حكم المشاركة في الجهاد لغير الملتزم.

السؤال

أخي يريد الذهاب للجهاد مع أنه ليس ملتزمًا كل الالتزام، ولكنه يقول إذا ذهبت للجهاد وغيرت بيئتي فسوف أتغير، فهل نسمح له بالجهاد مع العلم أن والداي متوفيان، ولكن إخواني الكبار رافضين؟.

الجواب

الحمد لله

لا حرج من ذهاب ناقص الإيمان والمتلبس بالمعاصي إلى الجهاد في سبيل الله، وتكملة نقص الإيمان يكون بأداء الواجب وفعل الطاعات – مع ترك المعاصي – والذاهب للجهاد قائم بطاعة يُرجى أن يُكمل به نقصه، ويمكن الاستدلال على صحة ما نقول ببعض أدلة، منها:

أ. أنه لا يستطيع أحد أن ينفي مخاطبة ناقص الإيمان بأوامر الله تعالى التي تدعو إلى الجهاد أو إلى الإعداد له؛ وذلك مثل الخطاب بالصلاة والصيام، فلا فرق بين قوله تعالى { كتب عليكم الصيام } وبين قوله { كتب عليكم القتال }.

ب. والمسلم يبحث عن طاعة تزيد من إيمانه، وتكفر عن سيئاته وتغسل أثر ذنوبه، والجهاد من الطاعات التي ترفع أهله وتكفر سيئاته، قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [ الصف / 10 – 13 ].

فالمسلم المبتلى بفعل المعاصي أولى أن يُحثَّ على الذهاب إلى الجهاد، وأن يُسهَّل له أمره؛ فبه يغسل أثر ذنوبه، وتُكفَّر عنه سيئاته.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

ومن كان كثير الذنوب: فأعظم دوائه: الجهاد؛ فإن الله عز وجل يغفر ذنوبه، كما أخبر الله في كتابه بقوله سبحانه وتعالى: { يغفر لكم ذنوبكم }.

” مجموع الفتاوى ” ( 28 / 421 ).

ج. وفي السنَّة الصحيحة إشارة صريحة إلى مشاركة العاصي والفاسق في الجهاد، بل وانتفاع الإسلام والمسلمين بهذه المشاركة.

– عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم  “. رواه البخاري ( 2897 ) ومسلم ( 111 ).

د. وقصة أبي محجن رضي الله عنه في ” القادسية ” مع سعد بن أبي وقاص دليل على ما قلناه من أن المعصية لا تمنع من القتال والجهاد.

والقصة معروفة مشهورة صحيحة السند، وقد صححها الحافظ ابن حجر في ” الإصابة ” ( 4 / 173 )، وفيها أن أبا محجن كان يشرب الخمر، وكان مأسورًا، فأطلقته ابنة سعد بن أبي وقاص ليجاهد على أن يرجع إلى الأسر، فأبلى بلاء حسنًا في قتال أهل الكفر، فلما انتهى القتال رجع إلى القيد والأسر، فلم يقِم عليه سعدٌ رضي الله عنه الحدَّ، فترك أبو محجن شرب الخمر ولم يعُد إليها.

فانظر إلى هذا المبتلى بمعصية شرب الخمر، وكيف أنها لم تمنعه من المشاركة في قتال الكفار، بل إن الجهاد كان سببًا لترك إقامة الحدِّ؛ وذلك لشدة بلائه في جهاده.

* قال ابن القيم رحمه الله:

والظاهر أن سعدًا رضي الله عنه اتبع في ذلك سنة الله تعالى؛ فإنه لما رأى من تأثير أبي محجن في الدين وجهاده وبذله نفسه لله ما رأى درأ عنه الحد؛ لأن ما أتى به من الحسنات غمرت هذه السيئة الواحدة، وجعلتها كقطرة نجاسة وقعت في بحر، ولا سيما وقد شام منه مخايل التوبة النصوح وقت القتال، إذ لا يظن مسلم إصراره في ذلك الوقت الذي هو مظنة القدوم على الله وهو يرى الموت.

” إعلام الموقعين ” ( 3 / 18 ، 19 ).

والخلاصة: أنه لا مانع شرعًا من مشاركة غير الملتزم أو المتلبس بالمعصية في جهاد فرض الكفاية، ولعل الله تعالى يكفر عنه سيئاته ويغفر له ذنبه، ويتقبله في الشهداء، ولا يجب عليه استئذان أشقاءه، والاستئذان لا يكون إلا من الوالدين.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة