أحدهما مقام الآخر وأما التشبيه في اللغة فإنه قد يقال بدون التماثل في شيء من الحقيقة كما يقال للصورة المرسومة في الحائط إنها تشبه الحيوان ويقال هذا يشبه هذا في كذا وكذا وإن كانت الحقيقتان مختلفتين ولهذا كان أئمة أهل السنة ومحققو أهل الكلام يمنعون من أن يقال لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه فإن مقتضى هذا كونه معدومًا .

بيان تلبيس الجهمية (3/134-136)

قال أبو عمر الطلمنكي المالكي الأندلسي (ت. 429 هـ) في كتاب “الوصول إلى معرفة الأصول” : (قال قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الأسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق. فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه، وأثبتوها لخلقه، فإذا سُئلوا ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الاجتماع في التسمية يوجب التشبيه. 
قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها، وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم: أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين. وإن قالوا: موجود ولا يوجب وجوده الاشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حيٌ، عالمٌ، قادرٌ، مريدٌ، سميعٌ، بصيرٌ، متكلمٌ، يعني ولا يلزم اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات.)
العلو (246)
قال أبو نصر السجزي الحنفي (ت. 444 هـ) : (والأصل الذي يجب أن يُعلم: أن اتفاق التسميات لا يوجب اتِّفاق المسمّين بها، فنحن إذا قلنا: إن الله موجود رؤوف واحد حيٌّ عليم سميع بصير متكلم، وقلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان موجودًا حيًّا عالمًا سميعًا بصيرًا متكلمًا، لم يكن ذلك تشبيها، ولا خالفنا به أحدًا من السلف والأئمة، بل الله موجود لم يزل، واحد حي قديم قيوم عالم سميع بصير متكلم فيما لم يزل، ولا يجوز أن يوصف بأضداد هذه الصفات.) .

درء التعارض (2/89) نقلا عنه

إقرار الأشاعرة بذلك

قال أبو المعالي : وقال في بعض كتبه- أي الأشعري -: المشبهة من يعترف بالتشبيه ويلتزمه، وأما من ينكره فلا نسميه مشبهًا، إذ حقيقة المثلين: المشتبهان في جميع صفات النفس .

بيان تلبيس الجهمية (1/385) نقلا عنه

وقال نور الدين الصابوني : واختلف القائلون فيما تثبت المماثلة  :     قالت الفلاسفة والباطنية وجهم بن صفوان : المماثلة تثبت في مجرد الوصف والتسمية حتى امتنعوا عن تسمية الله موجودا وحيا وعالما وقادرا نفيا للمماثلة بين الله تعالى وبين خلقه  وهذا باطل …

وقالت المعتزلة : المماثلة تثبت بالاشتراك في أخص الأوصاف فإن للعلم مثلا ثلاثة أوصاف .. ولهذا امتنعوا عن وصف الله بالعلم نفيا للمماثلة بين الله وبين خلقه .

ثم قال : وعندنا المماثلة إنما تثبت بالاشتراك في جميع الأوصاف حتى لو اختلف وصف واحد لا تثبت المماثلة .

البداية من الكفاية (57-59) عن الانتصار للتدمرية (225)

المسألة الخامسة : الحد

قال المعترض سعيد فودة : وأثبت لاحظوا ما الذي أثبته ابن تيمية هذا ليس افتراء ليس كذبا على ابن تيمية ليس مجرد تشنيع ليس خيالا من محض رأسي ابن تيمية أثبت أن الله سبحانه وتعالى محدود له حد ينتهي أليه نتنهي إليه ذاته من جميع الجهات من الجهات جميعها أي فوق وتحت ويمين وأسفل وشمال وقدام وخلف أي أمام وخلف بالنصهذا منصوص عليه من كلام ابن تيمية ليس باللازم  ليس فهما باللازم .

الكلام على شبهة الحد

أقول مستعينا بالله :

أولا : الحد لغة بمعنى الحَدُّ: الحاجِزُ بينَ شَيْئَيْنِ، ومُنْتَهى الشيءِ , وتمييزُ الشيءِ عنِ الشيءِ … كما في القاموس المحيط (276)

وقال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف (137) : الحد: الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، وحد الدار ما تتميز به عن غيرها. يقال حددت الدار ميزتها عن مجاوراتها بذكر نهاياتها. وحد الشيء الوصف المحيط بمعناه. .. وعند أهل الميزان: قول دال على ماهية الشيء. وعند أهل الأصول ما يميز الشيء عما عداه .

وأما اصطلاحا فله عدة معان:

قال شيخ الإسلام : فأما «الحد» بمعنى حقيقة الشيء التي هو بها يتميز بها عن غيره، فلا ريب بين المسلمين أن الله له حقيقة، وذات فذلك حده الذي لا يعلمه غيره ..وأما الحد بمعنى القول -فله أسماء تميزه عن غيره وله حدود بخواصه التي تميزه عن [غيره] كقولنا: رب العالمين، وخالق السموات والأرض والأول والآخر والظاهر والباطن.

وأما «الحد» المركب من الجنس والفصل فلا يجوز في حق الله تعالى.

فأما حد عينه الذاتية فيراد به: علي بذاته , وحد بصفاته , وحد بمقداره.

فأما الأول: فهو بمعنى انفصاله عن غيره وتميزه عنه بحيث لا يختلط به وهذا داخل فيما قصده ابن المبارك وغيره؛ خلافا للجهمية الذين يجعلونه مختلطا بالمخلوقات؛ ولهذا قال: بائن من خلقه بحد.

فإن «الحد» هو الفصل والتمييز بينه وبين غيره. و «الحد» بهذا المعنى متفق عليه بين أهل السنة القائلين بأن الله فوق العرش .. وأما الثاني: فهو بمعنى صفاته القائمة به المميزة له عن غيره، كما يقال في حُلية الموصوف ونعوته، فله حد بهذا الاعتبار.

وأما «الحد» بمعنى المقدار والنهاية فهذا مورد النزاع، فقيل: لا حد له ولا غاية ولا مقدار وقيل: له حد من جانب العرش فقط وقيل: له حد ونهاية لا يعلمها غيره؛ إذ لا يعقل موجود بدون ذلك, وقد يقال: إن ابن المبارك وغيره قصدوه، إذ لو لم يريدوا ذلك لم يكن حاجة إلى قولهم: على عرشه بل يكفي أن يقال: هو منفصل عن خلقه متميز عنهم .

المستدرك على مجموع الفتاوى (1/65-68)

فالشاهد أن الحد الذي ورد في كلام العلماء يتناول هذه الأمور فإما المراد :

  1. حقيقة الشئ التي يتميز بها عن غيره .
  2. وإما حد بمعنى انفصاله وبينونته عن خلقه .
  3. وإما حد بوصفه ومقداره وأنه ذاته ليست في كل مكان كما يعتقد متصوفة الجهمية .

ثانيا :- لفظ الحد من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة

 قال الإمام الذهبي رحمه الله : الصواب الكف عن إطلاق ذلك إذ لم يأت فيه نص ,  ولو فرض أن المعنى صحيح ؛  فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفا من أن يدخل القلب شيء من البدعة .

                                     “سير الأعلام النبلاء ” (20|86)

قلت :هذا صحيح وسبب كلام أهل السنة في مثل هذه الألفاظ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : قال شيخ الإسلام رحمه الله :

  ” وإذا كانت هذه الألفاظ مجملة فالمخاطب لهم إما أن يفصل , ويقول ما تريدون بهذه الألفاظ؛  فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قبلت , وإن فسروها بخلاف ذلك ردت , وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفيا وإثباتا ؛ فإن امتنع عن التكلم معهم فقد ينسبونه إلى العجز والانقطاع .

وإن تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقا وباطلا , وأوهموا الجهال باصطلاحهم أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي ينزه الله عنها .                                                    “درء تعارض العقل والنقل” (1/133)

ثالثا : كلمة الحد من الألفاظ التي تحتمل حقا وباطل فالأصل الاستفصال عن المعنى المراد ؛ فالمعنى الحق أنه سبحانه منفصل وبائن عن خلقه أو له كيفية في صفاته متميزة عن غيرها لا يعلم حقيقتها إلا هو , والمعنى الباطل أنه مخالط لخلقه غير منفصل عنهم أو أنا شيئا من خلقه يحويه أو نفي علوه على خلقه .

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-  :

وكذلك إذا قالوا إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات أوهموا الناس بأن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات , ولا تحوزه المصنوعات  , وهذا المعنى الصحيح ومقصودهم أنه ليس مبايناً للخلق ولا منفصلاً عنه , وأنه ليس فوق السموات رب ولا على العرش إله  , وأن محمدا لم يعرج به إليه ,  ولم ينزل منه شيء , ولا يصعد إليه شيء , ولا يتقرب إليه شيء , ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا غيره , ونحو ذلك من معاني الجهمية .

“درء التعارض” (1|241)

رابعا : -ورد الكلام في الحد عن أئمة السلف كابن المبارك وأحمد وغيرهم: قال علي بن الحسن بن شقيق:  قلت لعبد الله بن المبارك  : بما نعرف ربنا؟  قال : بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه.  قلت: بحد قال: بحد لا يعلمه غيره.

“السنة”  (1/175) لعبد الله بن أحمد بن حنبل ,  و “الأسماء والصفات”  للبيهقي (538)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وهذا مشهور عن ابن المبارك ثابت عنه في غير وجه , وهو أيضاً ثابت عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغير واحد من الأئمة.

“مجموع الفتاوى” (5/184)

وقال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل

إذا ثبت استواؤه سبحانه  , وأنه في جهة  , وأن ذلك من صفات الذات فهل يجوز إطلاق الحد عليه ؟

قد أطلق أحمد القول بذلك في رواية المروزي ؛ وذُكر له قول ابن المبارك نعرف الله على العرش بحد فقال أحمد : بلغني ذلك وأعجبه .

 وقال الأثرم ، قلت لأحمد  : يحكي عن ابن المبارك نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بحد  .

فقال أحمد :  هكذا هو عندنا.

                                    ” بيان تلبيس الجهمية” (2|173)

قلت : وهنا الحد بمعنى المنفصل عن خلقه البائن عنهم .

 قال : ثم ذكر عن أبي داود قال : جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال له: لله تبارك وتعالى حد ؟  قال: نعم لا يعلمه إلا هو قال الله تبارك وتعالى {وترى الملائكة حافين من حول العرش} يقول محدقين فقد أطلق أحمد القول بإثبات الحد لله تعالى .

                                    ” بيان تلبيس الجهمية” (2|173)

ونقل الخلال في السنة : عن الإمام أحمد قوله : نحن نؤمن بأن الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله له ومنه وهو كما وصف نفسه لاتدركه الأبصار بحد ولا غاية وهو يدرك الأبصار وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ولا يدركه وصف واصف وهو كما وصف نفسه ليس من الله تعالى شيء محدود ولا يبلغ علم قدرته أحد غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} [الشورى 11] .

 قال شيخ الإسلام :  بلاحد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده حد نفى به إحاطة علم الخلق به وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه إلا بما أخبر به عن نفسه ليبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته كما قال الشافعي في الرسالة: : الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه , وفوق ما يصفه به خلقه.

ولهذا قال أحمد : لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية .

فنفى أن يدرك له حد أو غاية ..

وما في هذا الكلام من نفى تحديد الخلق وتقديرهم لربهم وبلوغهم حقه لا ينافي ما مضى عليه أحمد وغيره من الأئمة كما ذكره الخلال أيضا

 قال حدثنا أبو بكر المروزي قال سمعت أبا عبد الله لما قيل له  : روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له :  كيف نعرف الله عز وجل قال: على العرش بحد قال:  قد بلغني ذلك عنه وأعجبه .

ثم قال أبو عبد الله {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} ثم قال : { وجاء ربك والملك صفا صفا}

 قال الخلال : وأنبئنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك , وقيل له :كيف نعرف ربنا ؟ قال:  في السماء السابعة على عرشه بحد .

 فقال أحمد :  هكذا هو  عندنا

وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق يعني ابن راهويه  : هو على العرش بحد .

 قال : نعم بحد

وذكر عن ابن المبارك قال: هو على عرشه بائن من خلقه بحد .

قال : وأخبرنا المروزي قال: قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال الله تبارك وتعالى : {الرحمن على العرش استوى} إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ,  ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة  , وحتى قعور البحار ورؤوس الآكام , وبطون الأودية .

 وفي كل موضع كما يعلم علم ما في السموات السبع , وما فوق العرش أحاط بكل شيء علما؛  فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها ,  ولا حبة في ظلمات البر والبحرولا رطب ولا يابس إلا وقد عرف ذلك كله وأحصاه فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره .   فهذا مثاله مما نقل عن الأئمة كما قد بسط في غير هذا الموضع ,  وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره كما قال مالك وربيعة وغيرهما الاستواء معلوم والكيف مجهول .

 فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر  , ولكن نفوا علم الخلق به , وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف والأئمة ينفون علم الخلق بقدرته وكيفيته , وبنحو ذلك قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون في كلامه المعروف  , وقد ذكره ابن بطة في الإبانة وأبو عمرو الطلمنكي في كتابه الأصول .

ورواه أبو بكر الأثرم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: أما بعد فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعت فيه الجهمية , ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير,  وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحشرت العقول في معرفة قدره إلى أن  قال :

بأنه لا يعلم كيف هو إلا هو ,  وكيف يعرف قدر من لا يموت ولا يبلى , وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف ,  الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه …

 ثم ذكر بعد هذا كلام الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الذي سماه رد عثمان بن سعيد على الكافر العنيد فيما افتراه على الله في التوحيد :

فقال :  باب الحد والعرش

قال أبو سعيد وادعى المعارض أيضا:  أنه ليس لله حد ولا غاية ولا نهاية.

قال  : وهذا هو الأصل الذي بنى عليه جهم جميع ضلالاته , واشتق منها جميع أغلوطاته  , وهي كلمة لم يبلغنا أنه سبق  إليها جهما أحد من العالمين .

فقال له قائل : ممن يحاوره  قد علمت مرادك أيها الأعجمي تعني أن الله لا شيء لأن الخلق كلهم قد علموا أنه ليس شيء يقع عليه اسم شيء إلا  وله حد وغاية وصفه , وأن لا شيء ليس له حد ولا غاية ولا صفة ؛  فالشيء أبدا موصوف لا محالة ولا شيء يوصف بلا حد ولا غاية  , وقولك لا حد له يعني أنه لا شيء .

قال أبو سعيد : والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره , ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه لكن نؤمن بالحد ونكل علم ذلك إلى الله .

” درء   التعارض” (1|267)

قلت : وهنا الحد بمعنى أن لصفاته حقيقة يتميز بها عن غيره ولا يحيط الخلق بحقيقة صفاته .

وملخص الكلام الوارد عن الأئمة أن الحد يأتي لمعان :

  1. بمعنى المنفصل عن خلقه البائن عنهم وهذا ما ورد عن عبدالله بن المبارك وأحمد وإسحق .
  2. حقيقته ووصفه وهو الوارد عن الإمام أحمد في قوله : بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله لها حقيقة لا يعلمها إلا هو  .
  3. وأما الحد المنفي فهو بمعنى عدم إحاطة الخلق به أو بصفاته .

خامسا : الحد بالقدر والمقدار

هذه الكلمة شنع المعترض عليها كثيرا في كتابه الكاشف وأورد نصوصا فسرها بهواه وأن شيخ الإسلام يدعي أن الله محدود من جميع الجهات ,

قلت : مع أن كلام شيخ الإسلام واضح لمن تأمله وهو كان في مقابل الرد على متصوفة الجهمية الذين قالوا أن الله بذاته في كل مكان ولا يتصور أن يكون بمكان دون مكان فبين شيخ الإسلام أن الله محدود بمعنى منفصل بذاته أن يخالط شيئا من مخلوقاته فهو متميز بصفاته :أي لا تماثل شيئا من صفات المخلوقين فالله ليس كمثله شئ وكذلك هو منفص ومتميز بذاته فليست ذاته في كل مكان كما تقوله متصوفة الجهمية .

وإليك البيان :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان تلبيس الجهمية (3/42) : وإنما الحد ما يتميز به الشئ عن غيره من صفته وقدره .

وقد حاول المعترض سعيد فودة في كاشفه (215) أن يشغب على هذه الكلمة فقال : وأما القدر فهو عند ابن تيمية بمعنى الحجم والمساحة .. .

والجواب :

جاء في تهذيب اللغة : تَقول: يَنْزل الْمَطَر بمقدارٍ، أَي: بقَدَر وقَدْر، وَهُوَ مبلغ الشَّيْء. وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ، أَي: مَا وصفوه حقَّ وَصفه. انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (3/357) : كل شيء له حقيقة تخصه، وقدر، وصفات تقوم به 0فهنا ثلاثة أشياء المقدار، والحقيقة، وصفات الحقيقة .

وقال شيخ الإسلام : وَالْأَجْسَامُ مُشْتَرِكَةٌ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ  مِنْهَا لَهُ قَدْرٌ يَخُصُّهُ، فَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ فِي نَوْعِ الْمِقْدَارِ لَا فِي عَيْنِهِ، فَصَارَتِ الْأَجْسَامُ مُشْتَرِكَةً فِي الْمِقْدَارِ، فَقَالُوا: بَيْنَهَا مَادَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ .. وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْكُلِّيِّ الْمُطْلَقِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ، فَاشْتِرَاكُ الْأَجْسَامِ فِي الْجِسْمِيَّةِ وَالْامْتِدَادِ وَالْمِقْدَارِ الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ الْمَادَّةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، وَاشْتِرَاكِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْحَيَوَانِيَّةِ.منهاج السنة (2/203)

وقال : فَإِذَا قِيلَ: الْأَجْسَامُ تَشْتَرِكُ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ أَوْ فِي الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ  أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَانَ هَذَا الْمُشْتَرَكُ مَعْنًى كُلِّيًّا، وَالْمِقْدَارُ الْمُعَيَّنُ لِهَذَا الْجِسْمِ لَيْسَ هُوَ  الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ لِهَذَا الْجِسْمِ الْمُعَيَّنِ .

درء التعارض (2/208-209)

وملخص الكلام :

  1. فالقدر والمقدار يأتي بمعنى مبلغ الشئ  ومنتهاه .

وكل شئ له منتهى وغاية وقدر , والذي ليس له قدر ونهاية وغاية هو المعدوم .

  • بين شيخ الإسلام أن لفظ القدر والمقدار لفظ كلي مشترك ؛ يقدره الذهن في الذوات والموصوفات – الأجسام –ولا يلزم هذا اللفظ المشترك المقدر في الذهن أن تتشابه مقادير الموصوفات والذوات لأن الذهن يقدر أن للذوات والموصوفات قدر ومقدار بمعنى أن له حقيقة وغاية ومنتهي .
  • بين شيخ الإسلام حقيقة المراد بذلك فقال رحمه الله : وهكذا كان السلف يقولون عن قول الجهمية إنهم لما قالوا إن الله ليس على العرش وأنه لا يكون في مكان دون مكان صاروا تارة يقولون إنه في كل مكان ويقول من يقول منهم إنه موجود لا نهاية لذاته فيجعلونه من الموجودات المخلوقة أو نفس وجودها وتارة يقولون ليس في مكان أصلاً ولا داخل العالم ولا خارجه فيجعلونه كالمعدومات فهم دائمًا مترددون بين الإشراك وبين التعطيل ؛ إما يجعلونه كالمخلوقات وإما أن يجعلوه كالمعدومات فالأول يكثر في عبادهم ومتصوفتهم والثاني يكثر في علمائهم ومتكلمتهم .

ولهذا لما كان صاحب الفصوص ونحوه من القسم الأول جعلوه نفس الموجودات وجوزوا كل شرك في العالم وجعلوه نفس العابد والمعبود والناكح والمنكوح والشاتم والمشتوم وقالوا ما عبد أحد إلا الله ولا يمكن أحد أن يعبد إلا الله بل لا يتصور أن يكون العابد والمعبود عندهم إلا الله , ولما كان صاحب التأسيس ونحوه من القسم الثاني جعلوه كالمعدومات المحضة ولهذا يقال فيهم متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئًا وهذا هو نهاية التعطيل , ومتصوفتهم يعبدون كل شيء.

بيان تلبيس الجهمية (3/783)

وقال رحمه الله : وقد قال في الآية الأخرى : وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى  [النجم 42] وقال : إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ . [الانشقاق 6] وقال : ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ [الأنعام 62] وقال:  أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ . [الشورى 53] وإذا كان منتهى المخلوقات إليه وهو الغاية والنهاية التي ينتهي إليها ؛ امتنع أن يكون بحيث لا ينتهي إليه ولا يكون غاية ومالا يوصف بالنهاية لا ينتهي إليه أصلاً.

بيان تلبيس الجهمية (3/788)

سادسا : ما ادعاه المعترض من أن شيخ الإسلام يقول أن الله محدود من كل مكان كذب محض ,  وإليك بعض النصوص عن شيخ الإسلام في هذه المسألة :

أ-قال شيخ الإسلام : وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ إذَا قَالُوا ” إنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَإِنَّهُ فِي السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ” لَا يَقُولُونَ إنَّ هُنَاكَ شَيْئًا يَحْوِيهِ أَوْ يَحْصُرُهُ أَوْ يَكُونُ مَحَلًّا لَهُ أَوْ ظَرْفًا وَوِعَاءً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ شَيْءٍ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ. وَهُوَ عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْحَامِلُ لِلْعَرْشِ وَلِحَمَلَةِ الْعَرْشِ بِقُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَرْشِ وَعَنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ .

مجموع الفتاوى (16/100-101)

ب-من أوجه الرد على كذب سعيد فودة أن شيخ الإسلام قرر كثيرا أن الجهات الست لا تتصور إلا للحيوان وأما ما كان فوق ااسماء أو في عالم الأفلاك فلا يتصور إلا العلو أو السفل .

قال رحمه الله : وَلَيْسَ لِلْأَفْلَاكِ إلَّا جِهَتَانِ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ فَقَطْ.

وَأَمَّا الْجِهَاتُ الست فهي الحيوان، فَإِنَّ لَهُ سِتَّ جَوَانِبَ، يَؤُمُّ جِهَةً فَتَكُونُ أَمَامَهُ، وَيُخْلِفُ أُخْرَى فَتَكُونُ خَلْفَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي يَمِينَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي شِمَالَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رَأْسَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْجِهَاتِ السِّتِّ فِي نَفْسِهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ، بَلْ هِيَ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، فَيَكُونُ يَمِينُ هَذَا مَا يَكُونُ شِمَالُ هَذَا، وَيَكُونُ أَمَامَ هَذَا مَا يَكُونُ خَلْفَ هَذَا، وَيَكُونُ فَوْقَ هَذَا مَا يَكُونُ تَحْتَ هَذَا.لَكِنَّ جِهَةَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لِلْأَفْلَاكِ .

الرسالة العرشية (22)

ومعلوم أن جهة السفل نقص ذم

قال رحمه الله نقلا عن الإمام أحمد في رده على الجهمية : ثم احتج الإمام أحمد بالنصوص فقال وقد أخبرنا الله أنه في السماء فقال سبحانه أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ {16} … فهذا خبرُ الله أخبرنا أنه في السماء ثم احتج بحجة أخرى من الأقيسة العقلية قال ووجدنا كل شيء أسفل مذمومًا قال الله تعالى:  إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء 145] وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ  [فصلت 29] وهذه الحجة من باب قياس الأولى وهو أن السفل مذموم في المخلوق حيث جعل الله أعداءَهُ في أسفل سافلين وذلك مستقرٌ في فطر العباد حتى أن أتباع المضلين طلبوا أن يجعلوهم تحت أقدامهم ليكونوا من الأسفلين وإذا كان هذا مما ينزه عنه المخلوق ويوصف به المذموم المعيب من المخلوق فالربُّ تعالى أحق أن ينزهَ ويقدس عن أن يكون في السفل أو يكون موصوفًا بالسفل .

بيان تلبيس الجهمية (5/98-99)

ت-القائلون بأن الله تحويه الجهات الست هم المشايخ والسادة  في الزهد والتصوف عندهم .

قال الشيخ الإسلام : وَهُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى فَلَهُ أَعْلَى الْعُلُوِّ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ هُوَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَخْلُوقَاتِ السُّفْلِيَّةِ الْقَذِرَةِ الْخَبِيثَةِ كَمَا هُوَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ الْعَالِيَةِ. وَغُلَاةُ هَؤُلَاءِ الِاتِّحَادِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ ” الْوُجُودُ وَاحِدٌ ” كَابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ صَاحِبِ ” فُصُوصِ الْحِكَمِ ” و ” الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ ” يَقُولُونَ ” الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ الْقَدِيمُ هُوَ الْمَوْجُودُ الْمُحْدَثُ الْمُمْكِنُ “. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي ” فُصُوصِ الْحِكَمِ “: ” وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ” الْعَلِيُّ “. عَلَى مَنْ وَمَا ثَمَّ إلَّا هُوَ؟ وَعَنْ مَاذَا وَمَا هُوَ إلَّا هُوَ؟ . فَعُلُوُّهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ عَيْنُ الْمَوْجُودَاتِ فَالْمُسَمَّى ” مُحْدَثَاتٌ ” هِيَ الْعَلِيَّةُ لِذَاتِهَا وَلَيْسَتْ إلَّا هُوَ. إلَى أَنْ قَالَ: ” فَالْعَلِيُّ لِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْأَوْصَافِ الْوُجُودِيَّةِ وَالنِّسَبِ الْعَدَمِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْمُودَةً عُرْفًا وَعَقْلًا وَشَرْعًا أَوْ مَذْمُومَةً عُرْفًا وَعَقْلًا وَشَرْعًا. وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْمُسَمَّى اللَّهُ “. فَهُوَ عِنْدُهُ الْمَوْصُوفُ بِكُلِّ ذَمٍّ كَمَا هُوَ الْمَوْصُوفُ بِكُلِّ مَدْحٍ.

مجموع الفتاوى (16/101-102)

المسألة السادسة : الجهة والحيز

من الشبهة التي يثيرها هذا المعترض سعيد  فودة شبهة الجهة والحيز

وللجواب على ذلك أقول مستعينا بالله :

أولا : معنى الحيز قال شيخ الإسلام : فان المتحيز في لغة العرب التي نزل بها القرآن يعنى به ما يحوزه غيره كما في قوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} فهذا تحيز موجود يحيط به موجود غيره إلى موجودات تحيط به وسمى متحيزا لأنه تحيز من هؤلاء إلى هؤلاء , والمتكلمون يريدون بالتحيز ما شغل الحيز والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا , فالعالم عندهم متحيز وليس في حيز وجودي . والمكان عند أكثرهم وجودي.

الرد على المنطقيين (239)

وقال شيخ الإسلام : قَوْلَهُمْ يَنْفِي التَّحَيُّزَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، فَإِنَّ التَّحَيُّزَ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ، هُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ بِحَيْثُ يَحُوزُهُ وَيُحِيطُ بِهِ مَوْجُودٌ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] فَإِنَّ التَّحَيُّزَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَازَهُ يَحُوزُهُ، فَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا بِقَوْلِنَا: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْمَخْلُوقَاتُ وَلَا يَكُونُ فِي جَوْفِ الْمَوْجُودَاتِ، فَهَذَا مَذْكُورٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِي، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَحْدِيدِهِ.

وَأَمَّا التَّحَيُّزُ الَّذِي يَعْنِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ فَأَعَمُّ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ الْعَالَمُ كُلُّهُ مُتَحَيِّزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ آخَرَ مَوْجُودٍ، إذْ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَالَمِ وَقَدْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَيِّزِ وَالْمَكَانِ، فَيَقُولُونَ الْحَيِّزُ: تَقْدِيرُ الْمَكَانِ، وَكُلُّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ مُبَايِنٌ لِغَيْرِهِ بِالْجِهَةِ فَإِنَّهُ مُتَحَيِّزٌ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مَوْجُودٌ.

الفتاوى الكبرى (6/357)

ثانيا : هذه من  الألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة قال شيخ الإسلام :  وأما لفظ الجسم والجوهر والمتحيز والجهة ونحو ذلك فلم ينطق كتاب ولا سنة بذلك في حق الله لا نفياً ولا إثباتاً.

“منهاج السنة “(2/528)

والأصل فيها الاستفصال كما تقدم في الألفاظ التي تحتمل حقا وباطلا .

ثالثا : إن من نفى الجهة أراد نفي علو الله على خلقه , واستوائه على عرشه

قال ابن أبي العز الحنفي : “ونفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلو , ويذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة , وأنه كان قبل الجهات , وأن من قال أنه في جهة  يلزم القول بقدم شيء من العالم , وأنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها.

 وهذه الألفاظ ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي جهة أو لم يسم .

وهذا حق ولكن الجهة ليست أمرا وجوديا بل أمر اعتباري , ولا شك أن الجهات لا نهاية لها وما لا يوجد فيها لا نهاية له فليس بموجود .

  “شرح الطحاوية “(221)

وقال ابن القيم -رحمه الله  -:

وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة ؛  إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى .

 ولكن لا يلزم من كونه فوق العرش هذا المعنى .

 وإن أردتم بالجهة أمراً يوجب مباينة الخالق للمخلوق ,وعلوه على خلقه ,  واستواءه على عرشه فنفيكم لهذا المعنى الباطل  , وتسميته جهة اصطلاح منكم توصلتم به إلى نفي ما دل عليه العقل والنقل والفطرة ,  وسميتم ما فوق العالم جهة , وقلتم منزه عن الجهات , وسميتم العرش حيزاً  , و قلتم ليس بمتحيز

“مختصر الصواعق” (1/181)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -:

”  وما تنازع فيه المتأخرون نفياً وإثباتاً فليس على أحد بل , ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظة أو نفيه حتى يعرف مراده  ؛ فإن أراد حقاً قبل وإن أراد باطلاً رد .

وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يقبل مطلقاً,  ولم يرد جميع معناه بل يوقف اللفظ , ويفسر المعنى كما تنازع الناس في الجهة والتحيز , وغير ذلك ؛ فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله فيكون مخلوقاً كما إذا أريد الجهة  نفس العرش أو نفس السموات , وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم .

 ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة , ولا نفيه كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه  ,ونحو ذلك .

 وقد علم أن ما من موجود إلا الخالق والمخلوق , والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ولا في ذاته شيء من مخلوقاته .

 فيقال لمن نفى الجهة أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق ؟

 فالله ليس داخلا في المخلوقات أم تريد بالجهة ما وراء العالم ؛ فلا ريب أن الله فوق العالم مباين  للمخلوقات .

 وكذلك يقال لمن قال الله في جهة أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات .

فإن أردت الأول فهو حق , وإن أردت الثاني فهو باطل  .

 وكذلك لفظ التحيز إن أراد أن الله تحوزه المخلوقات  , فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض ,  وقد قال الله تعالى : {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}

 وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض …

                                 البخاري (6519) ومسلم (2787)

وإن أراد أن الله منحاز عن المخلوقات : أي مباين لها منفصل عنها ليس حالا فيها ؛ فهو سبحانه كما قال أئمة السنة فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه .

“مجموع الفتاوى” (3/42)

وقال شيخ الإسلام : فإن كثيرًا من عامة النفاة وإن كان مشهورًا عند الناس بعلم أو مشيخة أو قضاء أو تصنيف قد يظن أن قول من قال إنه في السماء أو في جهة معناه أن السموات تحيط به وتحوزه وكذلك إذا قال متحيز يظن أن معناه الحيز اللغوي وهو كونه تحيز في بعض مخلوقاته حتى إنهم ينقلون ذلك عن منازعهم إما عمدًا أو خطأ وربما صغروا الحيز حتى يقولوا إن الله في هذه البقعة أو هذا الموضع ونحو ذلك من الأكاذيب المفتراة .

بيان تلبيس الجهمية (3/306)

وقال ابن رشد في ” مناهج الأدلة”

: وأما هذه الصفة – أي الجهة – فلم يزل أهل الشريعة في أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخروا  الأشعرية كأبي المعالي ,  ومن اقتدى بقوله , وظواهر الشرع تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } ومثل قوله تعالى : { وسع كرسيه السماوات والأرض } ومثل قوله : { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } ومثل قوله : { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } ومثل قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه } ومثل قوله : { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور } إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً , وإن قيل فيها : إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء , وأن منها تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ,وأن من  السماء نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قرب من سدرة المنتهى .

قال : ” وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك , والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة يوجب إثبات المكان وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية .

قال : ونحن نقول : إن هذا كله غير لازم ؛ فإن الجهة غير المكان ….

“درء التعارض”(3|211)

رابعا : من الكذب الذي نسبه لشيخ الإسلام أنه زعم أن ابن تيمية يقول أن الله تحويه الجهات الست ؟!

وقد رد شيخ الإسلام هذه الفرية وبين أن الله لا تحويه الجهات الست بل هو على عرشه استوى

قال شيخ الإسلام : وَلَيْسَ لِلْأَفْلَاكِ إلَّا جِهَتَانِ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ فَقَطْ.

وَأَمَّا الْجِهَاتُ الست فهي الحيوان، فَإِنَّ لَهُ سِتَّ جَوَانِبَ، يَؤُمُّ جِهَةً فَتَكُونُ أَمَامَهُ، وَيُخْلِفُ أُخْرَى فَتَكُونُ خَلْفَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي يَمِينَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي شِمَالَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رَأْسَهُ، وَجِهَةٌ تُحَاذِي رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْجِهَاتِ السِّتِّ فِي نَفْسِهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ، بَلْ هِيَ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، فَيَكُونُ يَمِينُ هَذَا مَا يَكُونُ شِمَالُ هَذَا، وَيَكُونُ أَمَامَ هَذَا مَا يَكُونُ خَلْفَ هَذَا، وَيَكُونُ فَوْقَ هَذَا مَا يَكُونُ تَحْتَ هَذَا.

لَكِنَّ جِهَةَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ لِلْأَفْلَاكِ .

الرسالة العرشية (22)

وقال رحمه الله : وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ مُسَمَّى الْجِهَةِ نَوْعَانِ إضَافِيٌّ مُنْتَقِلٌ وَثَابِتٌ لَازِمٌ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَهِيَ الْجِهَاتُ السِّتُّ لِلْحَيَوَانِ، أَمَامَهُ وَهُوَ مَا يَؤُمُّهُ، وَخَلْفَهُ وَهُوَ مَا يَخْلُفُهُ وَيَمِينَهُ، وَيَسَارَهُ وَفَوْقَهُ، وَتَحْتَهُ وَهُوَ مَا يُحَاذِي ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْجِهَاتُ لَيْسَتْ جِهَاتٍ لِمَعْنًى يَقُومُ بِهَا، وَلَا ذَلِكَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَهَا، بَلْ تَصِيرُ الْيَمِينُ يَسَارًا وَالْيَسَارُ يَمِينًا وَالْعُلُوُّ سُفْلًا وَالسُّفْلُ عُلُوًّا، يَتَحَرَّكُ الْحَيَوَانُ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِي الْجِهَاتِ، وَأَمَّا الثَّانِي، فَهُوَ جِهَتَا الْعَالَمِ وَهِيَ الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ، فَلَيْسَ لِلْعَالَمِ إلَّا جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا الْعُلُوُّ وَهُوَ جِهَةُ السَّمَاوَاتِ وَمَا فَوْقَهَا، وَجِهَةُ السُّفْلِ وَهُوَ جِهَةُ الْأَرْضِ وَمَا تَحْتَهَا وَفِي جَوْفِهَا، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَكُلُّ مَا كَانَ خَارِجَ الْعَالَمِ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ فَهُوَ فَوْقَهُ وَهُوَ فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا، فَالْبَارِي تَعَالَى إمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، أَوْ لَا يَكُونُ مُبَايِنًا لَهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، كَانَ خَارِجًا عَنْهُ عَالِيًا عَلَيْهِ بِالْجِهَةِ الْعُلْيَا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، كَانَ حَالًّا فِي الْعَالَمِ قَائِمًا بِهِ مَحْمُولًا فِيهِ.

قَالَ هَؤُلَاءِ: وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَالْبَارِي قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْعَالَمَ كَانَ هُوَ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُقْهُ فِي ذَاتِهِ، فَيَكُونُ هُوَ مَحَلًّا لِلْمَخْلُوقَاتِ، وَلَا جَعَلَ ذَاتَه فِيهِ، فَيَكُونُ مُفْتَقِرًا مَحْمُولًا قَائِمًا بِالْمَصْنُوعَاتِ، بَلْ خَلْقُهُ بَائِنًا عَنْهُ فَيَكُونُ فَوْقَهُ وَهُوَ جِهَةُ الْعُلُو .

الفتاوى الكبرى (6/356-357)

خامسا : أنهم حذاق الأشاعرة اعترفوا أن المراد بالجهة التي يفترضونها فوق العرش جهة عدمية , والعدم لا شئ , فعاد الأمر أن يكون مجرد تخيل في الذهن لا حقيقة له

قال شيخ الإسلام : ويقال لهم: ما تعنون بأن هذا إثبات للجهة والجهة ممتنعة؟ أتعنون بالجهة أمراً وجودياً أو أمراً عدمياً؟

فإن أردتم أمرا وجودياً ـ وقد علم أنه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والله فوق سماواته بائن من مخلوقاته، لم يكن ـ والحالة هذه ـ في جهة موجودة…وإن فسرتم الجهة بأمر عدمي كما تقولون: إن الجسم في حيز، ولاحيز تقدير مكان، وتجعلون ما وراء العالم حيزاً.

فيقال لكم: الجهة ـ والحيز ـ إذا كان أمراً عدمياً فهو لا شيء، وما كان في جهة عدمية أو حيز عدمي، فليس هو في شيء، ولا فرق بين قول القائل: هذا ليس في شيء وبين قوله: هو في العدم أو أمر عدمي فإذا كان الخالق تعالى مبايناً للمخلوقات عالياً عليها، وما ثم موجود إلا الخالق أو المخلوق، لم يكن معه غيره من الموجودات، فضلاً عن أن يكون هو سبحانه في شيء موجود يحصره أو يحيط به.

درء التعارض (1/254)

سادسا : قارن بين هذا القول وبين ما نقله القشيري من سادات الأشاعرة عن أبي علي الدقاق : أَحْسَن مَا قيل فِي هَذَا الباب قَوْل من قَالَ هَذَا طريق لا يصلح إلا لأقوام قَدْ كنس اللَّه بأرواحهم المزابل !.

الرسالة القشرية (2/444)

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابقَ على إتصال

2,282المشجعينمثل
28,156أتباعتابع
10,000المشتركينالاشتراك

مقالات ذات صلة