زنى ويريد إقامة الحد عليه، ومبتلى بالنظر للصور العارية

السؤال

أنا شاب لم أتزوج وقد زنيتُ منذ زمن ولم أتزوج حتى وقتي هذا والتزمت بديني، وأريد أن أذهب إلى ولي الأمر وهو الحاكم من دون رياء وأعترف بما قمت به ليُقام عليَّ الحد، وأريد أن أتوب إلى الله العظيم من ذلك الذنب، ولكني مع هذا الالتزام أعاني من شيءٍ واحد وهو أني أرى بعض الأوقات مشاهد عارية على الإنترنت أو في التلفزيون وأبحث عنها، ولكني بعد رؤيتها أندم ندمًا شديدًا وأتعود على عدم إعادة ذلك الشيء، وأعيد وأندم، وعلى هذا الحال، لقد تعبت وأنا أقرأ القرآن بتسلسل تقريبًا .

يا شيخ حيث أني لا أستطيع الزواج لضيق الحال ولكل شيء قال الله تعالى ورسوله بما معناه أن كل شخص عليه يأخذ بأسباب الزواج….

أسبابه من المال والوظيفة الجيدة التي يمكن أن يتحمل الشخص عبء الزواج والحياة الزوجية، ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ أحضر ولله الحمد الدروس الدينية عند أحد الشيوخ الذين هم على منهج السلف الصالح، وأنا أساعد أهلي بكون أني أشتغل في النهار وأدرس في المساء في الجامعة، مصاريف الزواج والحياة الزوجية أحس أني لا أستطيع تحملها ولكني سمعت بعلاج ديني لهذه المشكلة وهو الصيام ولكني أحس أني سيصيبني إرهاق من ذلك أرجوك يا شيخ أرشدني لكي لا أقع في الذنوب، وثم والعياذ بالله في النار.

الجواب

الحمد لله

أولًا :

الزنا من كبائر الذنوب ولا شك وهو يوجب الحدَّ في الدنيا واستحقاق العقوبة في الآخرة، وحدُّه في الدنيا: الجلد مئة وتغريب عام للبكر – ذكرًا أو أنثى -، والرجم حتى الموت للمحصن من الذكور والإناث.

ومن أقيم عليه الحد في الدنيا فهو كفارة له وتطهير، ومن تاب منه توبة نصوحًا كانت التوبة ماحية لذنبه.

ومن لم يُقم عليه الحد ولم يتب: فإنه معرّض للوعيد الشديد في الآخرة، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجالًا ونساءً في تنورٍ في جهنم وهم عراة يصطلون بالنار كلما أرادوا الخروج منه أعيدوا فيه، فلما سأل عنهم قيل له: هؤلاء الزناة والزواني – رواه البخاري في باب إثم الزناة رقم ( 7047 ) -.

ثانيًا:

ولم يرغِّب الشارع الحكيم مرتكبي المعاصي التي أوجب الله تعالى فيها الحدود في أن يعترفوا بذنوبهم لدى الحاكم ليقيم عليهم حدود الله عز وجل، بل رغَّبهم بالتوبة والإنابة إلى الله دون فضح أنفسهم وتعريضها لإقامة الحد.

وعلى هذا كان أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يردون الراغب في الاعتراف لإقامة الحد عليه إلى التوبة بينه وبين ربه عز وجل.

وفي صحيح مسلم ( 1695 ) عندما جاء ” ماعز ” يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ” طهِّرني “، قال له: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه.

قال الحافظ ابن حجر:

ويؤخذ من قضيته – أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى – أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ، كما أشار به أبو بكر وعمر على ” ماعز “، وأن مَن اطَّلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ” لو سترتَه بثوبك لكان خيرًا لك “، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال: أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر. ” فتح الباري ” ( 12 / 124 ، 125 ).

وعليه: فنحن لا ننصحك بالذهاب إلى الحاكم، بل عليك أن تتوب بينك وبين الله، ومن لوازم التوبة ترك البيئة التي عملت فيها الفاحشة من مكان وعمل وأصدقاء وأسباب، وعليك أن تحقق شروط التوبة النصوح من حيث الندم على فعلتك، والإقلاع عنها، والعزم على عدم العوْد إليها.

ثالثًا:

وكما حرَّم الله تعالى الزنا فإنه حرَّم كذلك الأسباب التي تؤدي إليه، فقد حرَّم النظر المحرَّم إلى النساء، وحرَّم الخلوة والمماسة والدخول على النساء، وغير ذلك، وكل ذلك من أجل قطع الطريق المؤدية لفاحشة الزنا .

وعليه: فحتى تصدق في توبتك وكما أنك ندمت على الزنا فإنه يجب عليك أن تندم وتصمم على الإقلاع عن معصية النظر المحرّم إلى الصور العارية، وعليك أن تتخلص من كل ما يؤدي بك إلى تلك المعصية، فتخلَّص من التلفاز فلا خير فيه، وامنع نفسك من الإنترنت، وعليك أن تشغل نفسك بالعبادة والطاعة، ومن أفضل ما يعينك على غض البصر والطاعة هو الرفقة الصالحة، فابحث لك عن إخوة تقوِّي نفسك بهم، وابحث عن بيئة تصلح للسكن ليس فيها ما يدعو إلى المحرمات.

ومن أعظم أسباب حفظ البصر والفرج هو الزواج، وأنت ذكرت في سؤالك أنك غير مستطيع لتكاليفه، ونحن نبشرك بقوله تعالى { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ النور / 32 ]، ونبشرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ” ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف … “، فإن اتقيت الله تعالى حق تقواه يسَّر الله لك من يرضى بالقليل من المهر وتكاليف الزواج وأعانك على طاعته وترك معصيته.

فإن لم تيسر لك ذلك فعليك بالصوم فإنه لك وجاء ووقاية كما أرشد إليه نبينا صلى الله عليه وسلم، ولو سبَّب لك إرهاقًا؛ فإن الإرهاق في الطاعة خير ولا شك من الراحة في المعصية والفاحشة، فعاقبة الأولى إلى خير وسعادة وثواب، وعاقبة الثانية إلى شر وشقاء وعقاب.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة