هل يجوز وعظ وتدريس المصلين كل يوم؟ وهل يكون ذلك بعد الصلاة مباشرة؟

السؤال

هل الموعظة، أو الدرس مباشرة بعد الصلاة من فِعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأتحدث خصوصا بعد صلاة العصر.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

لا شك أن من أفضل أعمال العبد عند الله تعالى: نشر العلم بين الناس, وتبليغ الدين.

قال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/ 33.

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  ( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حتَّى يُبَلِّغَهُ ).

رواه الترمذي ( 2656 ) وحسَّنه، وأبو داود ( 3660 ) وابن ماجه ( 230 ).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَ مِمَّا يَلْحِق المؤمن من عمله، وحسناته بعد موته، علمًا عَلِمَهُ وَنَشَره ).

رواه ابن ماجه ( 242 ) وحسَّنه الألباني في ” صحيح ابن ماجه “.

ثانيًا:

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ أصحابه أحيانًا بعد الصلوات.

عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلَّى ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان، وبما هو كائن، فأعلمُنا أحفظُنا. رواه مسلم ( 2892 ).

فأصل نشر العلم الشرعي مشروع, وأصل إعطاء الدرس بعد الصلاة مشروع، كما في الحديث السابق، لكن ينبغي التفريق بين الدرس، والموعظة، أما الدرس الخفيف اليسير لعامة الناس: فلا بأس به، ولو كان كل يوم، فلو قُرأ في الدرس حديثان من ” رياض الصالحين “، أو تليت آية، وذُكر تفسيرها: لما كان مخالفًا للسنَّة، ولا لهدي العلماء الربانيين، وإن كان الدرس أطول وقتًا: فليكن ثلاث مرات في الأسبوع في حده الأعلى: كان أفضل، والسآمة كما تحدث في الموعظة:فإنها تحدث في الدرس كذلك، وهذه وصية الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقد روى عنه البخاري ( 5978 ) قولَه: ” حَدِّثْ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً ، فَإِنْ أَبَيْتَ: فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ: فَثَلَاثَ مِرَارٍ، وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ “. انتهى.

وأما الموعظة: فإن الأفضل أن لا تكون كلَّ يوم؛ خشية السآمة، وتقدير ذلك يرجع إلى الواعظ، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه.

عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يذكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددتُ أنك ذكَّرتنا كل يوم؟ قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُملَّكم,  وإني أخولكم بالموعظة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها؛ مخافة السآمة علينا. رواه البخاري ( 70 ) ومسلم ( 2821 ).

– ( أُملُّكم ) أي: أوقعكم في الملل.

– ( يتخولنا ) أي: يتعاهدنا.

* قال النووي – رحمه الله -:

وفي هذا الحديث: الاقتصاد في الموعظة؛ لئلا تملها القلوب، فيفوت مقصودها. ” شرح مسلم ” ( 17 / 164 ).

ثالثًا:

وإذا كان درس، أو حصلت موعظة، بعد الصلاة، فهل تكون مباشرة بعد التسليم منها، أم ينتظر حتى ينتهي المسبوق، ويتم المصلون أذكارهم؟ والذي نراه في ذلك: التفصيل:

فإن كان الدرس ثابتًا في موعد محدد: فالأفضل أن ينتظر بالناس حتى ينتهوا من أذكارهم، وينتهي المسبوقون من صلاتهم.

وإن كانت الموعظة طارئة، كتنبيه الناس على حدث فيه صلاح لقلوبهم، أو احتاج المعلم لتنبيههم على خطأ يتعلق بصلاتهم، أو كان ثمة ضيف من الدعاة، أو العلماء يريد مخاطبة الناس ووعظهم، وتعليمهم: فنرى أنه لا مانع من البدء بالوعظ والتعليم عقيب الصلاة مباشرة، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما نراه.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلَاةَ ).

رواه البخاري ( 811 ) ومسلم ( 640 ).

وعَنْ أَنَسٍ – أيضاً – قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إِمَامُكُمْ فَلاَ تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلاَ بِالسُّجُودِ وَلاَ بِالْقِيَامِ وَلاَ بِالاِنْصِرَافِ فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي ) ثُمَّ قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ) قَالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ( رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ) .  رواه مسلم ( 426 ).

ولا فرق فيما قلناه من كون الدرس والموعظة بعد العصر، أو بعد الفجر، فالإمام يراعي اختيار الوقت المناسب بحسب أعمال المصلين، ووظائفهم، وعدد حضورهم.

 

والله أعلم.

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة