من كان له زوجتان وكانت إحداهما في درجة أعلى منه فهل يُلحق هو والأخرى بها؟

السؤال

قرأت في الحديث أنه إذا كان منزلة الوالدين أعلى من منزلة الأبناء في الجنة فإن الله برحمةٍ منه وفضل يرفع الأبناء إلى درجة الوالدين، والعكس، وأنه أيضًا إذا كانت منزلة الزوجة، أو الزوج أعلى أحدهما من الآخر بما قدم من أعمال أفضل: فإن الله بفضله يرفعه إلى منزلة الآخر، ولكن السؤال هنا:
إذا كان الرجل له زوجتان، وكانت إحداهما في درجة أعلى من الأخرى: فهل تُرفع الزوجة الأقل درجة هي والزوج إلى منزلة الزوجة الأعلى درجة، مع أنها اجتهدت في الدنيا أكثر؟.

الجواب

الحمد لله

أولًا:

ما ذكره الأخ السائل في مقدمة سؤاله ليس ثمة دليل عليه من السنَّة صحيح ، فيما نعلم، والصحيح أنها موقوفات على الصحابة، ومقطوعات على التابعين، فمَن بعدهم.

فعن عَمْرُو بنِ مُرَّةَ قال: سَأَلْت سَعِيدَ بن جُبَيْرٍ عن هذه الآيَةِ ( وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ ) قال: قال ابن عَبَّاسٍ: الْمُؤْمِنُ تُرْفَعُ له ذُرِّيَّتُهُ لِيُقِرَّ اللَّهُ عز وجل عَيْنَهُ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ في الْعَمَلِ. رواه االطحاوي في ” شرح مشكل الآثار ” ( 3 / 105 )، وصححه المحققون.

وقد ذكر الطحاوي رحمه الله أنه في حكم المرفوع، وكذا قال الشيخ الألباني رحمه الله، ولذلك خرجه في ” السلسلة الصحيحة ” ( 2490 ).

وقد جاء النص على مثله في كتاب الله تعالى، في قوله ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور/ 21.

– وقد ذكرنا في جواب سابق أن الإلحاق في الجنة في الدرجات يكون لصغار الذرية، ولمن يكون مع الأسرة في ذات البيت، لا لمن استقل منهم بزواج.

ثانيًا:

والزوجة إن كانت في الجنة في درجة أعلى من زوجها: فإن الله تعالى يجمع بينها وبين زوجها فيها، بأن يلحقه بها في درجتها، دون أن يُنقص من درجتها شيئًا.

وعليه: فإن زوجها، وأولادها منه يلتحقون بتلك المرأة الصالحة – الزوجة لها، والأم لهم – في درجتها في الجنة؛ لتقر عينها، وتسعد تلك الأسرة.

وفي مثل هذه الحال فإنه يصير الزوج في درجة عالية في الجنة، ولنفرض أن له زوجة أخرى، وأولادًا منها، وهم دون تلك المنزلة التي صار فيها: فإنه يُرجى أن يقر الله عيونهم جميعًا بالالتقاء في تلك المنزلة العالية، اجتماعاً لتلك الأسرة، وتحقيقًا للسعادة التي وعدهم الله تعالى بها، ويدل عليه ما ذكرناه من الآية، وما أحلنا عليه من الأجوبة.

فتصير تلك الزوجة الصالحة سببًا في ارتفاع درجة زوجها، وأولادها منه، ثم يكون الزوج سببًا في ارتفاع درجة زوجته الأخرى، وأولادهما.

وفضل الله تعالى عظيم، ورحمته واسعة، وبما قلناه يتحقق دعاء الملائكة حملة العرش في قولهم ( رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) غافر/ 8 .

ويتحقق وعد الله تعالى لهم في قوله:  ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ) الرعد/ 22 ، 23.

* قال الطاهر بن عاشور – رحمه الله -:

وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح، أو خلَف صالح، أو زوج صالح، ممن تحققت فيهم هذه الصلاة: أنه إذا صار إلى الجنَّة: لحِق بصالح أصوله، أو فروعه، أو زوجه، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى، كما قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شِيْءٍ ) الطور/ 21.

والآباء يشمل الأمهات، على طريقة التغليب، كما قالوا: الأبوين.

”  التحرير والتنوير ” ( 13 / 131، 132 ).

واجتماع الرجل بزوجاته في الجنة يدل عليه عموم الآيات السابقة، كما تدل عليه مخصوصة على أحد أقوى الأقوال فيها، ومنها:

  1. قوله تعالى ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) الزخرف/ 70.

ومعنى ( تُحبرون ): أي: تُنعَّمون، وتُسرُّون.

  1. وقوله تعالى ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ) يـس/ 55، 56.

* قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – في تفسير آية الزخرف -:

قوله تعالى في هذه الآية ( وأزواجكم ) فيه لعلماء التفسير وجهان :

أحدهما: أن المراد بأزواجهم: نظراؤهم، وأشباههم، في الطاعة، وتقوى الله، واقتصر على هذا القول: ابن كثير .

والثاني: أن المراد بأزواجهم: نساؤهم في الجنة؛ لأن هذا الأخير أبلغ في التنعم، والتلذذ، من الأول .

ولذا يكثر في القرآن، ذكر إكرام أهل الجنة، بكونهم مع نسائهم، دون الامتنان عليهم بكونهم مع نظرائهم وأشباههم في الطاعة  .

قال تعالى: ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ. هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ) يـس/ 55، 56.  ” أضواء البيان ” ( 7 / 142 ).

ونسأل الله أن يدخلنا وإياكم الجنة، مع أهالينا، وذرارينا، من غير حساب، ولا عذاب.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة