كحل الرجال :
في صغري كنت اذا وقفت أمام المرآه أتمنى أمنيتين متضادتين الاولى أن ينبت شعر شاربي ليقال عني رجل و الثانية ألا ينبت شعر لحيتي لكيلا يتشوه منظري ويقال عني متخلف ، نعم كانت هذه قناعتي البريئة ! ! وبقيت على هذا الامل حتى بلغت الخامسة عشرة عندها تحققت الأمنية الأولى ولم تتحقق الأخرى فبدأ شعر لحيتي يطول شيئا فشيئا فكان الموس لها بالمرصاد .. ولأنني أعتبر نفسي من فئة المهتمين بالمظهر اشتريت ماكينة حلاقة فاخرة قرأت في إعلانها أنها تنزع الشعرة من أصولها وهذا ما أريده فعلا فبقيت خمس سنوات عجاف سجنت لحيتي سجنا قاسيا فلم تعد ترى الشمس أبدا وكنت لا أرحمها فما تلبث أن تطل من شرفات وجهي إلا سمتها سوء العذاب و لكن كانت هناك شعيرات متمردات لم تستطع ماكينتي الفاخرة أن تقضي عليها بشفراتها الحادة فسألت من حولي فدلوني على طريقة رائعة لمعاقبة أي شعرة متمردة ألا وهي الشنق بالخيط ثم نزعها بشدة من مكانها نعم وكان تنفيذ الحكم أسبوعيا عند ذلك الحلاق التركي حتى بدأت بالملل من هذا الروتين المزعج ففكرت بحل نهائي أقضي به على جميع الشعيرات السجينات فاستشرت أحد أصحابي الذي تميز بنعومة وجنتيه فقلت له كيف تعاملت مع هذا التمرد الشعري فأخبرني أنه قد استخدم سلاحا كيماويا له دمار شامل وهو عبارة عن كريم يقوم بحرق الشعيرات مما ينهي حياتها بشكل نهائي وقبل التنفيذ بلحظات قمت بالتفكير قليلا وسألت نفسي لماذا أقوم أنا بكل هذه المكافحة المستميته أليس ليعجب الناس بمظهري ! ! إن كان هذا قصدك فهل قد سمعت ثناء من أحد !! فكان الجواب لا !! فكررت على نفسي سؤالا آخرا .. من الذي أمرك بهذا ؟ أظن بأنني مسلم فلماذا لم ألتفت لحكم الدين في هذا الجانب فبدأت ببحث المسأله ومرت الأيام حتى جاء أمر العفو العام بأمر من محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام فكانت المفاجأه أن المذاهب الأربعة أجمعت على حرمة حلق اللحى وأن قدوتنا كما يزعم بعضنا محمد بن عبد الله والأنبياء كانوا يعفون لحاهم ويطلقونها إذن فمن خدعني طول هذه المدة ! ! إنه واقع مجتمعنا المؤلم نعم المؤلم فقررت في تلك الساعة تنفيذ حكم العفو النبوي ورضخت له مطأطئا رأسي دون النظر في العواقب فتوالت المفاجأت واحدة تلو الأخرى بشكل يدعو للتفكر فلقد بدأت أسمع ثناء الناس ومدحهم لنور وجهي وكيف أنه قد اكتحل بالسواد الجميل ولقد وجدت أنني كنت أدفع أموالا طائلة اشتريت بها تعبي وهمي وشحوب وجهي فذهبت هذه الأموال دون فائدة فكنت أتحسر على شعر وجهي الكريم الذي كان مصيره إما بالوعة الحمام أجلكم الله أو تحت أقدام الحلاق فبعد أن أطلقت لحيتي عزني الله بها عزا لا مثيل له فكانت كما قال لي ذلك الشيخ الهرم ( ياولدي رب لحيتك تربيك ) فكانت وربي نعم المربي ، لم أكن أتخيل أن لحيتي سيكون لها كل هذا الأثر في تهذيبي و كبح جماح شهوتي ولكن المفاجأة الكبرى أنني عندما وجهت وجهي لصحبة تشابهني في مظهري كي لا أكون غريبا في مجتمعي القديم رأيت عجبا عجابا فلقد كان بعض الملتحين يعيشون حالا من الانهزامية وضعف الشخصية ويظن أن لحيته متعارضة مع التطور والحضارة والشهرة والأناقة فهو يتعايش معها على مضض ( وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ) لذا وجدت من بعضهم مشاهد محزنة فإذا عزم أحدهم إلى السفر خارج البلاد لا أدري لماذا يبدأ بتقصيص لحيته وتقليلها فهل اللحية تناقض التطور !! بئس التطور مادام في معصية الله .
” منقول “

