يوصل الرشوة عن أصحاب الحقوق للمرتشين

السؤال

أنا رجل أشتغل بتعليم سياقة السيارات، وقد حددت الدولة ثمنًا معيَّنًا للزبون يتضمن أجرة المعلم ومستلزمات أخرى، ولكنَّ التقنيين الذين يمتحنون الزبائن يفرضون علينا أن نأخذ من الزبون مبلغًا إضافيًّا بمثابة رشوة لهم حتى يعطوه رخصة القيادة، وإذا لم يسلم تلك الرشوة فإنه يسقط في الامتحان، فهل يجوز لي أن آخذ منه ذلك المبلغ الذي صار متعارفًا عليه بين الناس، مع العلم أنه لو أمكنني أن لا آخذه لفعلت لأني ملزم بذلك، وإلا فإن السقوط سيكون مآل كل زبائني وبالتالي سوف أخسر عملي، والله المستعان، أرجو أن تتفضلوا بالإجابة وجزاكم الله عني كل خير.

الجواب

الحمد لله

أولًا :

حرَّم الإسلام أكل أموال الناس بغير حق، فقد قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ النساء / 29 ]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفْسٍ منه ” رواه أحمد (20577 )، وصححه الشيخ الألباني في ” الإرواء ” ( 1459 ).

ومن طرق أكل أموال الناس بالباطل وعن غير طيب نفس هو أخذ المكوس والرشاوى، وقد ” لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ” – رواه الترمذي ( 1337 ) وصححه، وأبو داود ( 3580 ) وابن ماجه ( 2313 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -.

والراشي: هو من يُعطي المال لإبطال حق أو إحقاق باطل، والمرتشي: هو الآخذ، وقد شمله اللعن لأنه شريك للراشي ومعين على الظلم والفساد.

ثانيًا:

ومن كان له حق ضائع، ولم يجد طريقة للوصول إليه إلا بالرشوة، أو وقع عليه ظلم لم يستطع دفعه عنه إلا بالرشوة: فالأفضل له أن يصبر حتى ييسر الله له السبل لرفع الظلم، ونيل حقه.

فإن سلك سبيل الرشوة من أجل ذلك: فالإثم على الآخذ – المرتشي – وليس عليه إثم الراشي إذا بذل ما في وسعه لأخذ حقه بغير هذا الطريق، وبشرط أن يرفع عن نفسه ظلمًا أو يأخذ حقًّا له دون اعتداء على حقوق الآخرين.

قال ابن الأثير – رحمه الله -:

فأمّا ما يُعطى توصلًا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه … .

” النهاية ” ( 2 / 226 ).

وقال الخطابي – رحمه الله -:

إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلمًا فإنه غير داخل في هذا الوعيد…. ” معالم السنن ” ( 5 / 207 ).

ثالثًا:

والأمر الوارد في السؤال يتمثل خطره في أن يُدفع المال لأولئك المرتَشين من قِبل أناسٍ لا يجيدون قيادة السيارات مما يمكن أن يسبب ضررًا عليهم وعلى الآخرين من حوادث محتملة، فمثل هؤلاء ليسوا ممن يجوز لهم دفع الرشوة إذ لا حقَّ لهم يجلبوه، ولا شر عن أنفسهم يدفعوه.

رابعًا:

وأما ” الواسطة ” – الرائش – بين الدافع الآخذ: فحكمه بحسب ما يفعله، فإن كان معينًا لصاحب الرخصة المستحق لها، ولم يأخذ شيئًا من المال: فلا حرج عليه من توصيل المال للمرتشين الظلمة، وإن أخذ من المال ولو يسيرًا: فحكمه حكم المرتشين الآكلين لأموال الناس بالباطل.

والخلاصة: يحرم دفع الرشوة لهؤلاء المرتشين ابتداء، ويجب التبليغ عنهم لاجتثاث جذورهم قدر الاستطاعة، ومن كان محسنًا للقيادة على التمام ولم يستطع الحصول على الرخصة إلا بدفع رشوة: فليس عليه إثم، بل الإثم على الآخذ للمال.

ولا يحل لمن كان غير محسنٍ للقيادة أن يُعان على دفع المال؛ إذ ليس هؤلاء من المظلومين ولا من أصحاب الحقوق الضائعة.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة