ما الفرق بين الأمر الوارد بإعفاء اللحية والأمر بصبغ الشعر؟

السؤال

إن الدليل على وجوب اللحية ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر عن النبي صلى الله

علية وسلم قال: ” خالفوا المشركين ووفروا اللحى واحلقوا الشوارب ” صدق رسول الله، وهناك حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود ” أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ” صدق رسول الله، وقد أجمع السلف على عدم وجوب صبغ الشعر، فلم كان حكم اللحية من الحديث الأول واجبًا والصبغ من الحديث الثاني سنة مع أن الحديثين فيهما صيغة الأمر بمخالفة المشركين؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

تخريج الحديثين:

عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب “. رواه البخاري ( 5553 ) ومسلم ( 259 ).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم “.

رواه البخاري ( 3275 ) ومسلم ( 2103 ).

 

ثانيًا:

فقه الحديثين:

قد تقرر في ” علم الأصول “: أن الأصل في أوامره صلى الله عليه وسلم الوجوب؛ لقوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور / 63 ]، وغيره من الأدلة، والخروج عن هذا الأصل لا يجوز إلا بدليل صحيح تقوم به الحجة.

والذي ظهر لنا بالبحث والاستقراء وجود الفرق في الحكم بين إعفاء اللحية والصبغ بغير السواد، وهذه الفروق تجعل القول بوجوب الأول وسنية الثاني ليس مستغربا، ومن هذه الفروقات:

  1. أن في حلق اللحية مخالفات كثيرة ووقوع في محاذير متعددة منها:

أ. مخالفة الأمر الوارد في الحديث.

ب. التشبه بالمشركين.

ب. التشبه بالنساء.

ج. تغيير الفطرة.

د. تغيير خلق الله عز وجل.

وليست مثل هذه المحاذير – باستثناء الأول والثاني – موجودة في عدم الصبغ، وهو ما يجعل من وجود الفرق في الحكم أمرًا طبيعيًّا.

وانظر ” تمام المنة ” للشيخ الألباني ( ص 82 ، 83 ).

  1. أن فهم السلف – وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم – مقدَّم على فهم غيرهم، لذا وجدنا من خالف في حكم الصبغ والخضاب فلم يوجبه بل بعضهم لم يفعله، ولم نجد مثل هذا في حكم إعفاء اللحية، لذا لن يعرف عن أحدٍ أنه حلقها.
  2. أن الأمر بالخضاب – الصبغ – يصدق على من فعله مرة واحدة في عمره، ولعل هذا هو المقصود من الحديث بالأمر بالخضاب، وليس الأمر كذلك في إعفاء اللحية، وعند التأمل في هذا تجد الفرق واضحًا في الحكم.

قال الإمام أحمد لتلميذه أبي هاشم – زياد بن أيوب -: يا أبا هاشم اخضب ولو مرة، أُحبُّ لك أن تخضب  ولا تشبه باليهود. ” الترجل ” ( ص 124 ).

  1. جعل الشرع إعفاء اللحية من سنن الفطرة، وليس الأمر كذلك في الخضاب، والأصل في سنن الفطرة الوجوب إلا بدليل ينقل هذا الوجوب إلى غيره.

* قال الكشناوي:

أما الخضاب فلم يكن معدودًا في الفطرة، وحكمه: الجواز.

” أسهل المدارك بشرح إرشاد السالك ” ( 3 /  92 ).

  1. نُقل الإجماع على وجوب إعفاء اللحية، ولم يُنقل الإجماع على وجوب الخضاب.

فقد نقل ابن حزم في ” مراتب الإجماع ” ( ص 157 ) إجماع العلماء على أن حلق اللحية مثلة لا تجوز.

وقال بعض العلماء بظاهر حديث أبي هريرة وهو وجوب الصبغ – بغير السواد -، وعلى رأس هؤلاء الإمام أحمد رحمه الله.

فقد روى عنه الخلاَّل في كتابه ” الترجل ” ( ص 121 ) قوله: الخضاب عندي كأنه فرض.

قال محقق الكتاب الشيخ عبد الله المطلق – تعليقًا على قول الإمام أحمد -:

هذه إحدى الروايات عن أحمد في حكم خضاب الشيب بغير السواد، والرواية الثانية: أنه مستحب بحناء وكتم، أو ورس وزعفران، والرواية الثالثة: أنه يستحب بحناء وكتم، ولا بأس بورس وزعفران,  ومال إلى هذه الرواية الموفق في ” المغني ” ( 1 / 92 ).

– ” الترجل ” ( ص 121، 122 ) ونقل بعده الاستحباب عن الحنفية، والسنية عن الشافعية، والإباحة عن المالكية.

  1. وأمر أخير مهم أنه قد ورد الترغيب بإبقاء البياض، ورتِّب على بقائه فضلًا.

عن كعب بن مرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة “. رواه الترمذي ( 1634 ) والنسائي (3144 ). والحديث: حسَّنه الترمذي وصححه الألباني في ” صحيح الجامع ” (6307 ).

فعُلم منه أنه ليس المقصود هو الخضاب في كل حال، فيقال هنا: ورد الترغيب بالخضاب والترغيب بإبقاء البياض، ويصدق الخضاب على من فعله مرة – كما سبق -، ولم يرد الترغيب بإعفاء اللحية وحلقها، فافترقا.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة