حكم قراءة القرآن مع الحدث الأصغر، وهل يلزم من ترك المستحب الوقوع في الكراهة

السؤال

إذا كان من المستحب قراءة القرآن ( من الذاكرة ) مع الوضوء، فهل سيكون مكروهاً قراءته كذلك دون وضوء؟ وبشكل عام إذا كان هناك شيء مستحب فعله فهل القيام بنقيضه يكون مكروهًا؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

قراءة القرآن للمحدِث حَدثا أصغر لا بأس بها، وقد نقل بعض العلماء الإجماع على جوازها، وفي المسألة أحاديث صحيحة تبيِّن أنه لا يجب الوضوء على من أراد قراءة القرآن وهو محدث حدثًا أصغر، وإنما الخلاف في مسِّه للقرآن وفي قراءة الجنب له، والجمهور على المنع منهما.

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنٍ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهِيَ خَالَتُهُ – قال: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي . رواه البخاري ( 4295 ) ومسلم ( 763 ).

وبوَّب عليه الإمام البخاري بقوله ” بَاب قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ “.

* قال ابن عبد البر – رحمه الله -:

وفيه: قراءة القرآن على غير وضوء؛ لأنه نام النوم الكثير الذي لا يختلف في مثله، ثم استيقظ فقرأ قبل أن يتوضأ، ثم توضأ بعدُ وصلَّى.

” التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ” ( 13 / 207 ).

* وقال النووي – رحمه الله -:

فيه : جواز القراءة للمحدِث، وهذا إجماع المسلمين.

” شرح مسلم ” ( 6 / 46 ).

ثانيًا:

وترك المستحب لا يقع فاعله في الكراهة في الأصل؛ لأن باب الاستحباب داخل في الأوامر، وباب الكراهة داخل في المنهيات، فالمستحب هو: ما أَمر به الشرع لا على وجه الإلزام، مثل صلاة الضحى، والكراهة هي : ما نهى عنه الشرع لا على وجه الإلزام، مثل نهي النساء عن اتباع الجنائز، فقد قالت أم عطية رضي الله عنها  ” كُنَّا نُنْهى عَنِ اتِّباع الجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا ” رواه البخاري ( 1219 ) ومسلم ( 938 ).

وفاعل المستحب على وجه التعبد: مأجور، والفاعل للأمر المكروه: لا يأثم.

وعليه: فلا يقال لمن ترك صلاة الضحى أنه وقع في مكروه، كما لا يقال لمن ترك رفع اليدين في الانتقال في الصلاة أنه وقع في مكروه.

* قال ابن دقيق العيد – رحمه الله -:

وليُعلم الفرق بين قولنا ” يُستحب فعل كذا ” وبين قولنا ” يُكره تركه ” فلا تلازم بينهما؛ فقد يكون الشيء مستحب الفعل ولا يكون مكروه الترك كصلاة الضحى مثلًا وكثير من النوافل  ” إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ” ( ص 19 ).

* وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة.

” فتح الباري ” ( 11 / 17 ).

* وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:

لا يلزم مِن ترك السُّنّة الوقوع في المكروه، ولهذا لو أن الإِنسان لم يرفع يديه في الصلاة عند الركوع: لم يفعل مكروهًا.

وهذه قاعدة: أنه لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه.

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 4 / 358 ).

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة