هل أبوا النبي صلى الله عليه وسلم في النار؟

السؤال

هل أبو النبي صلى الله عليه وسلم في النار؟

– أريد جوابًا مفصلًا ومدعمًا بالأدلة وأجيبوا عن الشبهات حول من قال إنه ليس في النار.

الجواب

الحمد لله

من اعتقاد أهل السنة والجماعة عدم الجزم لأحدٍ بجنة أو نار إلا ما جاء به النص على ذلك، ومما ورد في السنة الصحيحة – وكلاهما في ” صحيح مسلم ” – إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ” أن أباه في النار “، وكذا تحريم الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأمه.

ويمكن أن يقال: إنهما كفرا بملة إبراهيم عليه السلام، ويمكن القول إنهما من أهل الفترة، لكن الله تعالى أوحى إليه بما يكون عليه مصيرهما.

وكون بعض أهل الأنبياء كفارًا موجود قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فامرأة نوح عليه السلام وابنه من الكفار، وامرأة لوط عليه السلام كذلك، وكذا والد إبراهيم عليه السلام، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهله وأقرباءه فآمن كثيرون وكفر كثيرون، وكان ممن كفر: عمَّاه: أبو لهب، وأبو طالب، وغيرهما.

فما يقوله بعض الناس بخلاف هذا فهو إما كلام مبني على أحاديث غير صحيحة، أو كلام بعاطفة تغلب على النصوص وتعارضه.

عن أنس: ” أن رجلًا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار، فلما قفَّى دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار “، رواه مسلم برقم ( 203 ).

قال الإمام النووي: فيه: أن مَن مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقرَّبين، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم. ” شرح صحيح مسلم ” ( 3 / 79 ).

وقد قال بعض العلماء بخلاف هذا، وقالوا: إن الله تعالى أحيا أبَوَي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به وماتا!.

والأحاديث التي جاءت بإحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث موضوعة كما قال المحققون من أهل العلم، فإن في أسانيدها مجاهيل وضعفاء.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -:

هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟.

فأجاب: 

لم يصحَّ ذلك عن أحدٍ من أهل الحديث، بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلَق، وإن كان قد روى فى ذلك أبو بكر – يعني: الخطيب – في كتابه ” السابق واللاحق “، وذكره أبو القاسم السهيلي في ” شرح السيرة ” بإسنادٍ فيه مجاهيل، وذكره أبو عبد الله القرطبي في ” التذكرة “، وأمثال هذه المواضع، فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه مِن أظهر الموضوعات كذبًا كما نص عليه أهل العلم، وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث: لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة، ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير، وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح؛ لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متديِّن؛ فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فإنه من أعظم الأمور خرقًا للعادة من وجهين: مِن جهة إحياء الموتى، ومِن جهة الإيمان بعد الموت.

فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره، فلما لم يروه أحدٌ من الثقات عُلم أنه كذب، والخطيب البغدادي هو في كتاب ” السابق واللاحق ” مقصودة أن يَذكر مَن تقدم ومن تأخر من المحدثين عن شخصٍ واحدٍ سواء كان الذي يروونه صدقًا أو كذبًا، وابن شاهين يروى الغث والسمين، والسهيلي إنما ذكر ذلك بإسناد فيه مجاهيل، ثم هذا خلاف الكتاب والسنَّة الصحيحة والإجماع، قال الله تعالى: { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا. وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدَهم الموتُ قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار }، فبيَّن الله تعالى أنه لا توبة لمن مات كافرًا، وقال تعالى: { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنَّة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون }، فأخبر أن سنَّته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس، فكيف بعد الموت ونحو ذلك من النصوص؟، وفي صحيح مسلم: ” أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أين  أبي؟ قال: إن أباك في النار، فلمَّا أدبر دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار “، وفي صحيح مسلم أيضًا أنه قال: استأذنتُ ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكِّر الآخرة ” ….

” مجموع الفتاوى ” ( 4 / 324 – 327 ) مختصرًا، وليراجعه من أراد الاستزادة.

 

والله أعلم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

spot_img

أكثر الفتاوى شهرة