الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة، ومواضع اتفاقهما وافتراقهما

السؤال

ما الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

عرَّف الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى البدعةَ بتعريف جامع فقال:

” فكل مَن أحدث شيئًا، ونسبه إلى الدِّين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه: فهو ضلالة، والدين منه بريء “. ” جامع العلوم والحكم ” ( 2 / 128 ).

فصارت أركان البدعة:

  1. الإحداث.
  2. أن يضاف هذا الإحداث إلى الدين.
  3. ألا يستند هذا الإحداث إلى أصل شرعي؛ بطريق خاص أو عام.

ثانيًا:

و ” المصلحة ” في اللغة: المنفعة، سواء أكانت دنيوية أم أخروية.

و ” المرسلة ” في اللغة: المُطلقة.

و ” المصلحة المرسلة ” في الاصطلاح: هي المنفعة التي لم يرد فيها دليل خاص باعتبارها أو إلغائها.

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في بيان تعريف ” المصالح المرسلة ” -:

وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة، وليس في الشرع ما ينفيه. ” مجموع الفتاوى ” ( 11 / 342 ، 343 ).

ثالثًا:

ومن أوضح ما يفرَّق به بين البدعة والمصلحة المرسلة أمران:

  1. أن البدعة في البدع موضوعها: الغايات، والمصلحة المرسلة موضوعها: وسائل تحقيق الغايات.
  2. أن البدعة قام السبب – ويُطلق عليه ” المقتضي ” – لفعلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تُفعل، وأما المصلحة المُرْسَلَة: فلم يقمْ المقتضي لفعلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعليه: فمن جعل المصلحة المرسلة هي البدعة أو كالبدعة: فقد أخطأ، بل البدعة مضادة للمصالح المرسلة.

* قال الشاطبي – رحمه الله -:

فلما كان هذا الموضع مزلة قدم لأهل البدع أن يستدلوا على بدعتهم من جهته: كان الحق المتعين النظر في مناط الغلط الواقع لهؤلاء حتى يتبين أن ” المصالح المرسلة ” ليست من البدع في وِرد ولا صَدر … .

إذا تقررت هذه الشروط: عُلم أن البدع كالمضادة للمصالح المرسلة؛ لأن موضوع المصالح المرسلة ما عقل معناه على التفصيل، والتعبدات من حقيقتها: أن لا يعقل معناها على التفصيل. ” الاعتصام ” ( 1 / 373 – 386 ) وقد أطال التقرير هناك فليرجع إليه.

رابعًا:

وننقل هنا كلاما علميّا يضبط مسألة الفروقات والاتفاقات بين البدع والمصالح المرسلة نختم به الجواب ونرجو أن يكون نافعًا مفيدًا.

* قال الشيخ محمد بن حسين الجيزاني – وفقه الله -:

أ. وجوه اجتماع البدعة والمصلحة المرسلة:

  1. أن كلا من البدعة والمصلحة المرسلة مما لم يعهد وقوعه في عصر النبوة، ولا سيما المصالح المرسلة، وهو الغالب في البدع، إلا أنه ربما وجدت بعض البدع – وهذا قليل – في عصره، كما ورد ذلك في قصة النفر الثلاثة الذين جاءوا يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم.
  2. أن كلا من البدعة – في الغالب – والمصلحة المرسلة خال عن الدليل الخاص المعين، إذ الأدلة العامة المطلقة هي غاية ما يمكن الاستدلال به فيهما.

ب. وجوه الافتراق بين البدعة والمصلحة المرسلة:

  1. تنفرد البدعة في أنها لا تكون إلا في الأمور التعبدية، وما يلتحق بها من أمور الدين بخلاف المصلحة المرسلة فإن عامة النظر فيها إنما هو فيما عقل معناه، وجرى على المناسبات المعقولة التي إذا عُرضت على العقول تلقتها بالقبول فلا مدخل لها في التعبدات، ولا ما جرى مجراها من الأمور الشرعية.
  2. وتنفرد البدعة بكونها مقصودة بالقصد الأول لدى أصحابها؛ فهم – في الغالب – يتقربون إلى الله بفعلها، ولا يحيدون عنها، فيبعد جدًّا – عند أرباب البدع – إهدار العمل بها؛ إذ يرون بدعتهم راجحة على كل ما يعارضها، بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها مقصودة بالقصد الثاني دون الأول، فهي تدخل تحت باب الوسائل؛ لأنها إنما شرعت لأجل التوسل بها إلى تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة، ويدل على ذلك أن هذه المصلحة يسقط اعتبارها، والالتفات إليها شرعًا متى عورضت بمفسدة أربى منها، وحينئذٍ فمن غير الممكن إحداث البدع من جهة المصالح المرسلة.
  3. وتنفرد البدعة بأنها تؤول إلى التشديد على المكلفين وزيادة الحرج عليهم، بخلاف المصلحة المرسلة فإنها تعود بالتخفيف على المكلفين ورفع الحرج عنهم، أو إلى حفظ أمر ضروري لهم.
  4. وتنفرد البدعة بكونها مناقضة لمقاصد الشريعة، هادمة لها، بخلاف المصلحة المرسلة فإنها – لكي تعتبر شرعًا – لا بد أن تندرج تحت مقاصد الشريعة، وأن تكون خادمة لها، وإلا لم تعتبر.
  5. وتنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو أن المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه، بخلاف البدعة فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها، وتوفر الداعي، وانتفاء المانع.

والحاصل: أن المصالح المرسلة إذا روعيت شروطها كانت مضادة للبدع مباينة لها، وامتنع جريان الابتداع من جهة المصلحة المرسلة؛ لأنها – والحالة كذلك – يسقط اعتبارها ولا تسمى إذ ذاك مصلحة مرسلة، بل تسمى إما مصلحة ملغاة أو مفسدة.  “قواعد معرفة البدع ” ( ص 19 ، 20 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة