هل القرآن يصلح لكل زمان ومكان؟

السؤال

أقرأ القرآن، و أريد أن أعرف إذا كانت هذه الآيات صالحة لأي وقت، هناك بعض الآيات التي استخدمت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالذات، فهل كل الآيات صالحة لأي زمان ولأي موقف تدل عليه هذه الآية؟.

أرجو الشرح، جزاكم الله خيرًا.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

ختم الله تعالى الرسالات برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وختم النبيين به هو صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } [ الأحزاب / 40 ]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن مَثَلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لَبِنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين ” – رواه البخاري ( 3342 ) ومسلم ( 2286 ) -.

وكانت آيات الرسل التي جعلها الله تعالى علامات على صدق الرسل قبله صلى الله عليه وسلم خاصة بزمانهم فقط؛ لأن كل رسول أُرسل إلى قومه خاصة، ومن الطبيعي أن تكون آية للنبي صلى الله عليه وسلم خالدة ومستمرة لكل زمان ومكان؛ لأنه بُعث للناس كافة وإلى قيام الساعة، فكان ” القرآن الكريم ” هو تلك الآية الخالدة، فعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما مِن الأنبياء نبي إلا أُعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة ” – رواه البخاري ( 4696 ) ومسلم ( 152 ) -.

وفي القرآن الكريم آيات متعددة فيها بيان ما سبق ذِكره، ومنه أن القرآن كتاب هداية وتشريع للناس إلى قيام الساعة، ولا يحل لأحدٍ أن يخرج على أحكامه وتشريعاته، قال الله تعالى: { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } [ البقرة / 2 ]، وقال: { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا كبيرًا } ] الإسراء / 9 ]، وقال تعالى: { كتاب أنزلناه إليك مباركٌ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } [ إبراهيم / 2 ].

وقال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا } [ النساء / 65 ]، وقال: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا } [ الأحزاب / 36 ].

وبناءً على هذه النصوص يُعَدُّ من يختار من الأحكام غير ما اختاره الله ورسوله قد ضلَّ ضلالًا بعيدًا، قال تعالى: { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور / 63 ].

وإذا قُصد بالآية قوم معينون أو شخص معين فلا يعني ذلك أن الآية له دون غيره إلا بنص خاص يبين ذلك، فآيات الظهار والطلاق واليمين واللعان وغيرها وإن كان سبب نزولها مناسبة معينة أو سبب نزول فإنها عامة في كل أحد إذا تشابهت المناسبة والسبب.

وكذلك إذا قال الله عز وجل: { ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا }، فإن كلمة ” القوم ” في الآية يُقصد بها أعداء الإسلام أينما كانوا، وإن كان المعنى المقصود بـ ” القوم ” هم الكفار الذين يحاربون الله ورسوله.

ثانيًا:

وبعض الناس يريد من هذه الجملة معنى باطلًا، وهو أن الشريعة تتغير أحكامها على حسب الزمان والمكان، وهذا معنى ” صلاحيتها ” عنده، فيصبح للآية والحديث معنى آخر غير المعنى الذي أراده الله تعالى وفهمه المسلمون.

قال الشيخ ابن عثيمين:

والدين الإسلامي: متضمن لجميع المصالح التي تضمنتها الأديان السابقة، متميز عليها بكونه صالحًا لكل زمان، ومكان وأمة، قال الله تعالى مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه } [ المائدة / 48 ].

ومعنى كونه صالحًا لكل زمان ومكان وأمة: أن التمسك به لا ينافي مصالح الأمة في أي زمان، أو مكان، بل هو صلاحها، وليس معنى ذلك أنه خاضع لكل زمان ومكان وأمة كما يريده بعض الناس.

” فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 5 / 101 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة